الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/01/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ الإجارة من العقود اللازمة \ خيار التفليس
 كان الكلام في ثبوت خيار التفليس وقلنا بأنه يمكن الأستدلال بأمور ثلاثة
 الأول وهو الشرط الإرتكازي والثاني قاعدة لا ضرر وتقدم منا تمامية الاستدلال بهما وكنا بصدد الحديث عن الدليل الثالث .
 الدليل الثالث: هو الروايات الخاصة وأسد هذه الروايات سندا هي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي الحسن (عليه السلام ) (سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصه الغرماء) . [1]
 حيث يحتمل في ( المتاع )أمران:
  الأول: أن يكون المراد المتاع الذي كان على ملكه،
 الثاني: المتاع الذي هو على ملكه بالفعل ، وقلنا بأنه بناء على الاحتمال الأول تكون الرواية دالة على أن ذلك الرجل هو من الغرماء ، وإلا لو كان المتاع باقيا على ملكه لما كان وجه لفرض المحاصة بعد فرض أن المتاع هو مال الغير الموجود لدى المدين فكيف يأخذه الغريم والحال انه مال الغير.
 والنقاش في هذه الرواية من جهتين :
 الأولى: أنه في موردها المتيقن ولنفرضه البيع بقرينة سائر روايات البيع لا دلالة فيها على حق الخيار والفسخ للبائع، إذ لا تعرض فيها للخيار ، وإنما الوارد فيها التعبير برد المتاع إلى صاحبه الظاهر في انفساخ العقد قهرا، حيث إن الظاهر أن للبائع حق المقاصة واستيفاء الثمن من المتاع بان يأخذه بدلا عنه ولا ربط للرواية لا بالفسخ ولا الانفساخ،
 والحاصل : أن أخذ المتاع يكون من باب استيفاء حقه بدلا عن الثمن ولا ربط له بانفساخ العقد.
 الثانية: أنه لا إطلاق في عنوان المتاع لغير الأعيان فلا تشمل المنافع التي تمت المعاوضة عليها بموجب عقد الإجارة، نعم الرواية مطلقة من حيث كون المتاع عنده ، هل من باب البيع ؟ أو الصلح ؟ أو نحو ذلك من المعاوضات، فلا إطلاق لفظي في الروايات ، اللهم إلا أن يدعى كبرى كلية مستفادة في المقام ، وهي أحقية صاحب كل مال من غيره بذلك المال بما في ذلك المنفعة وهذا ما أشار إليه المحقق العراقي في تعليقته على المتن ، ومن مجموع ما تقدم يظهر لك ما في كلام السيد الخوئي بعد أن ذكر صحيحة عمر بن يزيد ، وأن العبرة بوجود عين المال عنده سواء كان بعنوان البيع أم الإجارة أو غيرهما، حيث أن كون المتاع عنده بعنوان البيع يوجب إضافة المتاع له بخلاف ما لو كانت عنده بعنوان الإجارة فإنه ما زال على ملك المؤجر ، غايته أنه تحت يد المستأجر بعنوان الأمانة المالكية من دون أن يدخل في ملكه وإنما الذي يقابل المتاع في باب الإجارة هي المنفعة لا العين التي مازالت على ملك المؤجر ، ومنه يظهر لك أنه لا إطلاق في عنوان المتاع ليشمل ما لو كان عنده بعنوان البيع أو الإجارة والحاصل : إنه ليست المشكلة في ورود لفظ البيع فقط لخلو بعضها من ذلك كرواية عمر بن يزيد إلا أنها ظاهرة في خصوص العين ، فالتعميم للمنفعة يحتاج إلى ما يقتضيه وهو مفقود في المقام .
 وإن شئتم قلتم :أن التعبير ب (فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصه الغرماء ) لا يخلو إما يراد ما ظاهره متاع الغير الموجود لدى المديون بعينه، وهذا لا إشكال فيه فيشمل بإطلاقه مثل العين المستأجرة لأنه متاع المؤجر الموجود لدى المستأجر ، إلا أنه لا شمول له لمثل البيع لعدم كونه مال الغير ، وإنما هو مال المديون ، أو يراد ما كان متاع الغير، والآن صار ملكا للمديون، ومثله يشمل البيع وغيره من العقود التي تكون العين عوضا فيها ، إلا أنها لا تشمل الإجارة لأن ما صار ملكا للمستأجر بموجب الإجارة المنفعة لا العين إذ ما زالت على ملك المؤجر ، ولا جامع فيما بينها حسب الفرض ، وهذا هو الوجه في النقض على ما أفاده السيد الخوئي حيث قال (رحمه االله) بعدما ذكر صحيحة ابن يزيد: (فإن دعوى شمولها للمقام غير بعيدة باعتبار أن وجدان المتاع عنده مطلق يشمل ما لو كان ذلك بعنوان البيع أو الإجارة ، وكونه مالكا لمنافعه لا لعينه ، إذ لم يتقيد ذلك بصورة البيع . إذا فلا بأس بالتعدي استنادا إلى هذه الصحيحة التي اطلاقها غير قاصر الشمول للمقام مضافا إلى عدم الخلاف في المسألة) [2] .
 نعم يمكن توجيه الرواية حسب ما أفاده الماتن بما حاصله :
 أن النظر في الرواية إلى المتاع الذي ما زال على ملك الغير ، بقرينة الإضافة إلى رجل ، المفيدة للاختصاص، والحمل على أنه كان على ملك ذلك الغير تكلف واضح لا تقتضيه القرينة، وما ذكر في المقام من قرائن لا تساعد على هذا الفهم ، والحكم يكون على وفق القاعدة طالما أن المتاع ما زال على ملك الرجل فلا يحاصه الغرماء فيه ، بخلاف ما لو دخل في ملك المديون ، وهذا يشمل ما هو ملك الغير وكان بيد المديون ولو أمانة ومنه المتاع فيما لو كان مستأجرا، فإن له أخذه ولا يحاصه الغرماء فيه، ولا يكون له ذلك إلا من خلال فسخ المؤجر للعقد واسترجاع العين ولا يضرب مع الغرماء لكونه مالكا له ولم يخرج إلى ملك المديون ، وإنما هو بيده أمانة .
 وبذلك يتضح أن خيار التفليس ثابت ولا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين


[1] وسائل الشيعة (آل البيت) ج18 ص 415
[2] كتاب الإجارة السيد الخوئي ج1 ص 158