الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

32/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الفقه \ كتاب الإجارة \ أركان الإجارة \ إجارة المرأة نفسها

  (مسألة 5 ) : إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت قبل انقضائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج .

 هذه المسألة هي من المسائل التي تعرض لها صاحب العروة في باب لزوم عقد الإجارة ، وهي من المسائل التي لها عدة صور :

أن تكون الإجارة قبل الزواج أن تكون بعد الزواج أن تكون الإجارة بعد الزواج ولكن في ظل غياب الزوج .

 تعرض الماتن للصورة الأولى وفيها قولان :

القول الأول

 حكم الماتن بصحة الإجارة غايته إذا كانت مزاحمة يقدم حق المستأجر على حق الزوج ويذكر لذلك عدة وجوه

الوجه الأول : أن المرأة كانت مالكة لجميع منافعها ولم يكن ثابت للغير حقا في الاستفادة من هذه المنافع ، ثم آجرت نفسها ، فالإجارة صحيحة بلا أي إشكال لأن المنافع كانت ملكا طلقا لها ، وحق الزوج ثابت فيما عدا حق المستأجر ، أشبه بما لو آجر عينا ثم باعها فالبيع صحيح غايته العين تكون مسلوبة المنفعة مدة الإجارة.

ويرد عليه :

بوجود الفارق بين عقد الزواج وعقد البيع ، ففي البيع يتم نقل العين بما لها من المنافع إذا كانت ملكا للبائع وإما إذا كان ملّكها بعقد الإجارة لطرف آخر قبل البيع ، فقاعدة ملكية المنافع تبعا لملكية العين منتفية في المقام ، فتنتقل العين الى المشتري مسلوبة المنفعة ، بينما في عقد الزواج لا يوجد نقل وانتقال حتى يقال بأن المرأة قد نقلت المنافع التي كانت على ملكها دون المنافع التي ملّكتها للغير ، فهذه النكتة الموجود في بيع الأعيان غير تامة حتى يقاس ما في موردنا عليها ، فثبوت حق الاستمتاع ثابت بمجرد العقد ولذا سوف تتم المزاحمة بين الحقين .

الوجه الثاني: ما ذكره السيد الحكيم وحاصله : لا أن هناك حق للزوج بالاستمتاع بمقتضى عقد الزواج وحق للمستأجر بمقتضى عقد الإجارة، وهذان الحقان بينهما منافاة ، وتقع بينهما المزاحمة فيقدم حق المستأجر للأسبقية نظير المزاحمة بين وجوب الوفاء بالنذر والاستطاعة

 فلو كان الوفاء بالنذر يزاحم الاستطاعة للحج فيقدم الأسبق زمانا بحسب التحقق وفعليته بتحقق موضوعه ، قال في المستمسك : (التحقيق في العلل الشرعية ، التي يكون بعضها مزاحما للآخر ، الترجيح بالسبق واللحوق ، فيكون الأثر للسابق دون اللاحق . ومن ذلك يظهر أنه لو نذر أن يزور الحسين عليه السلام يوم عرفة فاستطاع ، كان النذر مقدما على الاستطاعة ، ولو استطاع ثم نذر كانت الاستطاعة مقدمة على النذر )[1] . ونضيف على كلامه (رحمه الله) ما يلي : هنا حقان حق المستأجر بالانتفاع ، وحق الزوج بالاستمتاع والذي له الأولوية في التقدم هو الأول وذلك لأنه لم يبتل بالمزاحم من أول الأمر أعني قبل أن تتزوج المرأة ، وبالتالي فهو ثابت على كل حال ، بينما الحق الثاني من حين ثبوته كان مبتلى بمزاحمة حق المستأجر بالانتفاع ، فالأسبقية الزمانية ليست هي المعيار الأساسي في التقدم ، وإنما المعيار هو في كون الحق الأول غير مبتلى بالمزاحم ، نعم أسبقيته هي السبب في عدم ابتلائه بالمزاحم ، هذا غاية ما يمكن أن يوجّه به كلام السيد الحكيم

وقد أورد عليه السيد الأستاذ بإيرادين:

الأول: لو سلمنا المزاحمة فلا نسلم بتقديم الأسبق زمانا ،لأن الترجيح قد يكون بالأهم ملاكا أو بالملاك الذي لا يرضى الشارع بتفويته ،أو على أساس القدرة وأنها عقلية أو شرعية ، فالترجيح على أساس الأسبقية فيه نظر وتأمل، فلا يقدم الأسبق إذا كان اللاحق ملاكه أهم ، وكذلك قد يكون التقديم على أساس القدرة، فيقدم الذي قيد بالقدرة العقلية ولو كان هو اللاحق وهكذا ،[2]

 وقد ذكر في محله أنه في مسألة التزاحم يكون أحد الخطابين بجعله أو بوصوله أو بفعليته أو بتنجزه أو بامتثاله وارد على الخطاب الآخر بمعنى رافع لموضوعه ، وفي مسألة المزاحمة بين الوفاء بالنذر والاستطاعة للحج يكون خطاب الوفاء بالنذر بامتثاله رافعا لموضوع الاستطاعة .

الثاني: ذكر السيد الأستاذ انه في المقام الخطابان متعارضان ولا يوجد بينهما تزاحم ، فالدليل الذي تكفل ثبوت حق الاستمتاع للزوج معارض بالدليل الذي تكفل ثبوت حق الانتفاع للمستأجر ، وذلك لأنه لا يمكن الجمع بين حكمين وضعيين ،[3]

 ويرد عليه : نقض وحل على ما سوف يأتي في الدرس القادم إنشاء الله

[1] مستمسك العروة للسيد محسن الحكيم ج12 ص37

[2] كتاب الإجارة السيد محمود الهاشمي ج 1 ص 240

[3] نفس المصدر