الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

32/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الفقه \ كتاب الإجارة \ أركان الإجارة \ الإجارة من العقود اللازمة

 الكلام فيما لو مات المستأجر قبل استيفاء المنفعة ، قلنا بأن الأقوال ثلاثة منها قول الماتن وهو التفصيل بين ما لو كانت الإجارة على نحو الاشتراط وبين ما لو كانت على نحو التقييد فتبطل في الثاني دون الأول وذكرنا دليلين على البطلان في صورة التقييد

أما في صورة الاشتراط فدعوى البطلان استدل لها بوجهين

:

الوجه الأول : ما أفاده السيد البروجوردي في تعليقاته على العروة من المنافاة بين الشرط ومقتضى العقد وتوضيح ذلك : أن الشرط إذا كان منافيا لمقتضى العقد كما لو باعه الدار واشترط عليه عدم الانتفاع بها كما لو اشترط عليه أن لا يسكنها في صورة انحصار الاستفادة منها في السكنى ، وهكذا لو باعه سيارة واشترط عليه أن لا يقودها ، وانحصرت الاستفادة منها بالقيادة ، فلا شك ولا ريب أن مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد فيحكم بفساد الشرط ، وفي موردنا حيث إنه اشترط على المستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه ثم مات المستأجر قبل الاستيفاء ولا يمكن لورثته بمقتضى هذا الشرط أن يستوفوا المنفعة ،يكون هذا الشرط فاسدا لأنه مخالف لمقتضى العقد ، فيكون اشتراط المباشرة الذي يعني عدم الانتفاع من العين المستأجرة إلا للمستأجر أشبه باشتراط عدم الانتفاع الذي يؤدي إلى بطلان الشرط ، وبالتالي يؤدي إلى بطلان العقد بناء على القول بسريان الفساد إلى المشروط وهو العقد.

ويرد عليه

  يمكن مناقشة ما أفاده (قده ) بعدة أمور : تارة على مستوى الصغرى وأخرى على مستوى الكبرى ،

أولا : على مستوى الصغرى فالصحيح أن الشرط لا ينافي مقتضى العقد ، خصوصا وأن المتعاقدين لم يكونا ملتفتين أصلا لصورة موت المستأجر وانتقال ملكية المنفعة إلى الورثة ، ووجه عدم المنافاة أن المؤجر لم يشترط عليه عدم الانتفاع حتى نقول بالمنافاة ، وإنما بموجب عقد الإجارة انتقلت العين إلى المستأجر ويحق له الانتفاع بها، إلا أنه اشترط عليه المباشرة وهذا لا يتنافى مع مقتضى العقد،بل يؤكدها ، نعم اتفق أن مات المستأجر وانتقلت ملكية المنفعة إلى الورثة ،والانتقال إلى الورثة لم يكن بموجب عقد الإجارة ، وإنما كان بموجب قانون الإرث كما هو واضح فلا منافاة بين الشرط ومقتضى العقد .

ثانيا: على مستوى الكبرى : فقد حرر في محله أن الالتزام العقدي صحيح وغير فاسد ، وفساد الشرط لا يوجب فساد المشروط ولا ملازمة بين فساد الشرط وفساد العقد ، وذلك لأنهما التزامان مستقلان نعم قد أنيط احدهما بالأخر ، فإذا كانت أركان العقد تامة بأن صدر من أهله ووقع في محله ، فلا موجب لبطلانه إذا فسد الشرط الذي هو التزام مستقل عن العقد .

ثالثا: نحن بين أحد أمرين أو توجهين :

 1 - أن يثبت له خيار تخلف الشرط ، بناء على أنه لو أنيط الالتزام العقدي بشرط ،ولم يلتزم الطرف الأخر بهذا الشرط فيثبت له الخيار، وحقيقة الخيار رجوع زمام أمر العقد إليه، وفي المقام حيث إن الالتزام بالشرط كان ممتنعا بسبب موت المستأجر فهذا يعني أن للمؤجر خيار الفسخ وتعود له السلطنة على ماله .

 2 - أن نقول بأن أصل الشرط فاسد وذلك لأنه شرط لاغ، وجوده وعدمه سيان ، ففي هذه الصورة لا إشكال في كون هذا العقد مطلقا من جهة هذا الشرط ، وكأنه لم ينط بشرط أصلا ، وبالتالي يكون العقد صحيحا ولا تصل النوبة لثبوت الخيار ، وهذا بخلاف ما لو كان الشرط صحيحا ابتداء بأن كان غير مخالف لمقتضى العقد ولا لحكم شرعي ، ثم عرض عليه الفساد استمرارا ، فإنه يثبت له حق الخيار لأن فساد الشرط الذي يوجب الخيار هو الشرط الذي لا يكون مخالفا لمقتضى العقد ولا مخالفا للحكم الشرعي ، وفي مقامنا العقد أنيط بشرط فاسد من أول الأمر وبالتالي يكون وجوده وعدمه سيان ويكون العقد مطلقا وليس مشروطا بأي شرط ، ومنه يظهر ما في النقاش الذي أثاره السيد الأستاذ بوجه أستاذه السيد الخوئي حيث اعترض السيد الأستاذ عليه أن ما ذكره من صحة العقد وفساد الشرط على خلاف مسلكه في بحث الشروط من أن تعذر الشرط يوجب الخيار ، فما أفاده السيد الأستاذ ليس في محله وذلك لأنه وان كان صحيحا ما نسبه للسيد الخوئي إلا أن السيد الخوئي من القائلين أن امتناع الشرط نتيجة العجز يوجب خيار تخلف الشرط في صورة العجز بعد أن كان قادرا عليه حدوثا ، ولا يقاس به المقام وذلك لأنه في مقامنا أنيط العقد بشرط فاسد حدوثا ، والتالي يكون العقد مطلقا من الأول الأمر والفرق واضح بين المقامين ، هذا كله لو سلمنا بفساد الشرط من أول الأمر ولكن عرفت آنفا أن الشرط غير فاسد فتأمل .

الوجه الثاني : لدعوى البطلان :

  وحاصله : أنه مع الالتفات لحقيقة الشرط لا يمكن التوفيق بينه وبين جدية الالتزام العقدي ، وذلك لأن الالتزام الشرطي مفاده أنه ليس لغير المستأجر حق الانتفاع من العين المستأجرة مع أن الالتزام العقدي مفاده أن للمستأجر حق الاستفادة منها في حياته بالمباشرة وبعد مماته بواسطة الورثة ، وبناء على أن المستأجر قد التزم بهذا الشرط فهذا يعني أنه لم يكن جادا في التزامه بالعقد ، والفرق بين هذا الوجه والوجه الأول الذي أفاده السيد البروجوردي أن المنافاة هناك كانت بين الشرط ومقتضى العقد ، وهنا المنافاة بينه وين القصد الجدي لمضمون العقد وكأن المستأجر بنفس التزامه بالشرط يرفع اليد عن ترتيب آثار العقد .

ويرد عليه

  قد مر في بحث الشروط أن الشرط تارة يكون مخالفا لمقتضى العقد وروح المعاملة وحقيقة الإجارة ، وفي هذه الصورة ربما نقول بالمنافاة بينه وبين القصد الجدي لمضمون العقد ، وأخرى يكون مخالفا لإطلاق العقد وللآثار التي تترتب عليه ، وحيث إنه في مقامنا الشرط مخالف لإطلاق العقد فلا منافاة بينه وبين القصد الجدي ، وبالتالي لا يضر بصحة العقد ، لأنه ليس بالضرورة أن يكون المتعاقدان ملتفتين لجميع الآثار التي تترتب على العقد ، فالمنافاة بين الشرط والآثار المترتبة على العقد لا تتعارض مع القصد الجدي للعقد .

 فالصحيح صحة العقد مطلقا سواء في صورة الاشتراط أو في صورة التقييد