آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ الرضاع

الثاني: إن تحريم المرتضع على أولاد صاحب اللبن النسبيين والرضاعيين مقطوع به من الكتاب الكريم والسنة الشريفة والإجماع المتقدم.

نعم في صحيح أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام: " في رجل تزوج امرأة فولدت منه جارية، ثم ماتت ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولداً ثم إنها أرضعت من لبنها غلاماً، أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج إبنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ فقال: ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه " ( [1] ) . وقريب منه صحيح الحلبي ( [2] ).

والتعبير المذكور قد يناسب الحل والكراهة.

لكنهما لما لم يكونا صريحين في الحل والكراهة يتعين حملهما على التحريم بقرينة ما سبق.

بل لو كانا صريحين في الحل والكراهة لكانا من المشكل الذي يتعين رد علمه لأهله صلوات الله عليهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((المهذبة))

يوجد شيء أغفلناه وإن كان ليس له أهمية، وهو أن الشيخ الطوسي ره حاول ([3] ) أن يحمل رواية محمد بن عبيد على خصوص الأولاد النسبيين، وأنه كما يحرم الأولاد النسبيون للأب يحرم الأولاد النسبيين للأم، ولكن نقول هذا لا يناسب نفس الحديث لأن الحديث تضمن في أوله السؤال عن الرضاع ثمّ أن الأم هي سبب الرضاع، فهذا لا يناسب الذي ذكره قدس سره.

([4] ) ( وأمّا ما ذكره الشيخ قدس سره من حمله على أولاد المرضعة النسبيين دون الرضاعيين، فهو لا يناسب التعرض فيه من السائل لوحدة الفحل الذي سبق في النصوص وكلمات الأصحاب لبيان عدم التحريم بين الرضيعين مع اختلافه. كما لا يناسب استنكار الإمام عليه السلام فيه للتفريق فيه بين الفحل والأمهات مستشهداً بأن الرضاع من قبل الأمهات).

وعليه فالذي ذكره الشيخ رحمه الله لا يصلح أن يكون جواباً عن الحديث وإنما الشيخ رحمه الله طريقته أن يجمع مهما أمكن وهو يصرّح بذلك من أن الجمع مهما أمكن خير من الطرح، ولكن هذا ليس طريقاً عرفياً في مقام الجمع بين الأدلة. فلاحظ

ويبقى عندنا حديث العلامة قدس سره حيث ذكره فقط في القواعد دون الإرشاد والتحرير، فهو يعمم القضية إلى تمام ما يتعلق بالأم بحيث إذا كانت علاقتهم رضاعية فإنها لا تحرم، والمحقق الثاني في جامع المقاصد وكشف اللثام وافقوه ولكنهما احتجا بعموم اللبن للفحل لأنه لا بد من اتحاد الفحل في التحريم.

ونحن تقدم عندنا وذكرنا بأنه أما النصوص الخاصة فإنها وردت في الأخوة فلا تكون أخوة بالأم وحدها وإنما تكون الأخوة بالفحل.

وأما عموم اتحاد الفحل في التحريم - الذي اعتمده جامع المقاصد وكشف اللثام - فهذا لا يمكن البناء على عمومه، والمتيقن منه خصوصاً بملاحظة صحيح بريد الذي يفسّر هو أن العلقة إذا كانت بنفسها تحقق تحريم مثل أخوة فلا بد أن تكون مستندة إلى فحل واحد وما يتفرع على الأخوة فعندما تحصل الأخوة يصبح ابن أخ وبنت أخ وأمثال ذلك.

وأما مطلق التحريم فهذا لم يثبت، وفي مسألتنا العلقة بين الأم الرضاعية وبين أخيها الرّضاعي فالأم الرضاعية لم تحقق إلا أمومة ولم تحقق أخوة والأمومة موجبة للتحريم، أما بالنسبة إلى أمها أو أخوتها أو أعمامها وما يشبه ذلك فهذا يستند لأمر آخر زائد على العلاقة بين الأم والولد، فعنوان التحريم مركّب من أمرين: هي أم بالرضاع ورضاعها مع أخيها أو رضاعها من أمها هذا سبب آخر وأحدهما أجنبي عن الآخر، فعندما تعدد السبب فمعنى ذلك أن نفس الرضاع لا يحقق عنواناً حتى يأتي الإشكال في أنه يحتاج إلى وحدة فحل أو لا يحتاج، وإنما كل ما يوجد هو أن يكون جزء عنوان وليس البناء على ذلك فإنه لا يوجد عندنا هكذا عموم.

وإذا فتحنا هذا الباب فإنه يأتينا بالأب أيضاً، فأيضاً نقول من رضع عند رجل فالأخ الرضاعي ابنه الرضاعي حلال فإذا رضع زيد مع عمرو فهما أخوان لأنهما رضعا مِن فحل واحد ثم نأتي لعمرو فإنه عنده ابن رضاعي فهذا الابن علقته بأبيه بالرضاع فيكون ابن أخي زيد أو ابنته إن كانت أنثى فتكون ابنة أخي زيد من الرضاع، وإذا قلنا يعتبر اتحاد الفحل في التحريم فهنا الفحل مختلف وليس فحلاً واحداً فإن فحل الأب وفحل الابن مختلفان، فتارة نختصر على ما إذا كانت العلقة هي بنفسها محرّمة فهذه العلقة من طريق الأب تأتي وإن كان وحده ولا تأتي من طريق الأم إن كانت وحدها لأن الأم لا تصلح لأن تحدث أخوة، فتارة نقتصر على هذا، وأخرى نقول لا بد من اتحاد الفحل بين المحرّمين فنأتي إلى زيد فإن زيدًا وعمرواً رضعا من امرأة ثم زوجة زيد أرضعت بنتاً فتكون الطفلة بنت زيد من الرّضاع وزيد أخو عمرو من الرضاع، فإذا اعتبرنا اتحاد الفحل فهنا لا يوجد اتحاد فحل لأن فحل البنت هو زيد وفحل زيد وعمرو أبوهما فاختلف الفحل مع أنه لا إشكال عند الجماعة أن ذلك يحرم وحتى العلامة لم يذكره.

والعلامة رحمه الله كأنه توجه إلى جانب أن الأم تحتاج دائماً إلى النسب وغير النسب لا يفيد وليس فقط الولد فهذا بلا دليل لأن الدليل مختص بالولد، وعليه فالعلامة رحمه الله قال بأن علاقات الأم كلها تبتني على النسب لا الرضاع، والروايات واردة في العلاقة بين الولدين فقط، وهو كأنه استفاد العموم لكل علاقة من طريق الأم فكل علاقة رضاعية بالأم وحدها لا تحقق بنوة ولا غيرها وهذا قياس والروايات لا تساعد عليه فهي مختصة بالولد.

وأما جامع المقاصد فإنه لم يستدل بهذا الدليل، وإنما أراد أن يستدل بدليل اعتبار وحدة الفحل في التحريم، واعتبار وحدة الفحل في التحريم على عمومه لا يمكن البناء عليه لأنه إذا بنينا عليه فإنه يشمل حتى الأب، فالفحل الذي رضع منه زيد وعمرو غير الفحل الذي رضعت منه ابنة زيد فإن فحلها زيد وزيد وعمرو رضعا من أبيهما أي من فحل آخر وهذا يقتضي عدم التحريم مع أن الجماعة يلتزمون بأنها تحرم.

وعليه فالعلامة سار على طريق آخر ولم يلاحظ هذا الجانب وهو حرمة الفحل، وفيما يبدو أنه عندما رأى أن الأم لا تحدث علاقة بنوة معنى ذلك أن كل العلاقات الرّضاعية لا تتحقق معها فعممها لكل علاقاتها الرضاعية.

والجواب عنه أن هذا ما هو الدليل عليه، فإن عموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يقتضي العموم، وكل ما دل هو أن الأم لا تحقق أخوة فإن النصوص تضمّنت هذا.

وأما جامع المقاصد فلم يلاحظ هذا الجانب وإنما لاحظ من أنه لا بد من اتحاد الفحل في التحريم وهنا الفحل مختلف، لأن فحل أخوة الأم أو عمة الأم أو خالة الأم غير فحل نفس الأم، وعليه فلما كان غير فحل نفس الأم فعليه لا يصح.

ولكن إذا فتحنا هذا الباب فإن هذا يأتي بالأب كما قلنا، فإذا زيد وعمرو رضعا من هند زوجة بكر ففحلهما بكر فأصبحا إخوة، وزيد عنده بنت رضاعية فهنا الفحل مختلف لأنه هنا الفحل زيد وهناك الفحل بكر فاختلف الفحل فإذا اختلف الفحل فلا يوجد تحريم، ولكن هل يمكن البناء على هذا فحتى هُم لم يذكروه ولم يبنوا عليه، فقضية اتحاد الفحل المتيقن منها ما إذا كانت العلقة الواحدة محرّمة التي هي الأخوة فهذه لا بد أن تستند إلى فحل واحد وأكثر من هذا لا يوجد، أما بقية العلاقات المتفرعة ...فلماذا لا يتحقق بها؟

وبعبارة أخرى، العلامة نظر إلى قضية وهي أن الأم بنفسها ما دام لا تكفي في إيجاد الأخوة فيعمم ذلك للجميع فكل ما يتعلق بها مثل أولادها الرضاعيين، وهذا الذي ذكره يحتاج إلى دليل على التعميم والروايات واردة فقط في الأخوة فالأخوة فقط لا تتحقق، فهذا التعميم الذي ذكره من أين جاء به؟

وجامع المقاصد أخذ اعتبار اتحاد الفحل في التحريم، وإذا فتحنا باب اتحاد الفحل في التحريم على سعته معنى ذلك حتى الأب يشمله كالعم أو الخال الرضاعي ففحولهم مختلفة بلا إشكال وعليه فلا يتحقق التحريم ومعنى ذلك أن ابنة الأخ الرضاعية لا تحرم على أخيه الرضاعي وهذا لا أحد يلتزم به.

فقضية اعتبار وحدة الفحل إنما دل الدليل عليها فيما إذا كانت العلقة محرّمة بحيث يكون التحريم لنفس العلقة وهي البنوة وما يتفرع عليها مثل بنت الابن بحيث يكون هو جدها وأمثال ذلك فهذه لا تترتب، فزيد إذا رضع عند هند من فحل وزينب رضعت من هند لكن من فحل آخر لم يحرم بينهما فهذا واضح، أما إذا أمها رضعت مع شخص فهنا الحرمة ليست مستندة لرضاعه منها وإنما مستندة لرضاعه منها بضميمة رضاعها منه، وإذا ادعينا ذلك فهو تعميم بلا دليل، فإن التعميم لكل علاقات الأم بلا دليل، وجامع المقاصد ذهب لعموم اتحاد الفحل في التحريم وإذا فتحنا هذا الباب على سعته فيأتي حتى في الأب مع أن الجماعة مبناهم ليس على ذلك.

وعليه فالعلامة دليله ليس واضحاً لأنه تجاوز مفاد النصوص إلى ما هو الأعم منها أي إلى ما إذا كان الرضاع يسبب جزء علاقة لا علاقة كاملة ، وجامع المقاصد احتمل عموم اعتبار اتحاد الفحل في التحريم، وهذا العموم غير ثابت ولا يمكن البناء عليه، وإنما الثابت منه ما إذا كانت العلقة الحادثة بسبب اتحاد الفحل أو الأم أي علقة هي علقة محرّمة بنفسها وهي الأخوة فقط وإلا هي تصبح أمه بلا إشكال ولكن الأخوة لا تتحقق التي هي عنوان بنفسها، وهنا الأم الرضاعية وأخوها يصبح عماً بسبب رضاعين، فالمتيقن من شرطية اتحاد الفحل ولو بضميمة صحيح بريد أن العلقة المحرّمة (الأخوة فقط) لا بد أن تكون من فحل واحد، فاللبن للفحل يعني أنه يكون ابناً لذاك فإذا كان ابن شخصين فلا يفيد فإذا كانا ابني امرأة واحدة فلا يضر وإذا كانا ابني رجل واحد يضر، وغير هذا لا يوجد عندنا، فمفاد النصوص التي تعرضنا لها وغيرها هي الأخوة فقط التي هي سبب تام للتحريم، أما إذا كانت جزء سبب فلا يوجد عندنا دليل عليه، هذا بالنسبة لكلام العلامة.

أما بالنسبة لعموم اعتبار وحدة الفحل في التحريم فإن هذا لا يمكن البناء عليه، والا لجرى حتى في الأب لأن فحل الابن هو الأب وفحل الأب هو الجد، وهذا تمام الكلام بالأمر الأول الذي استدركناه.

الثاني: ورد في صحيح الحلبي، قال:( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أمّ ولد رجل أرضعت صبيّاً وله ابنة من غيرها، أيحلّ لذلك الصبيّ هذه الابنة؟ قال: ما أحبّ أن أتزوّج [ يتزوّج. يب / تتزوّج ابنة. كا] بنت رجل قد رضعت من لبن ولده). ([5] )

وقريب منه صحيح أبي بصير عنه عليه السلام. ([6] )

فتعبير ما أحب قد يوحي بالحِل والكراهة، بخلاف كلمة (يكره) حيث تصلح للوجهين في عصور الأئمة عليهم السلام لا مثل زماننا، فهذه الرواية تشعر بأنه يجوز وإن اتحد الفحل.

فالتعبير المذكور قد يناسب الحل والكراهة، لكنهما لما لم يكونا صريحين في ذلك يتعين حملهما على التحريم بقرينة ما سبق، فإنه لا إشكال عندنا في التحريم مع اتحاد الفحل للنصوص والعمومات كقولهم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " غايته النصوص الكثيرة اشترطت وحدة الفحل وهنا الشرط متحقق لأنه رضاع لفحل واحد وعليه فما معنى أنه لا يوجد التحريم، فلا بد أن نحمل ما أحب على التحريم وإن لم يكن واضحاً في ذلك بقرينة الأمر القطعي من أن الرضاع يحرّم وهذا هو أثره.

فهاتان الروايتان لو تعذر حملهما على الحرمة يردّ علمهما إلى أهلهما ممّن قالهما، لأنهما لا تناسبان النصوص الكثيرة المستفيضة أو المتواترة ولا الإجماع، وإنما الإشكال في اتحاد الفحل وعدمه والعامة لا يوجد عندهم اشتراط اتحاد الفحل ونحن عندنا اتحاد الفحل وغير هذا لا يوجد عندنا شرط، وأما أن هذا لا يحرّم، كيف ومبنى الرضاع على التحريم فالآية ﴿وأخواتكم من الرضاعة﴾ وهنا حصلت الأخوة من جهة الأب ولا يمكن رفع اليد عن هذا المقدار، وكذا عندنا عموم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، والحمد لله رب العالمين.


[1] ( ) الكافي د 5 ص440 ح5، الوسائل ج14 ص294 باب6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح5.
[2] ( ) الكافي ج5 ص441 ح6، الوسائل ج14 ص295 باب6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح8.
[3] () التهذيب جزء ٧ صفحة ٣٢١. قال:( فهذا الخبر محمول على أن الرضاع من قبل الام يحرم من ينسب إليها من جهة الولادة، وإنما لم يحرم من ينسب إليها بالرضاع للأخبار التي قدمناها، ولو خلينا وظاهر قوله عليه السلام: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لكنا نحرم ذلك أيضا الا أنا قد خصصنا ذلك بما قدمنا ذكره من الاخبار وما عداه باق على عمومه).
[4] ()هنا يقرأ السيّد الأستاذ (مدّ ظلّه) ممّا كتبه في المقام.
[5] () الكافي جزء ٥ صفحة ٤٤١ حديث ٦، تهذيب الأحكام جزء ٧ صفحة ٣١٩ حديث ٢٧، الاستبصار جزء ٣ صفحة ١٩٩ حديث ٤، وسائل الشيعة طبعة الدار الإسلاميّة جزء ١٤ صفحة ٢٩٥ باب٦ مِن أبواب ما يحرم بالرضاع حديث ٨، وسائل الشيعة طبعة آل البيت جزء ٢٠ صفحة ٣٩٠.
[6] () عن أبي عبد الله عليه السلام:( في رجل تزوّج امرأة فولدت منه جارية ثم ماتت المرأة فتزوّج أخرى فولدت منه ولداً ثم إنّها أرضعت من لبنها غلاماً أيحلّ لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوّج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ فقال: ما أحبّ أن يتزوّج ابنة فحل قد رضع من لبنه).تهذيب الأحكام جزء ٧ صفحة ٣١٩ حديث ٢٦، الاستبصار جزء ٣ صفحة ١٩٩ حديث ٣، وسائل الشيعة طبعة الدار الإسلاميّة جزء ١٤ صفحة ٢٩٤ باب٦ مِن أبواب ما يحرم بالرضاع حديث ٥، وسائل الشيعة طبعة آل البيت جزء ٢٠ صفحة ٣٨٩.