آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته/ الرضاع

نص الأستاذ (دام ظله)

هذا ولو فقد المرجح لإحدى الطائفتين وانتهى الأمر للتساقط بينهما. فالأصل مطابق للثانية.

أما بناء على ما سبق تقريبه فظاهر من عدم ثبوت إطلاق لأدلة الرضاع. وأما بناء على ثبوت الإطلاق لها فلما ذكرناه سابقاً من أن مقتضى الجمع بين ما دل على انحصار المحرم بما ينبت اللحم والدم ويشد العظم وما دل على التحريم بالكمية والزمن، أو انحصار الأمر بهما، أن الأصل هو الأول، والأخيرين متفرعان عليه، لتحققه بهما حقيقة أو تعبداً ولو لترتبهما عليه نوعاً، كما هو صريح جملة من النصوص المتقدمة.

ومرجع ذلك إلى أن الإطلاق مخصص بما ينبت اللحم والدم ويشد العظم لا غير. والشك إنما هو في تعبد الشارع الأقدس بتحقق ذلك بالعشر رضعات، ولا إشكال في أن الأصل عدمه. ولا مجال للرجوع في الاكتفاء بالعشر للإطلاق بعد ثبوت تخصيصه والشك في تعبد الشارع بتحقق عنوان المخصص، لا في أصل التخصيص. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم.

 

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته/ الرضاع«التقریر»

انتهى الكلام إلى وجود ريبة في روايات العشر، فإنّ رواية عبير بن زرارة التي تؤكّد المنع من السؤال عن العشرة تكشف عن وجود محذور في تبنّي الإمام عليه السلام للمطلب بحيث لا يستطيع أن يتبنّاه، وليس المراد من ذلك التقية فإن المناسب للتقية هو القول بأن العشر تكفي وليس أن العشر لا تكفي، وإلا القول بأن العشر تكفي لا ينافي العامة فإن العامة يقولون الواحدة تكفي فالعشر تكفي لأن السؤال عن الاكتفاء بالعشر وليس السؤال عن اعتبار العشر، فإنه لو كان السؤال عن اعتبار العشر حينئذ يمكن أن يقال بأن هذا الكلام مخالف للعامة، وإنما السؤال عن الاكتفاء بالعشر وعليه فهو موافق للعامة فإنه إذا كانت الواحدة تكفي فالعشر رضعات تكفي، مع هذا الامام يحاول أن يتجنب الموضوع، وهذا مما يوجب الريب.

فالقضية أشبه بسقوط النصوص أي سقوط أصالة الجهة، فالنصوص الواردة في العشر يحدث فيها ريب وكونها تحكي عن المراد الجدي الذي يراد بيانه كحكم شرعي واقعي وليس كحكم صُوَري، وهذا نستفيده من رواية عبيد ورواية صفوان.

ولا إشكال في أن نص الخمسة عشر أبعد عن أقوال العامة.

ويوجد شيء ينبغي أن نلتفت له، وهو أنّ من ذهب إلى العشر لَيس من المعلوم أنه طرح موثق زياد بن سوقة، فإنّ رواية زياد بن سوقة تمتاز بأمور، فإنّها مرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام وتعبير الإمام الصادق عليه السلام كان أبي أجرأ على مخالفة أهل المدينة منّي، لأنّ المذاهب في زمانه عليه السلام غير متحيزة ومتميزة، وفقههم غير مرتّب في مذاهب، فرواية واردة عن الامام الباقر عليه السلام الذي هو أجرأ على مخالفة العامة فالجماعة لم يتركوها، ومن القريب أن يكون قدّموا نصوص العشر لَيس لترجيحها وإنما للاحتياط لأنه كثيراً ما يكون الاحتياط مرجّحاً عندهم فمن باب الاحتياط يُفتون بالعشر، لأنّ العشر التجنب معها مبرئٌ للذمة، وإلّا فلماذا يطرحون موثق زياد بن سوقة، فمن القريب أن تكون القضية مبنية على الاحتياط وإلا موثق زياد واضح الدلالة جداً " لا يحرم من الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة مِن لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها"، وهي رواية مرتّبة واردة ومنظّمة فلماذا يتركوها وما هو العيب الموجود فيها؟

فمن القريب أن يكون تقديمهم لنصوص العشر ليس لترجيحها بل للاحتياط، فحينئذٍ إذا كان منشأ التقديم هو الاحتياط فلا يعارض من التزم بالخمسة عشر، غايته خلاف الاحتياط، بينما روايات العشر فيها جهات خلل

أولاً: هي معارضة بمثلها " العشر لا تكفي "

وثانياً: النصّ الأول مشتمل على قضية المجبورة، ومع ذلك هم تمسكوا بهذه الروايات وأهملوا الرواية التي لسانها واضح في التحديد، وعليه فلا يكون عندنا مجال لأصالة الجهة في روايات العشر.

ولو فرضنا عدم وجود ترجيح، فالأصل ماذا يقتضي؟

فنقول: بناءً على عدم وجود إطلاق لأدلة الرضاع كما سبق عندنا تقريبه، لأن الآية الكريمة لا تتضمن محرّمية الرضاع وإنما هي العمدة والأساس في التشريع، وجعلت المعيار حصول الأمومة والأخوة بالرضاع، غايته أن الرواية عمّمت لجميع أسباب التحريم، فرواية يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب عمّمت الشيء الذي دلّت عليه الآية، والآية دلّت على أن المحرّم عنوان يتحقّق بالرضاع وهو عنوان الأمومة والأخوة، ولكن متى تكون أمّاً أو أختاً، فهو مسكوتٌ عنها، ومعنى ذلك عدم وجود إطلاق لأدلة الرضاع وبقية النصوص ناظرة إلى أن الرضاع محرّم بشروطه مثل بيع النسيئة جائز أو مشروط بكذا، ولكن لا بدّ من توفّر جميع شروط البيع، وفي مقامنا بقية النصوص تشير إلى أحكام الرضاع المفروغ عن تحريمه، لكن هذا ما هو أثره وكذلك " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " فإنه وارد للتعميم وليس لكيفية الرضاع المحرّم، وأصل التشريع وارد في الآية، وهي جعلت عنوان الأمّ والأخت، ولكن الأمّ والأخت كيف يحصلون فلا بدّ من ملاحظة عصر الجاهلية ما هو وضعهم، فهل يكتفون بالأمومة والأخوّة برضعة واحدة أو عشر رضعات أو خمسة عشر رضعة؟ فالقضية مبهمة، فإذا لا يوجد عندنا دليل فالقاعدة تقتضي الاقتصار على المتيقّن في تحقّق العناوين التي جعلها الشارع، وهي الأمومة أو الأخوّة أو بنت الأخ أو بنت الأخت وما يشبه ذلك، وهذا هو الظاهر بحسب المفهوم العرفي، وعليه لا بدّ أن نتأكّد في أنه هذا الرضاع محرّم وإلا إذا شككنا في أنّه محرّم أو لَيس بمحرّم فالأصل عدم التحريم.

أمّا بناءً على وجود إطلاق لمحرّميّة الرضاع، أيضاً من القريب أن نبني على النصّ المتيقّن، وذلك لأن مقتضى الجمع بين النصوص هو أن المحرّم ما شدّ اللحم والعظم وأنّ هذا يتحقّق بالعشر أو بالخمس أو بالخمسة عشر أو يتحقّق بيوم وليلة، ومعنى ذلك أنّ العنوان الذي يحرّم هو العنوان الذي يشدّ اللحم والعظم، غايته شدّ اللحم والعظم على نحوين، تارة: عرفي، وأخرى: تعبدي، والتعبّدي باليوم والليلة والخمس عشرة رضعة أو العشر رضعات، فالتخصيص يكون بما شدّ اللحم والعظم، والعرف قطعاً لا يدرك شدّ اللحم والعظم بالعشر، فإذا شككنا في أن الشارع تعبّدنا بالعشر وأنّها تُحقّق أو لا؟ فهذا يعني أنّ الشكّ في تحقّق عنوان المخصّص وليس تحقّق التخصيص، لأنّ التخصيص هو بما شدّ العظم واللحم ولمّا كان التخصيص بِما شدّ العظم واللحم فأصبح عندنا الرضاع المحرّم هو الذي شدّ العظم واللحم وليس كلّ رضاع، فإن الذي يقول بالإطلاق يبني على كلّ رضاع وهذا خصّص بما شدّ العظم واللحم، وتارة شدّ العظم واللحم وجدانيّ فهذا لا كلام به كما تقدّم، وتارة يكون تعبّدياً فإذا شككنا في تحقّق العنوان تعبّداً فالأصل عدمه.

فعندنا عموم كلّ رضاع محلّل بالإطلاق، وهذا العموم خصّص بِما شدّ العظم واللحم، وبقية الأشياء إمّا محقّقات له بحسب نظر الشارع الأقدس يعني ولو تعبّداً، ولو غلبة، ولو نوعاً، قال هذا يكفي في شدّ العظم واللحم، فنشكّ في تحقّق عنوان الخاص، وإذا شككنا في تحقّق عنوان الخاص فالأصل عدمه أي أصالة عدم التحقّق، تارة الشك في كمية التخصيص فالأصل يكون مع الأقلّ، وتارة التخصيص معلوم وهو كونه خصّص بعنوان خاص وهو شدّ العظم واللحن غايته لهم أفراد، تارة الفرد عرفي مُدرك لنا، وتارة فرد شرعي الشارع يدركه، فإذا شككنا في تحقّق شدّ العظم واللحم وجداناً نبني على العدم، وإذا شككنا في تحقّق شدّ العظم واللحم تعبّداً أيضاً نبني على العدم، فتكون النتيجة من الشكّ في العنوان الخاص، كما لو قال أولاً: أكرم العلماء، ثم قال لا يجب إكرام العلماء إلا العدول، وشككنا في عدالة زيد إمّا تعبّداً أو خارجاً، فالأصل عدم العدالة.

تارة عندنا عموم وهذه مخصّصات، وهي اليوم والليلة والعشر رضعات أو الخمسة عشر رضعة أو شد اللحم والعظم، فإذا شككنا بين الأقل والأكثر يكون المرجع العموم، أما إذا علمنا بأن العموم خُصّص بعنوان واحد وهو شدّ العظم واللحم، ولمّا كان هذا هو المخصّص، فحينئذٍ نشكّ في أنّ عنوان الخاص وهو شدّ العظم واللحم له فردان فرد تعبّدي وفرد حقيقي، والفرد الحقيقي غير مدرَك فالأصل عدمه، والفرد التعبّدي أيضاً غير مدرك فالأصل عدمه، وتارة عندنا ثلاث تخصيصات وشككنا في أن التخصيص بالعشر أو بالخمسة عشر، فحينئذٍ الأصل أن التخصيص بالعشر، وعليه فتارة عندنا ثلاث تخصيصات فإذا شككنا في الأكثر يبقى عندنا العشر رضعات، ونشكّ في أنه خرج أو لم يخرج، وتارة الرضاع خرج عنه ما شد العظم واللحم وهذا قطعاً خارج وشككنا في أن العشر تحقّق شد العظم واللحم الأصل عدمه، فالنصوص تضمّنت شدّ العظم واللحم والعشرة لا تشدّ العظم واللحم والخمسة لا تشدّ العظم واللحم ومعنى ذلك أن المعيار شدّ العظم واللحم غايته هذا الشدّ له فرد محسوس وله فرد شرعي، فإذا شككنا في تحقّق الفرد الشرعي فالأصل عدمه، فإذا شككنا في أن الشارع تعبّدنا بالعشر فالأصل عدمه، فنحن في هذا المقام بناء على ما نستفيده من مجموع نصوص التحديد أن الأصل هو شدّ العظم واللحم وأن البقية أفراد تعبّدية لشدّ العظم واللحم أو وجدانيّة، ووجداناً غير متحقّق وتعبّدياً نشكّ في تحقّقه فالأصل عدم تحققه.

هذا حاصل ما عندنا فيما يرتبط بالعدد، وفي الحقيقة واقع الشيء هو أن نصوص العشر مريبة بواسطة ما سبق عندنا والذي هو بالذات أساس المطلب، فإنّ المسألة غير واصلة للتعارض، فإن نصوص العشر مورد ريبة لأنها:

أولاً: معارضة بمثلها.

وثانياً: هذا التحذّر من الإمام عليه السلام من الجواب، فنصوص العشر تكون موضع ريبة بواسطة النصوص المتوقّفة عن بيان الحكم، وكلّ ما يكون الحكم أبعد عن رأي العامة يكون أوثق للإنسان وأصالة الجهة أقرب به.