آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرمات النكاح/ الرضاع

نص الأستاذ (دام ظله)

كما أن ما تضمنته الآية الشريفة من حرمة الأم والأخت الرضاعيتين لا يتضمن محرمية مسمى الرضاع، بل محرمية الأمومة والأخوة الحاصلتين به، ولا بد في تحديد ما يحصل به العنوانان المذكوران من دليل أخر . نعم لو قال واللاتي أرضعنكم واللاتي رضعن من أمهاتكم أو ممن أرضعنكم فقد يتجه دعوى الإطلاق . غاية الأمر أن مقتضى الإطلاق المقامي للآية الشريفة الرجوع للعرف في إحراز العنوانين المذكورين، ولا يتضح بناء العرف حين نزول الآية الشريفة على كفاية الرضاع المحقق للأمومة والأخوة وغيرهما من العناوين الرضاعية من دون حمل .

كما أن ما تضمنته النصوص الكثيرة في الفروع المختلفة من التعبير بالرضاع، حيث لم يرد في مقام تشريع الحرمة في الرضاع، بل لبيان حكم الفروع المختلفة بعد الفراغ عن محرمية الرضاع فلا ظهور له في إطلاق الرضاع، بل الإشارة للرضاع المحرم المعهود . ولا سيما بعد ظهور كثرة الشروط المعتبرة في الرضاع المحرم .

بقي في المقام أمور :

الأول : مقتضى الجمود على الوطء في المتن وكلام جماعة الإكتفاء به وإن لم يترتب عليه حمل وولادة .

لكن صرح غير واحد باعتبار ترتب الحمل عليه، بحيث ينسب اللبن له، بل الظاهر أنه مراد الجميع. وهو المتعين بلحاظ الحديثين المتقدمين والنصوص المتضمنة نسبة اللبن للفحل، لعدم صدق النسبة له بلحاظ مجرد الوطء، بل لا بد فيها من آستناده لفحولته وتأثيرها الحمل والولد .

وأظهر من ذلك ما تضمن نسبته للفحل والولد معاً، كصحيح عبدالله بن سنان : " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لبن الفحل . قال : هو ما أرضعت آمرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام "[1]

هذا ولكن الإنصاف أن المنصرف من حديثي يونس ويعقوب ما إذا شذّت المرأة فدر لبنها بنفسه من دون سبب يقتضي ذلك، فيقصر عما إذا كان بسبب الولد لكن سبق الولادة وطرح الحمل لغزارة اللبن . كما أن صحيح آبن سنان وارد لتوضيح آنتساب اللبن للفحل، والذي هو المعيار في التحريم، لا لتقييده بفعلية الولادة . وعليه يصدق عرفاً مع الحمل أن اللبن لبن الفحل والولد وإن لم يولد بعد . نعم بلوغ ذلك حدّاً ينهض بالخروج عن الأصل وإن كان قريباً إلا أنه لا يخلو عن إشكال .

الثاني : قال في القواعد : " ولا يشترط وضع الحمل، بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح " ونحوه في الروضة، وفي المسالك لعله الأجود . وقد يظهر من موضع من المبسوط وكأنه لصحة نسبته للفحل عرفاً، لكونه مسبباً عن الحمل المستند لفحولته .

 

الموضوع: كتاب النكاح/ محرمات النكاح/ الرضاع«التقریر»

انتهى الكلام إلى ما لو در اللبن من دون وطء، وتقدم عندنا رواية يونس بن يعقوب، فإنها تتضمن أن ذلك لا يحرم وكذلك رواية شعيب، مضافاً إلى ما استفدناه من روايات آعتبار الفحولة وأن اللبن للفحل حيث يظهر منها المفروغية عن الفحل، ومع قطع النظر عن هذا فإن الأصل ماذا يقتضي، فهل عندنا إطلاق بحيث يصلح لإثبات عموم محرمية الرضاع إلا ما أخرجه الدليل أو أن الرضاع المحرم يؤخذ من الأدلة فإنه لا يوجد عندنا إطلاق ينهض بإثبات التحريم، وذكرنا بأن الحديث المشهور " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وارد لتعميم محرمية الرضاع وليس لتشريع محرمية الرضاع، فلما لا يكون واورداً لتشريع محرمية الرضاع معنى ذلك أنه ليس الرضاع بنفسه محرماً وإنما الرضاع المحرم هو الذي يعم تحريمه لجميع موارد تحريم النسب، فكل ما يحققه الرضاع هو أنه يحرم إذا كان بنفس ما يحققه النسب فيحرم، يبقى كيف يحقق الرضاع فإن هذا الحديث ليس ناظراً لهذا، وإنما هُو ناظر إلى تعميم الحكم بعد الفراغ عن أصل محرمية الرضاع " فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وارد للتعميم بعد الفراغ عن أصل المحرمية وليس لبيان المحرمية .

ثم تأتي الآية الشريفة ﴿وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ﴾[2] هذه الآية الشريفة لم تجعل موضوع الحكم الرضاع، وإنما جعلت موضوع الحكم الأمومة والأخوة الحاصلة من الرضاع بمعنى شيء يحصل من الرضاع، وقضية الرضاع قضية تعبدية صرفة ويظهر من العصور السابقة حتى في أيام الجاهلية أنه كان يوجد عنوان وهو أخوه من الرضاع وحتى في التاريخ يوجد عندنا بأن فلان أخ فلان من الرضاعة فإنه يوجد شيء سابق مفروغ منه، فالآية الكريمة فرضت أمومة بالرضاع أو أخوة من الرضاع ولم تفرض الرضاع، نعم لو كان تعبير الآية هكذا " واللاتي أرضعنكم أو رضعن معكم أو رضعن من أمهاتكم " فحينئذ يمكن أن يقال أرضعت فيوجد إطلاق ، ولكن الآية تقول ﴿وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ﴾[3] فلا بد أن تبلغ مرتبة الأمومة والأخوة وهذا متى يبلغ ويتحقق فهل الرضعة الواحدة كافية وهل الرضعة من غير ذات الحمل كافية فإن الآية ليس فيها نظر إلى هذا وعليه فلا نستطيع أن نثبت منها إطلاق، فإن العنوان ليس عنوان إرضاع وإنما عنوان أمومة الرضاع وأخوة الرضاع فكأنه يوجد عندنا عنوان يترتب على الرضاعة هذا العنوان لا بد أن يحافظ عليه، وهذا كيف نستطيع أن نحرز حدوده في عصور التشريع الأول فإنه بالنسبة لنا غير واضح .

بعبارة أخرى، أن أصل دليل تشريع محرمية الرضاع هو هذه الآية الكريمة، وهذه الآية لم تتضمن محرمية الرضاع وإنما محرمية العنوان الرضاعي، والعنوان متى يتحقق حتى يقال بأن هذه أم رضاعية أو أخت رضاعية فإذا رضع الطفل من إمرأة أجنبية لمرة واحدة فقط فهل يسمونها أم رضاعية، فعنوان الأمومة والأخوة عنوان يتحقق على الرضاع فهذه العناوين التي تضمنتها الآية الشريفة معناه أن موضوع الحكم ليس هو الرضاع وإنما هو الأمومة الرضاعية ولا يوجد عندنا دليل على وقت تحقق الأمومة، فالتشريع حصل بالآية والآية شرعت على قضية معهودة فإن هذا أمر معروف من أيام الجاهلية مثل البنوة الإدعائية فإنه كان عند العرب بنوة إلحاق غايته الآية أبطلته بينما هنا الاية فرضت الأمومة ونفذتها وبينت أن هذه العلاقة تحقق تحريماً غايته بينته في الأم والأخت والرواية الشريفة عممته، فالآية ليست واردة لتشريع محرمية الرضاع وإنما لتشريع أن النسبة الحاصلة بالرضاع يجري عليها الحكم كما يجري على النسبة الحاصلة بالنسب، وهذه النسبة متى تتحقق فإنه لا يوجد عندنا شيء واضح بحيث نستطيع أن نعرف بأن النسبة تحققت بمجرد الإرضاع حتى نقول بأن مقتضى الإطلاق الإرضاع فهنا تحقق الإرضاع فيمن ليس لها بحيث لو در لبنها وحده لتحقق الإرضاع فمقتضى الإطلاق أن هذا محرم فأصل الرضاع محرم ، ولكن الآية لم تقل هكذا وإنما قالت الأمومة الرضاعية كالأمومة الحقيقية والأخوة الرضاعية كالأخوة الحقيقية، والأخوة متى تحصل في عرف الآية الشريفة في وقت نزولها فإن هذا غامض علينا، ومعنى ذلك أن الآية ليس فيها إطلاق، وعليه لا بد أن نرجع الى الإطلاق المقامي بمعنى أن الشارع بعد أن نسب القضية للأمومة فالمرجع ما هو عند العرف فالذي يحقق الأمومة هو الذي يحرم فالذي كان عند العرف كان يحرم في عصر الصدور والنزول ونحن الان الحال غامض علينا فهل كان يشمل ما لو اندفع لبن المرأة بلا أن تكون أهلاً للولادة فإن غير واضح ، وعليه بمقتضى الإطلاق المقامي لا بد أن نرجع إلى ما عليه العرف حين نزول الآية، ونحن لا نعلم بأن الإبن حين نزول الآية عند العرب كان لبناً لا ينتسب إلى فحل وإنما هو عبارة عن شيء عابر يحصل عند المرأة بحيث يحقق أمومة فإنه غير واضح، وعليه فالإطلاق المقامي يقصر والإطلاق اللفظي لا يوجد لأنه مشكوك في صدق العنوان أي في صدق الأمومة، ولا يوجد عندنا طريق لإحراز الأمومة كيف تكون .

يبقى عندنا النصوص كما في بعض الموارد فانه عندنا عنوان الإرضاع " يحرم على الفحل أولاد المرتضع " وأمثال ذلك من الروايات الواردة والتي تعبر بالإرضاع، ولكن هذه الروايات ليست واردة لتشريع حرمة الرضاع وانما واردة لبيان أحكامه الخاصة بعد المفروغية عن أن المراد بالرضاع هو الرضاع المعهود المحرم، وإلا فإن التعبير اذا أرضعته أختك حرمت عليك وعليه فليس المقصود ولو رضعة واحدة، وَلا إشكال في انه في عصور الأئمة عليهم السلام ظهر أنه يوجد شروط كثيرة للتحريم وهذه الشروط الكثيرة للتحريم فعندما يقول إذا أرضعت ليس المقصود مسمى الرضاع وإنما المقصود الرضاع الذي هو معهود، وهذا يجري هنا ويجري هناك فمثلاً " يحرم على أبي المرتضع أولاد صاحب اللبن " فإنه يوجد شيء معهود وهذا الرضاع بشروطه المعهودة ينشر التحريم، وعليه فلا نستطيع أن نحقق الإطلاق المقامي وكذلك الإطلاق اللفظي والآية الشريفة ليس فيها إطلاق لأنها واردة على العنوان وعموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وارد لبيان عموم التحريم وليس لبيان أصل التحريم والروايات الإخرى واردة بعد المفروغية عن التحريم لبيان الفروع المختلفة وإن كانت تعبّر بالرضاع ولا تعبّر بالأمومة والإخوة وهذه ليس المقصود منها مسمى الرضاع، فإن القضية اتضحت وأنه يوجد شروط والإمام يريد أن يشير لذاك الرضاع المحرم، فحينئذ لا مجال للبناء على استفادة ذلك من الإطلاق .

وعليه نأتي إلى مقامنا فَلَو فرضنا أنا شككنا في أن المرأة إذا در لبنها من دون أن تكون مهيئة للولادة وغير مرتبطة بفحل فما هو حكمها، فالأصل عموم التحليل " وأحل لكم ما وراء ذلكم " ولا أقل من عدم وضوح انطباق عناوين التحريم، لأن عنوان تحريم الأمومة والأخوة عنوان مشكوك وعليه فالأصل الحل وليس الأصل التحريم، ومن هنا لا يوجد عندنا طريق لإحراز التحريم، ومع قطع النظر عن الأدلة الخاصة ينبغي أن نلتفت الى أنه لا يوجد عندنا إطلاق في باب الرضاع ، ولا يوجد عندنا حدود واضحة بحيث يمكن أن نسير عليها ونقول بأن هذه هي المعيار ، فعند مورد الشك نقف بعد أن الآية تتكلم عن حالة معهودة في الجاهلية والروايات دالة على أحكام الرضاع إما عموم التحريم أو بقية الأحكام مثل لو أرضعته عمتك فأصبح إبن عمتك أو إذا أرضعها أخاك لأصبحت عماً فهل المراد من إذا أرضعها أخيك يعني رضعة واضحة وإنما المقصود إذا تحقق الرضاع المعهود ولا سيما بملاحظة كثرة الشروط الواردة في الرضاع فعندما يطلق لا بد أنه يريد أن يشير للرضاع الواجد للشرط وليس هو يريد أن يشرع تحريم الرضاع، وعليه فلا يوجد عندنا إطلاق فالمرجع الأصل ما لم يكن عندنا دليل يوضح لنا الحال، وفي باب الرضاع فإن بناء العرف على تحقق العلاقة من دون وجود ارتباط جنسي للمرأة غير واضح، مضافاً إلى الروايات الخاصة فإنها كافية، وهذا الذي ذكرناه هو كقضية عامة حتى تفيدنا في سائر الموارد .

بقي أمور :

الأول : مقتضى الجمود على الوطء في المتن وكلام جماعة الإكتفاء به وإن لم يترتب عليه حمل وولادة، فإن السيد رحمه الله يقول عن وطء صحيح كما يأتينا، فإذا كان عن وطء فمقتضى الإطلاق أي وطء حصل وإن لم يحصل عندها حمل، لكن صرح غير باعتبار ترتب الحمل عليه بحيث ينسب اللبن للحمل ولا ينسب اللبن للمرأة فيما لو لبنها در وانما لانها حملت، بل الظاهر أنه مراد الجميع وهو المتعين بلحاظ الحديثين المتقدمين - " سألته عن امرأة در لبنها من غير ولادة " فجعل المعيار الولادة وليس المعيار الوطء - والنصوص المتضمنة لنسبة اللبن للفحل ونسبة اللبن للفحل إنما تصحح ذلك ليس لمجرد الوطء وإنما إذا حصل أبوة بحيث كان اللبن ينسب له، أما إذا وطأها ولم تحمل ولكن كان عندها لبن يدر فنسبته للفحل غير واضحة ، فالظاهر من نسبة اللبن للفحل هو أن يحصل من فحل واحد وليس فحلن كنّا تقدم في رواية بريد وأمثالها أيضاً نسبته للفحل الظاهر انه لا بد أن يكون مسبب عن وطئه، وعليه فلا بد من حصول ولادة بمقتضى الروايتين المتقدمتين وفحل ونسبة اللبن للفحل إرتكازاً بحيث هو فعل اللبن فيكون اللبن منسوباً له فهو أنتج اللبن وجعلها تنتج اللبن، فإذا كان هي بالذات عندها لبن ورمته لذاتها وليس للولادة فكيف ينسب له، فإن الظاهر أن نسبته للفحل بهذا اللحاظ .

وأظهر مِن ذلك ما تضمن نسبته للفحل والولد معاً كصحيح عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لبن الفحل قال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام.

وهذا وارد في مقام الحصر فإنه سأله عن اللبن الفحل فقال له ما أرضعت امرأتك ابنك من لبنك وابن ولدك ولد امرأة إخرى فهو حرام ، فهو في مقام الحصر يعني ما عداه ليس بحرام ، فعندما يذكر العنوان والسائل يسأل عن لبن الفحل ما هو المقصود منه فيجيبه بالجواب المتقدم وهو حرام فيتعين البناء على ذلك .

الثاني : قال في القواعد " وَلا يشترط وضع الحمل بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح " - هذه مسألة أخرى وهي أنه يوجد حمل والحمل أثّر وجعلها تنتج اللبن ولكنها لم تلد فهنا ما هو الحكم - ونحوه في الروضة وفي المسالك لعله إجود وقد يظهر من موضع من المبسوط ، وكأنه لصحة نسبته للفحل لكونه مسبّباً عن الحمل المستند لفحولته .

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج14، ص294، أبواب ما یحرم بالرضاع، باب6، ح4، ط الإسلامية.
[2] نساء/سوره4، آیه23.
[3] نساء/سوره4، آیه23.