الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

39/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم البقاء على الجنابة في الصوم الواجب من غير رمضان وقضائه.

الثالث: حكم البقاء على الجنابة في الصوم الواجب من غير رمضان وقضائه.

في المستمسك "صريح جماعة المنع فيها، كرمضان وقضائه، بل هو ظاهر المشهور والمنسوب إليهم. حملا له عليهما"[1] . وعن المصابيح: الإِجماع عليه، وعن‌ مفتاح الكرامة: لم أجد في علمائنا المتقدمين من خالف في ذلك [يعني في التعميم] أو تردد سوى المحقق في المعتبر.

ولكن عن ظاهر الشيخ في الخلاف وابن زهرة المقيدين للحكم بصيام شهر رمضان، وصريح الدروس وجمع من المتأخرين: عدم مفسديته له.

وكيف كان فقد استدل المشهور للمفطرية ـ كما أشار اليه في المستمسك ـ بقاعدة الالحاق بتقريب: ان المولى اذا أمر بمركب اعتباري اختراعي لم يكن من قبل وبين اجزاءه وشرائطه، ثمّ بعد ذلك أمر بفرد آخر من ذلك المركب ولم يبين قيودا له يكون ذلك دالّا على اعتبار جميع تلك القيود فيه، فالصلاة اليومية مثلا بعد أمر الشارع بها وبين اجزائها وشرائطها وموانعها، لو أمر بصلاة خاصة لمناسبة ما فالعرف يفهم من ذلك اعتبار جميع قيود الصلاة اليومية فيها، ولا سبيل الى أن يقال أن الدليل انما دل على اعتبار الطهارة في الصلوات اليومية ولا دليل على اعتبارها في هذه الصلاة فيتمسك بالأصل لنفي اعتبار الطهارة.

والمقام من هذا القبيل حيث أمر الشارع بصوم شهر رمضان وبين قيوده وشرائطه التي منها عدم البقاء على الجنابة متعمداً الى الفجر، فأمره بعد ذلك بصوم آخر، يقتضي اعتبار عدم البقاء على الجنابة ما لم يقم دليل على العدم. كما اقتضى تحديد وقت ذلك الصيام من أول طلوع الفجر الى غروب الشمس، اعتماداً على بيانه في صوم شهر رمضان الذي هو الأصل في تشريع الصوم، فلا ينبغي التردد في البناء على اعتبار ذلك فيه أيضاً، ولا مجال لحمله على صوم التطوع الذي لا يعتبر به عدم البقاء لان الصوم المندوب يتسامح فيه ما لا يتسامح في الواجب.

والظاهر ان قاعدة الالحاق وان سلمت في الجملة الا انها لا يمكن الجري عليها فيما نحن فيه لان الوجه في الالحاق:

إما ظهور الادلة الواردة في الموارد الخاصة كلها في كونه لبيان نفس الطبيعة والماهية من حيث هي. فالصوم المشرع فيها في الكل واحد، وهذا ينافيه ما عرفت من عدم اعتباره في المندوب

وإما ظهور الدليل الوارد في صوم شهر رمضان في كونه لبيان نفس طبيعة الصوم والماهية من حيث هي، بحيث يكون فقد أي من الشروط موجبا لعدم تحقق الطبيعة. وهذا يقتضي اعتبار عدم البقاء في غير رمضان، لكن ينافيه عدم اعتباره في المندوب أيضا، مضافا الى عدم ظهور ادلة صوم رمضان في ذلك. بل ظاهر اطلاق صحيح محمد بن مسلم المتقدم ينافي ذلك.

وإما الإطلاق‌ المقامي لدليل مشروعية الصوم الملحق كالنذر مثلا، الموجب لحمله على الملحق به وهو شهر رمضان. لكن الإطلاق المقامي لا يقتضي ذلك لأنه كما يمكن أن يكون الوجه فيه: الاكتفاء ببيان صوم شهر رمضان وقضائه عن التصريح باشتراطه، يمكن أن يكون الوجه فيه الاكتفاء ببيان صوم المندوب عن التصريح باشتراطه.

ان قلت: أن البيان في شهر رمضان أولى بالاعتماد عليه، لمشاركته لرمضان في الوجوب، خصوصا ان الصوم المندوب يتسامح فيه ما لا يتسامح في الواجب.

قلت: نعم، لكن الأولى كون الوجه في الإطلاق: الاعتماد على ما ورد في مطلق الصوم مما ينفي اعتبار ذلك فيه، مثل‌ صحيح ابن مسلم: "سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لا يضر الصائم إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء"[2] ‌فإنه يدل على عدم قدح البقاء على الجنابة في طبيعة الصوم من حيث هي. فإذا دل دليل على دخله كما في خصوص صوم شهر رمضان لم يكن وجه لإلحاق غيره به، بل المرجع فيه الصحيح المذكور.


[1] مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم، ج‌8، ص277.
[2] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج10، ص31، الباب20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم. ح1.