الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

39/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجماع في قبل المرأة ودبرها

والجماع في القبل (1) والدبر[1] (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الثالث من المفطرات الجماع في قبل المرأة "إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين بقسميه، مضافا إلى الكتاب والسنة"[2] كذا في الجواهر. بل قامت الضرورة عليه

و يشهد به ـ مضافا الى الاجماع بل الضرورة ـ الآية الشريفة "فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وابْتَغُوا ما كَتَبَ الله لَكُمْ وكُلُوا واشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام إِلَى اللَّيْلِ"[3] . فإنها ظاهرة لو لم تكن صريحة في وجوب الإِمساك في النهار عن جميع الامور المذكورة في الآية والتي أحلها اللّه تعالى في الليل ومنها مباشرة النساء[4] .

كما تشهد به النصوص المستفيضة لو لم تكن متواترة:

كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قال: "سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء"[5] . وغيرها.

ومن الظاهر ان القدر المتيقن من اجتناب النساء هو الجماع في القبل.

(2) في الجواهر "وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل قد عرفت دعوى الإجماع الذي يشهد له التتبع في المقام"[6] .

والكلام في وطيء دبر المرأة يقع في حالتين:

الاولى: ان يكون مع الانزال فلا ينبغي التردد حينئذٍ في الافطار لان المفطرية لو لم تستند للوطيء فهي مستندة للجنابة نفسها. ومن ثم يمكن الاستدلال على تحقق الافطار بما ورد في مفطرية الجنابة. وهذا بالنسبة للواطئ واضح لإنزاله، واما بالنسبة للموطوءة فلو لم نقل ان الوطء موجب للجنابة كفى الإجماع الذي نقلناه عن الجواهر لان الظاهر شموله للموطوءة، كما يظهر من كلامهم خصوصا مع اعراضهم عن النصوص الآتية والدالة على عدم جنابتها مع موافقتها لإصالة عدم وجوب الغسل.

الحالة الثانية: ان يكون مع عدم الانزال قال في المستمسك: "فالمحكي عن صريح الخلاف، والوسيلة، والمبسوط: الإجماع على أنه كذلك أيضاً [يعني مفطرا]. وعن الغنية: الإجماع على الفساد بحصول الجنابة، الشامل لما نحن فيه، بناء على سببيته لها"[7] .

وكيف كان يشهد له اطلاق النصوص الدالة على مفطرية النكاح والواردة بألسنة مختلفة كالجماع او الوطء او النكاح او اتيان الاهل الى غير ذلك. فإنها بإطلاقها شاملة للوطيء في الدبر فأنه احد المأتيين كما ورد.

ولا مجال لدعوى الانصراف إلى الجماع في القبل كما في الحدائق[8] .

لأنه لا منشأ لها إلا الغلبة. وقد عرفت اكثر من مرة أنها لا توجب الانصراف المعتد به بحيث يوجب رفع اليد عن الإطلاق.

وقد يستدل له ببعض النصوص التي استفيد منها أن موضوع الحكم هو الجنابة، واما الجماع بما هو فلا دخل له في المفطرية. وعليه فحيث ثبت ان الوطء في الدبر يوجب الجنابة كان الوطء مفطرا بملاك تحقق الجنابة.

والنصوص المدعى دلالتها على ذلك:

كصحيح أبي سعيد القماط: "أنه سئل أبو عبدالله ع عمن أجنب في شهر رمضان في أول الليل، فنام حتى أصبح. قال: لا شيء عليه. وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال"[9] . لظهوره في قدح الجنابة في النهار، لأنها في وقت حرام.

وصحيح يونس في حديث قال: "في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال، ولم يكن أكل، فعليه أن يتم صومه، ولا قضاء عليه. يعني إذا كانت جنابته من احتلام"[10] . حيث تدل على قادحية الجنابة من غير الاحتلام.

وخبر عمر بن يزيد: "قلت لأبي عبدالله ع: لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، والنكاح يفطر الصائم؟ قال: لأن النكاح فعله، والاحتلام مفعول به"[11] . لظهوره في المفروغية عن أن القادح في الصوم هو القدر المشترك بين الاحتلام والنكاح، وأن عدم مفطرية الاحتلام لخروجه عن الاختيار.


[1] تبصرة المتعلمين، للعلامة الحلي، ج1، ص78.
[2] جواهر الكلام، للجواهري، ج16، ص219.
[3] البقرة الآية 187.
[4] ويدل على كون الغاية في الآية لجميع ما ‌ذكر في الآية، هوما رواه على ابن إبراهيم في تفسيره قال: "حدثني أبي رفعه قال: "قال الصادق عليه السلام كان النكاح والأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم بمعنى كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الإفطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله ابن جبير وكان شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الأكل في هذه الليلة، فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان، فانزل الله أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام. وساق الآية في التفسير الى قوله "ثمَّ أَتِمُّوا الصيام إِلَى اللَّيْلِ" قال فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم الى طلوع الفجر بقوله تعالى "حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.". وروى السيد المرتضى (ره) في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام نحوه
[5] وسائل الشيعة ج10، ص31، باب1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ح1.
[6] جواهر الكلام، للجواهري، ج16، ص220.
[7] مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم، ج8، ص240.
[8] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، للبحراني، ج‌13، ص: 109.
[9] وسائل الشيعة ج10، ص57، باب13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ح1.
[10] وسائل الشيعة ج10، ص190، باب13 من أبواب من يصح منه الصوم، ح5.
[11] وسائل الشيعة ج10، ص104، باب104 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ح4.