الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

39/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلة القول الثاني وجوابها ـ القول الثالث

وثانيا: بعض النصوص التي ذكرت بعض هذه العناوين وصرحت بانها مفطرة مثل الاكل:

كخبر سليمان المروزي قال: "سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ان ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح"[1] .

فانه كالصريح بان هذه العناوين ليست من الاكل والشرب بل هي في قبالها خصوصا مع عطف النكاح عليها لأنه لا يرتبط بهذه العناين بالمرة.

ومن هنا كان الأنسب بالجمع بين الأدلة المذكورة إلغاء خصوصية العناوين المذكورة فيها من الطرفين، وجعل موضوع المفطرية هو وصول الشيء للجوف.

ولعله لذا ذهب في الغنية الى ان موضوع المفطرية هو ما يصل إلى الجوف ـ كما نسب اليه ـ، وعليه ايضا يبتني ما عن بعضهم من المفطرية بصب الدواء في الإحليل إذا وصل إلى الجوف، وما في المبسوط والمختلف من الإفطار بتعمد وصول الطعنة للجوف، وغير ذلك.

وفيه: ان الخبر لامجال للاعتماد عليه لان سليمان بن حفص المروزي لا يعتمد على احاديثه خصوصا وانه معارض بموثق عمرو بن سعيد، عن الرضا عليه السلام قال: "سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ فقال: جائز لا بأس به، قال: وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال: لا بأس"[2] .

فلا يتم الوجه الثاني واما الوجه الاول فقد عرفت انه لا يلزم بإلغاء العناوين وجعل المدار على دخول الجوف.

وان شئت قلت: ان الملاحظ ان العناوين المذكورة على وتيرة الاكل والشرب فلو ان العرف نُبه لذلك فسوف لا يجد لمفطرية ماء الاستنشاق سببا مغايرا لسبب مفطرية ماء الشرب بل يجده وكأنه باستنشاقه شرب الماء، وان بسببهما واحد وان لم يسم شربا، ومثله الدهن الواصل للحلق اذا قايسناه بأكل او شرب الدهن، بل غير بعيد عنه مفطرية الغبار اذا قايسناه بأكل الطين.

واما الاحتقان بالمائع فلعل من غير المجازفة دعوى ان العرف لو اطلع على عمل الامعاء الدقيقة والغليظة لما وجد لملاك الاحتقان والاكل والشرب فرقا[3] . يقول الكاتب المتخصص عن الامعاء الغليظة: "هي الجزء الأخير من الجهاز الهضمي في الفقاريات وظيفتها الرئيسية هي امتصاص الماء من المتبقي من المواد الصلبة ثم تمرير الفضلات الزائدة إلى خارج الجسم. ثم يقول الكاتب: لا تلعب الأمعاء الغليظة دورًا في امتصاص المواد الغذائية".

فان التفريق شرعا في الاحتقان بين الجامد والمائع مع ملاحظة الفرق بين الجامد والمائع ـ كما سمعت عن المتخصصين ـ يوضح الملاك في مفطرية الاحتقان وانه بملاك الاكل والشرب.

وعلى ضوء ذلك كله لا يبقى وجه لحمل هذه العناوين بما فيها الاكل والشرب على الوصول الى الجوف.

فالأولى الالتزام بكون هذه العناوين مفطرات مستقلة عن الأكل والشرب، أو البناء ـ ان امكن ـ على كونها افرداً خفية ملحقة بهما تعبداً، يقتصر فيه على عناوينها ـ كما ذكر السيد الاستاذ ـ والذي يقرب جداً بعد التوضيح الذي ذكرناه.

القول الثالث ما اختاره صاحب العروة من ان "المدار صدق الأكل والشرب ‌وإن كان بالنحو غير المتعارف فلا يضر مجرد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل أو الشرب كما إذا صب دواء في جرحه أو شيئا في أذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنه موجب للبطلان إن كان متعمدا لصدق الأكل و الشرب حينئذ‌"

وهو كما اشرنا مقتضى القواعد الاولية لكن من الظاهر يلزم ان يكون في غير موارد العناوين المتقدمة بناءً على كونها افرادا خفية للأكل والشرب كما اشرنا اليه وقربناه.


[1] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج:10، ص69، باب:1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ح1.
[2] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج:10، ص70، باب:1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ح2.
[3] يقول الكاتب المتخصص: هي الجزء الأخير من الجهاز الهضمي في الفقاريات وظيفتها الرئيسية هي امتصاص الماء من المتبقي من المواد الصلبة ثم تمرير الفضلات الزائدة إلى خارج الجسم. ثم يقول الكاتب: لا تلعب الأمعاء الغليظة دورًا في امتصاص المواد الغذائية.