الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

39/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة الحديث في الاستهلاك.

وفيه: ان الظاهر ان العلة في ارتفاع حكم المستهلك انما هو انتفاء موضوع الحكم وعدم بقائه عرفا فينتفي الحكم لانتفاء موضوعه فقطرة البول إذا سقطت في حوض الماء وتفشت فيه حتى استهلكت لم يبق بول عرفا فترتفع الاحكام المترتبة على البول عنها من نجاستها وحرمة شربها الى غير ذلك ولا يمنع من ارتفاع حكم البول عنها زيادة ماء الحوض بمقدار قطرة البول بل يكون ماء الحوض كله بنظر العرف ماءً وان علم دقةً وجود ذرات البول في الماء. ومثله ما لو سقطت قطرة من الماء المغصوب في حوض من الماء المباح او في النهر وتفشت فيه حتى استهلكت عرفا بحيث لا يرى العرف وجودا للقطرة المغصوبة في الحوض وكأنها انعدمت وان علم دقة وجود ذراتها ضمن ماء النهر او الحوض، فسوف يرتفع بالضرورة حكم القطرة لارتفاع موضوعه بانعدام القطرة عرفا.

اذا عرفت هذا تعرف عدم الفرق في تحقق الاستهلاك بين اتحاد جنس المستهلك والمستهلك فيه وعدم اتحادهما بعد فرض اختلاف حكم المستهلك والمستهلك فيه.

نعم مع اتحادهما جنسا وحكما لا يبقى اثر للاستهلاك غير زيادة الحجم فيصح ان يقال حينئذ لا يتصور الاستهلاك.

وعليه: فاللعاب المتعلق بالخيط حيث حكم بمفطّريته بعد إخراجه من الفم لا يجوز ابتلاعه ولو ضمن لعاب الفم فلا يجوز ابتلاع لعاب الفم لاشتماله عليه الا ان يستهلك فيه فيرتفع الحكم المتعلق به فيجوز ابتلاعه ضمن اللعاب المستهلك فيه.

هذا وقد التزم البعض بإمكانية الاستهلاك الا انه قال: "ينبغي التنبيه على أمر وهو أنّ‌ الاستهلاك إنّما يؤثّر في المقام، ومثله في مسألة الوضوء بالماء الذي امتزج به ماء البئر أو الماء المغصوب، كما في المثالين المذكورين. وأمّا بالنظر إلى سراية النجاسة فلا أثر للاستهلاك بوجه، فإذا وقعت قطرة قليلة جدّا في داخل الإناء الذي يكون فيه أقلّ من ماء الكرّ يوجب تنجّس الجميع"[1]

وكأنه يفرق بين الاستهلاك باختلاف المواضع ويريد ان يستثني الاستهلاك في سراية النجاسة عنه في غيرها وانه يوجب النجاسة وان كان مستهلكا وتعرف جوابه مما مثلنا للاستهلاك علما ان المثال الذي ذكره لا يتعقل فيه الاستهلاك لان قطرة البول عند الاصابة غير مستهلكة فتوجب نجاسة جميع الماء الذي في الاناء وبعد نجاسة الجميع يتحد حكم الجميع من حيث النجاسة فيكون نجسا فلا يتغيّر شيء في صورة الاستهلاك وعدمه لاتحادهما جنسا وحكما اما لو اختلفا كما لو كانت قطرة من الخمر سقطت في الاناء فهي تنجس ماء الاناء الا ان حالها يختلف قبل الاستهلاك عنها بعده حيث لو شرب شخص ماء الاناء للزمه الاثم والحد لو لم تستهلك قطرة الخمر لأنه شرب الماء النجس فيأثم وشرب قطرة الخمر فيلزمه إقامة الحد عليه، ويأثم فقط لو كانت مستهلكة فيه لعدم تحقق شرب الخمر بشربه للإناء لعدم وجود الخمر في الإناء عرفا بعد الاستهلاك وان علم وجوده دقة.


[1] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، للشيخ اللنكراني، الصوم والاعتكاف، ص62.