الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

39/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في ما يمسك عنه الصائم ـ الاكل والشرب والكلام في عمومهما للمعتاد وعدمه.

الباب الثاني

"في ما يمسك عنه الصائم"

وهو ضربان واجب وندب فالواجب الاكل والشرب[1] (1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهما في الجملة مورد لإجماع المسلمين كافة بل من الضروريات الدينية عندهم ويشهد به مضافا لذلك الآية الكريمة (كُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام إِلَى اللَّيْلِ) والسنة المتواترة.

ولا ينبغي إطالة الكلام فيها وانما نتكلم عن عدة أمور:

الأول: في ان مفطّرية الاكل والشرب هل تختص بالمعتاد اكله وشربه كالخبز والماء ونحوهما او تعم المعتاد وغيره كالحصى والفحم والنفط وعصارة ورق الأشجار ونحوها؟

نسب العموم الى المشهور بل الى التسالم وادعي الاجماع عليه فعن الخلاف والغنية والسرائر وظاهر المنتهى الاجماع عليه بل عن المختلف والتذكرة اجماع المسلمين عليه وكذا في الناصريات حيث قال السيد المرتضى في المسألة التاسعة والعشرون والمائة : "ويفسد الصيام كل ما يصل إلى جوف الصائم بفعله ...هذا صحيح، ويجب أن يشرط فيه الاعتماد، ولا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمد أنه يفطره، مثل الحصاة، والخرزة، وما لا يؤكل ولا يشرب. وإنما يخالف في ذلك الحسن بن صالح، وقال: إنه لا يفطر، وروي نحوه عن أبي طلحة، والإجماع متقدم ومتأخر عن هذا الخلاف، فسقط حكمه"[2] .

نعم في المختلف: "وقال السيد المرتضى الاشبه انه ينقض الصوم ولا يبطله واختاره ابن الجنيد ونقل السيد عن بعض اصحابنا انه يوجب القضاء خاصة"[3]

ولم يعرف قائل من المتقدمين بالاختصاص غير ما نقله في المختلف، وهو ببالي موجود في جمل العلم والعمل للسيد المرتضى ص90.

وكيف كان فيشهد للعموم مضافا الى ارتكاز المتشرعة ودعاوى الاجماع اطلاق الآية والنصوص.

واما الاختصاص بالمعتاد فقد يستدل له بأمور:

أولها: دعوى انصراف اطلاقات الآية والنصوص عن غير المعتاد

وفيه: ان الانصراف المدعى ان كان في متعلق الاكل والشرب اعني المطعوم والمشروب فهو لم يذكر في الآية والنصوص كي يدعى انصرافه عن المعتاد فعدم ذكره يكشف عن إرادة عموم المأكول والمشروب للمعتاد وغيره.

وان كان الانصراف المدعى انصراف نفس الاكل والشرب الى خصوص اكل المعتاد وشربه فيكون الإمساك المطلوب عن اكل وشرب المعتاد من الطعام والشراب كانصراف اطلاق الغسل الى الغسل بالماء.

ففيه ان الاكل كما يكون له افراد غير معتادة في متعلقه كذلك تكون له افراد غير معتادة فيه كالأكل من الانف او من ثقبة تؤدي الى الحلق او نحو ذلك. فاذا كان المطلق ينصرف الى المعتاد فلابد من القول بالانصراف عن الافراد غير المعتادة في نفس الاكل كالأكل من الانف كما ينصرف عن غير المعتادة في متعلقه وهو المطعوم، بل الأول أولى، مع انه لم يقل احد من المتقدمين بانصراف الاكل عن الاكل من الانف مثلا ـ بناء على عموم الاكل له ـ بل يؤخذ بعموم الحكم لكل افراد ما يصدق عليه الاكل، فلا يفرق بين الاكل من الفم او الانف مما يكشف عن عدم الانصراف المدعى.

وبالجملة لا اشكال في تناول الاكل للمعتاد وغير المعتاد فالأكل كما يصدق على اكل الخبز يصدق على اكل الطين ويشهد به ما ورد في اكل تربة الحسين عليه السلام.


[1] تبصرة المتعلمين، للعلامة الحلي، ج1، ص78.
[2] المسائل الناصريات، للسيد المرتضى، ج1، ص294.
[3] مختلف الشيعة، للعلامة، ج3، ص387.