الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

38/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعرض لما أورده المحقق الاصفهاني على دعوى استفاضة الاخبار.

والانصاف: ان ما ذكره في رد الاستدلال بالنبوي صحيح.

وكذا ما ذكره في رد النصوص ـ كحديث مسمع وغيره ـ المتضمنة: "ان الارض كلها للإمام"[1] لكن لا بخصوص ما التزم به من كون الملكية فيها حقيقية بل نوافقه بان الملكية الوارد فيها ملكية من نحو آخر من غير ان نحدد ماهيتها فلا تصلح للاستدلال على كون الموات بالأصل للإمام.

واما ما ذكره في رد الاستدلال بما تضمن ورده بعنوان "خربة" وانه اريد به الموات بعد العمران،

ففيه: ان الخربة اعم من الموات المسبوق بالعمارة ومن الموات بالأصل، لان أصل الخراب فساد الأرض كما في الفائق قال: "وخراب الأرض: فسادُها لفَقْد العمارة"[2] . وقد تكرر في كلام اللغويين ان "الخَرَابُ: ضدّ العِمارة" كما في الصحاح ومقاييس اللغة وغيرهما، بل في المحيط في اللغة: "الخراب: نَقِيْضُ العُمْران"[3] ومثله في شمس العلوم. وفي النهاية: (س) وفيه "من اقتراب السّاعة إِخْرَابُ العامر وعمارة الْخَرَابِ، الْإِخْرَابُ: أن يترك الموضع خَرِباً، والتَّخْرِيبُ الهدم، والمراد ما تُخَرِّبُهُ الملوك من العمران وتعمره من الْخَرَابِ".[4] وغيرها، وهي ظاهرة في ان الخربة اعم من الخربة بالأصل او بعد العمران.

وعليه فان أراد انصراف الأرض الخربة الى المسبوقة بالعمارة فلا تشمل الموات بالأصالة، ففيه أنّه لا وجه لذلك، إذ لو سلم الانصراف فهو انصراف بدوي ناشئ من كثرة الحاجة للفرد الخاص وليس انصرافا من حاق اللفظ، كي يكون ظاهرا فيه. كيف وقد سمعت كلام اللغوين من ان الخراب ضد العمران بل نقيضه، ومقتضى ذلك انه كما أن العامرة تشمل العامرة من نفسها، كذلك الخربة تشمل الخربة بالأصالة.

وإن كان مراده أنّ مورد رواياتها خصوص ما إذا كانت مسبوقة بالعمران.

ففيه: أنّ بعض تلك النصوص قد يستفاد منها ذلك وهي المتضمنة للأرض الخربة التي باد أهلها، إلّا أنّ جملة منها‌ تضمنت كل أرض خربة محضا كروايتي حفص وسماعة، أو ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب مما لا يكون فيها ما يصلح قرينة لاختصاص موردها بالمسبوقة بالعمارة، فمقتضى عمومها شمولها لكلّ أرض خربة، سواء كانت خربة بالأصال، أم كانت خربة بعد العمران. وهذه النصوص كافية لاثبات المطلوب.

واما ما ذكره في رد ما ورد بعنوان "ارض ميتة لا رب لها"[5] من ان المراد به ان غير المملوك يعود للإمام، فعوده للإمام بملاك انه لا مالك له لا بملاك كونه مواتا بالأصل.

فيشكل: بان دعواه إن كانت بلحاظ أنّه لا إطلاق لها يشمل الموات بالأصالة، وأنها ناظرة الى مالكية الإِمام لما لا رب لها فعلًا من ناحية انجلاء أهلها ونحوه. فيردّه انه لا شبهة في اطلاقها وعمومها لكل ارض لا رب لها من غير فرق بين ما كان مواتا بالأصل او بعد العمران.

وإن كانت دعواه قائمة على أساس أنّها تدل على مالكية الامام لها بعنوان أنّه لا رب لها لا بعنوان الموات بالإِصالة، فيردها أنّه بعد فرض كون النسبة بين العنوانين العموم المطلق، ينطبق عنوان ما لا رب لها على الموات بالإِصالة، فيدل على ان الموات بالإصالة للإمام. نعم لو تصورنا للموات بالأصل مالك معروف لما كان مدلولا للرواية.

وبالجملة: ظهور النص بان "عدم المالك للأرض" هو الملاك في الحكم، لا يمنع من دلالة النص على عموم الحكم للموات بالأصل بعد فرض انطباقه عليه.

هذا مضافا الى ان مرسلة احمد بن محمد المتقدمة عامة ومصرحة بان "الموات كلها للإمام" وهي بضميمة ما تقدم من النصوص كافية في اثبات ان الموات بعنوانه كله للإمام. وعمل الاصحاب جابر لضعف سندها خصوصا مع اعتضادها بالإجماع.

والمتحصل: ان النصوص المعتضدة بالإجماع وافية في اثبات المطلوب.


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج25، ص415، ط آل البیت.
[2] الفائق في غريب الحديث، ابو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، ج1، ص153.
[3] المحيط في اللغة، الصاحب اسماعيل بن عباد، ج4، ص332.
[4] النهايه في غريب الحديث والاثر، ابن الأثير، أبو السعادات، ج2، ص17.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص524، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب1، ح4، ط آل البیت.