الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

38/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حمل الخمس عن البلد مع وجود المستحق فيه.

ومنها: صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام "... أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر، وصنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كيف يصنع أ ليس إنما كان يعطى على ما يرى كذلك الإمام "[1] .

بتقريب: ان ظاهر الرواية ان الامام كان يعطي بعض الأصناف أكثر من بعض فيدل على عدم تشريع التساوي بين الأصناف والا للزم زيادة حصة صنف على حساب صنف اخر.

وفيه أولا: ان ظاهر الرواية ان فعل الامام بزيادة بعض الأصناف على بعض لم يكن بلحاظ التشريع والاستحقاق الاولي كي يفهم منه عدم التساوي، بل كان بلحاظ الولاية العامة له وللرسول ص فان قوله ع: "ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كيف يصنع أ ليس إنما كان يعطى على ما يرى كذلك الإمام" كالصريح بذلك. وعليه فلا دلالة للرواية على عدم البسط.

وثانيا: انها ظاهرة في ان السائل فارغ عن كون التقسيم على الأصناف الثلاثة بالتساوي، ومن ثم يسأل عن كيفية العلاج إذا كانت بعض الأصناف أكثر من بعض؟ فجواب الامام بان ذاك الى الامام وبيان ان له الولاية في ذلك كالرسول الاكرم ص، ظاهر في إقرار ما في ذهن السائل من المفروغية عن لزوم التساوي بين الأصناف الثلاثة. والتي تعني لزوم البسط بين الأصناف. والا للزم ان يعترض عليه الامام بانه اي اشكال في ذلك؟ يلزم ان يعطى المحتاجون من أي صنف كانوا. ونحو ذلك من الكلام. فعدول الامام منه الى ما ذكر في الجواب يكشف عن إقرار ما في ذهن السائل وبالتلي لزوم البسط تشريعا.

فهذه الرواية على لزوم البسط ادل.

ومنها: موثق زرارة عن أبى عبد الله عليه السلام في حديث قال: "إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن يحل له الميتة"[2] .

بتقريب: ان قوله ع: "إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم" ظاهر في ان المجعول في الكتاب العزيز لبني هاشم والمطلب سد حاجتهم وغناهم وهذا يعني ان المراد من الأصناف الثلاثة في آية الخمس هم ذوي الحاجة وليست الأصناف المذكورة في الآية الشريفة الا مصاديق للعنوان المجعول له الخمس وهو عنوان " المحتاجون من بني هاشم والمطلب" فيصح الدفع للمحتاج منهم من أي صنف كان. فلا يلزم البسط على الأصناف.

وفيه: ان الرواية ليست بصدد بيان المجعول له سهم السادة (باصطلاحنا اليوم) كي يفهم ان المجعول له هو عنوان "المحتاج من بني هاشم" وانما الرواية بصدد بيان قضية خارجية وهي ان الفقر الذي أصاب بني هاشم والمطلب واحوجهم الى التصدق عليهم ليس سببه القصور في التشريع حيث حرمت عليهم الصدقة وانما سببه ترك العدل لان الله سبحانه وتعالى عوضهم فشرع في كتابه لبني هاشم والمطلب ما لو عمل به وجري عليه لكان فيه سعتهم ولم يفتقر منهم أحد[3] . وأين هذا من كون المجعول له هو عنوان "المحتاج من بني هاشم" دون عناوين الأصناف الثلاثة. وكأنه ساق ذلك توطئة لبيان عدم جواز الصدقة عليهم الا حيث تحل لهم الميتة.

هذا وقد ذكرت وجوها اخرى لعدم البسط لا تخلو من الخدشة أعرضنا عنها مخافة الاطالة.

فالإنصاف: انا إذا ستثنينا الوجه الأول وهي السيرة فالوجوه المذكورة لا تنهض بنفي لزوم البسط.

لكن قيام السيرة المستمرة من المتشرعة على عدم البسط إذا ضممنا اليها بعض القرائن الاخرى التي تنافي البسط سوف يقطع معها بعدم لزوم البسط:

منها: قيام الشهرة على ذلك بل ادعي الاجماع عليه بناء على ما عرفت من بيان كلام الشيخ في المبسوط الظاهر من ذيله من عدم البسط

منها: عدم تساوي مصرف الأصناف الثلاثة لقلة حصول بعضها كابن السبيل او عدم امكان الايصال إليهم او غير ذلك مما يعني ان يفضل في صنف ويعوز في صنف آخر خصوصا إذا عرفنا ان بين ابن السبيل واليتامى وبينهما وبين المساكين بون شاسع مما يعني تعطيل الحق بل لا يحصل مصرفا له بتاتا. فانه مناف لحكمة التشريع. ولما دل من النصوص على ان وجه تشريعه رفع حاجة جميع الطوائف

ومنها: ما إذا كان المكلف هو الملزم بالدفع حيث لا يتسنى له غالبا إمكانية إيصال الحق إليهم والتأكد من توفر الشروط فيهم.

فهذه الأمور وغيرها توجب الاطمئنان بعدم وجوب البسط.


[1] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص519، باب2 من أبواب قسمة الخمس، ح1.
[2] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص276، باب33 من ابواب المستحقين للزكاة، ح1.
[3] فهو نظير ما ورد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: "إن اللّه عز وجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ...".