الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

37/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تقريب صحة القول باتصال السنين الخمسية وتعاقبها ـ حكم ما لو استقرض وصرف قبل الربح.

اللهم الا ان يقال: ان قوله ع في الصحيح "فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام..."[1] وان كان ظاهرا في الاستمرار والدوام الا ان ذلك لا يمنع من صحة القول باتصال السنين وتعاقبها، وذلك بملاحظة عدة مقربات، منها ما يتعلق بالصحيح ومنها ما يتعلق بغيره

اما الاول: وهو ما يتعلق بنفس الصحيح فلانه ع لم يذكر دوام تشريعه واستمراره صريحا وانما كَنّا عنه بـ "كل عام" وغير خفي ان الكناية بشيء عن شيء آخر على نحوين:

ان يكون اشبه بالبدل بحيث لا يكون للمكنى به أي دور الا الايصال الى المكنى عنه ولا يكون مشمولا بالحكم، نظير قول القائل: "زيد كثير الرماد" كناية عن كونه كريما، فان قول "زيد كثير الرماد" لا يراد الاخبار عنه، ولذا قد لا يكون لزيد رماد اصلا ومع ذلك تصدق القضية إذا كان زيد كريما.

ان يكون المكنى به مقصودا بالحكم ومن ثم يترتب عليه المكنى عنه كذكر المقدمتين للوصول الى النتيجة او ذكر السبب للوصول الى المسبب كما لو قال المولى لعبده "أكرم كل عالم" ثم قال "زيد عالم" لبيان وجوب اكرامه، فيكون كل من السبب والمسبب منظورا في الحكم.

والظاهر ان "كل عام" في روايتنا من قبيل الثاني، وذلك لعدة مقربات:

منها: قوله ع: "ولم اوجب ذلك عليهم في كل عام" في صدر الرواية، اذ لا اشكال في ان المقصود هنا عدم تكرار الوجوب في كل سنة سنة لا الدوام محضا، ومثله قوله ع في الذيل: "فأما الذي اوجب من الضياع والغلات في كل عام" لان قيام الضيعة بالمؤنة او عدم قيامها يوجب الوجوب او عدمه في تلك السنة لا في سائر السنين. كما هو واضح.

والظاهر ان "كل عام" التي تتوسطهما ونحن بصددها لا تفترق عنهما خصوصا عن الثانية لأنها مفردة من مفرداتها. فيكون تشريع وجب الخمس في كل عام مقصودا ومنه يفهم الدوام

ومنها: قوله ع: "ولا اوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم" [2] ومعلوم ان وجوب الزكاة يتكرر بمرور السنين.

ومنها: فهم الاصحاب لذلك حيث لم أجد من لم يفهم ذلك منها مما يعني ان ذلك ظاهر منها وان كشف ذلك عن الدوام والاستمرار الذي هو المقصود الاولي من الكلام بقرينة المقابلة للوجوب الولايتي الخاص بسنة صدور الرواية، ولقرائن أخرى ذكرناها سابقا، فراجع.

والمتحصل: ان الصحيح دال على تكرر الدورة السنوية للفوائد بتعاقب السنين وعليه يتم كلام السيد الأستاذ المتقدم.

واما الثاني: وهو ما يقرب اتصال السنة الخمسية وتعاقبها من غير الصحيحة فهي عدة أمور:

منها: تطابق الاصحاب فتاوى وعملا على ذلك ـ ولو عند المتأخرين ـ من دون تعرض لمسوغ ذلك فانه يكشف عن وضوح ذلك وتلقيه عمن سبقهم وبالتالي جري المتشرعة عليه.

ومنها: ارتكاز ذلك عرفا وعقلائيا فالإنسان بطبعه ينساق الى ذلك في تنظيم حساباته وسبر موجوداته واردا وصادرا وعليه جرى التجار والشركات والدول في حساباتها.

ومنها: ان الارتكاز والجري العرفي إذا ضممناه الى كون المسألة ابتلائية جدا بحيث لا ينفك أحد عن الابتلاء بها للزم ذلك مزيدا من التنبيه من الشارع الاقدس لو كان ذلك محظورا ولشاع وذاع خصوصا مع كون الحكم يتعلق بالحقوق والذمم.

والنتيجة ان الأقوى جوار ذلك.

فرع: قال في العروة: "إذا استقرض من ابتداء سنته‌ لمئونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح"[3] .

وهذا في الجملة لا اشكال فيه لان المستثنى هو مؤنة السنة وقد فرض الاقتراض والصرف في السنة. لكن من الظاهر ان الفرض المذكور لا يتم الا على مبناه من ان ابتداء السنة بالابتداء بالعمل، وأيضا ان يكون الصرف بعد الابتداء بالعمل.

واما على مبنانا من ابتداء السنة بتحقق الربح فلا يتم الفرض المذكور بل يكون من مؤن السنة السابقة وبالتالي لا يستثنى من أرباح سنة الربح.

لكن هذا في السنة الأولى واما السنين اللاحقة المتعاقبة فلا مانع من استثنائها من سنة الربح، لبدأ السنة التالية بانتهاء السنة السابقة، الا ان نمنع من القول بتعاقب السنين واتصالها.

هذا كله إذا لم يسدد الدين الى نهاية سنة الربح، واما لو سدده اثناء سنة الربح، فيستثنى من أرباح تلك السنة، بملاك ان تسديد الدين من المؤنة ولو كان من ديون السنين السابقة، كما يأتي التعرض له في فروع لاحقة ان شاء الله تعالى.

 


[1] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص502، باب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح5.
[2] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص502، باب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح5.
[3] العروة الوثقى، للسيد اليزدي، ج4، ص288.