الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

37/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعرض للأقوال ومناقشتها

اما القول الأول فيدفعه انه لا دليل عليه بل الدليل على خلافه، لما عرفت من إطلاق المؤنة المقتضي لاستثناء الصرف الذي لم يُقتَصد فيه ايضا. كيف وأكثر الناس لم تبتني معيشتهم على التقتير والاقتصاد الا مع الفقر والعوز الذي لا يتناسب مع الزيادة على المؤنة كي يجب في ماله الخمس، وعليه فالأعم الاغلب ممن يتعلق بماله الخمس هم ممن لا يقتصد، ولازمه عدم استثناء المؤنة في أموالهم الا بمقدار التقتير. وهو كما ترى.

واما القول الثاني وهو دعوى انصراف المؤنة في النصوص الى المتعارف في الصرف.

ففيه: ان اريد من الانصراف المدعى هو ان معنى المؤنة هو الصرف المتعارف ومن هنا تحمل المؤنة على معناها الحقيقي وهو الصرف المتعارف. فدعوى الانصراف ممنوعة لان المتبادر من المؤنة عموم الصرف على النفس والعيال، كما سمعت من كلام اللغويين، ومن الظاهر ان الانصراف المبتني على التعارف لو تم لا يدل على الحقيقة كما هو مقرر في الاصول.

وان أريد من الانصراف حمل النصوص على ان المؤنة المستثناة هي خصوص الصرف المتعارف وتقييدها به، وان صدقت المؤنة على غير المتعارف، كما قد يظهر من قول سيدنا الجد (ره) حيث قال: "فالخارج غير مستثنى لا انه ليس من المؤنة"[1] . فممنوع أيضا لان التعارف لا يصلح ان يكون قرينة على تقييد الاطلاق. فتعارف التصدق بالنقدين مثلا لو فرض لا يصلح قرينة على حصر الصدقة بالنقدين وحمل نصوص استحباب التصدق على ذلك.

واما القول الثالث وهو عدم احتساب ما يعد سرفا وسفها.

فالإنصاف ان مناسبة الحكم والموضع وان كانت لا يبعد انها تقتضيه وبالتالي تقيّد بها الاطلاقات، الا ان الالتزام بذلك مشكل جدا لكثرة وقوع الصرف السفهي والسرف من كثير من الناس، لو لم نقل من أكثر الناس، خصوصا مع طول المدة واستغراقها سنة كاملة. ومع ذلك نجد ان سيرة المتشرعة على عدم البناء على استثناء المصارف الواقعة في طول السنة على وجه السفه والسرف ولا يسأل أحد عن ذلك، بل لا يسأل ايضا عما يقع على الوجه المحرم والمكروه والمرجوح دنيوياً، فلو كان البناء على التقييد بذلك لظهر وبان، ولأحتاج إلى مزيد عناية وبيان، فتأمل.

واما القول الرابع وهو ان العبرة بما يتّفق حصوله في الخارج كيفما اتّفق.

فقد عرفة انه هو الظاهر من إطلاق النصوص

أولا: لان ظاهر المؤنة هو الصرف الفعلي كما سمعت من اللغويين وليست المؤنة هي الاحتياج الى الصرف كما قد يظهر من السيد الجد (ره). ولذا لو ان انسانا صرف اقل مما يحتاج لسنته، فمؤنته التي تستثنى هي ما صرف، لا ما احتاج ولم يصرف.

وثانيا: عدم وجود ما يمنع من التمسك بالإطلاق الا مناسبة الحكم والموضوع التي عرفت الاشكال في الالتزام بتقييدها للإطلاقات.

نعم بعض الصرف السفهي والسرف الذي تقتضيه المناسبة ولا تمنع منه النكتة التي ذكرناها لندرة وقوعه لا يبعد خروجه عن استثناء المؤنة، كمن يغلي الشاي مثلا بالدنانير بدلا من النفط كما نقل عن بعضهم. واما مثل القاء الذهب في البحر عمدا فالظاهر انه خارج عن المؤنة أصلا لأنه ليس من الصرف بل هو محض اتلاف للمال.


[1] مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم، ج9، ص538.