الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

37/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل يلحظ النصاب بعد المئونة أو قبلها

أقول: ويزيد الامر وضوحا ان عبارة الصحيحة "حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا". حيث قاس الخمس على الزكاة، ومن الظاهر ان الزكاة تكون في جميع الذهب البالغ عشرين دينارا فيلزم ان يكون الخمس في جميع العشرين كي تصح المقايسة والمماثلة.

هذا وقد قرب في المستمسك القول الثاني فقال: "وبالجملة: مفهوم الصحيح المذكور إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه شي‌ء.

فعلى القول الأول يلزم تقييد موضوع البلوغ بما بعد المؤنة. وعلى الثاني يلزم تقييد موضوع الخمس في جزاء الشرطية بما بعد المؤنة. لكن الثاني معلوم بالإجماع، فيبقى الأول مشكوكاً، والأصل عدمه، فأصالة الإطلاق فيه بلا معارض"[1] .

وتوضيحه: ان مفهوم الغاية الوارد في الصحيحة هو إذا بلغ المعدن عشرين ديناراً ففيه شي‌ء (أي الخمس).

وحيث كنا نعلم اجمالا ان هناك قيد "بعد المؤنة" فيدور الامر في المقيد به "أي ببعد المؤنة" بين موضوع البلوغ فيكون المفهوم إذا بلغ المعدن بعد المؤنة عشرين ديناراً ففيه شي‌ء (أي الخمس). وبين ان يكون القيد قيدا في جزاء الجملة الشرطية وهو موضوع الخمس فيكون المفهوم إذا بلغ المعدن عشرين ديناراً ففيه شي‌ء (أي الخمس) بعد المؤنة.

وحيث كان الأخير وهو تقييد موضوع الخمس مجمع عليه، فيبقى تقييد البلوغ مشكوكا فيه فينفى بالأصل.

وبعد انحلال العلم الإجمالي يتمسك بإطلاق البلوغ في الصحيح

ومع التنزل قال (ره): "لا أقل من المساواة بين الاحتمالين الموجبة لإجمال الدليل، فيرجع إلى إطلاق ما دل على وجوب الخمس في المعدن، ويقتصر في تقييده على المتيقن، وهو صورة عدم بلوغ النصاب. وبالجملة: تقييد بلوغ النصاب بما بعد المؤنة لا دليل عليه، والأصل ينفيه"[2] .

ويندفع كلامه الثاني: بان ادلة وجوب الخمس في المعدن مبتنية على أساس كون المعدن ربحا وفائدة. ومن الظاهر ان ما تصدق عليه الفائدة من المعدن المخرج هو ما عدا مقدار المؤنة المصرفة في إخراجه. فمقدار المؤنة المصروفة خارج عن ادلة وجوب خمس المعدن تخصصا. وبالتالي لا إطلاق لأدلة وجوب الخمس يشمل مقدار المؤنة من المعدن كي يرجع اليه ويقتصر فيه على المتيقن وهو صورة عدم بلوغ النصاب.

ومن هنا تعرف انه مع التنزل عن دعوى إطلاق البلوغ ـ كما فعل السيد الجد (ره) ـ وافتراض اجمال الدليل لتردد رجوع القيد الى موضوع البلوغ او موضوع الخمس، تصل النوبة حينئذ الى الأصل العملي ويكون المرجع اصالة عدم وجوب الخمس إذا لم يبلغ المعدن عشرين دينارا بعد استثناء المؤنة، لعدم وجود دليل اجتهادي آخر يرجع اليه. وبالتالي يتم القول المشهور.

ويدفع كلامه الأول: انه يلزمه أمور لا مجال للالتزام بها:

منها: ان يكون أصل وجوب الخمس متحقق وموضوع وجوبه تام قبل استثناء مؤنة التحصيل شأنها شأن مؤنة الرجل وعياله ـ بناء على القول بوجوب الخمس فيها على هذا النحو ـ فيكون قيد "بعد المؤنة" قيدا ضمن الواجب "أي الخمس" لا لتحديد موضوع الواجب وهذه بحد ذاتها مفارقة يصعب الالتزام بها، فضلا عما عرفت من ان مؤنة التحصيل لا يصدق عليها عنوان الفائدة كي تشملها ادلة وجوب الخمس فهي خارجة عنها تخصصا، فكيف تحمل عليها؟

ومنها: أن الظاهر من قوله (ع) في صحيح البزنطي: "حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا" ‌وجوب الخمس في تمام العشرين، فإذا بني على استثناء المؤن بعد النصاب لزم ثبوت الخمس في بعضها. بل قد لا يجب فيه خمس أصلا، كما لو استغرقت المؤنة قيمة كل المعدن المخرج.

ولعله لهذا ونحوه ذكر في الجواهر أن المنساق من الأدلة هو اعتبار النصاب بعد استثناء المؤن، كما جرى عليه الأصحاب قبل صاحب المدارك من دون خلاف يعرف، وهو المتعين.


[1] مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم، ج‌9، ص: 459.
[2] نفس المصدر.