الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

37/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ... ـ إذا عُلم المالك ولم يرض بالصلح والاقوال في ذلك، واختيار الثالث منها وهو دفع الاقل ـ بيان انه يجري في الاقل بالعدد لافي القيمة.

فتحصل: أنه إذا كان المال المخلوط بيد صاحب الحلال جاز له الاكتفاء بإعطاء الأقل لمالك الحرام بمقتضى قاعدة اليد في الزائد الدالة على ملكيته له.

نعم يختص هذا بما إذا كان منشأ تردد الحرام بين الأقل والأكثر هو التردد في عدد المال الحرام، كما لو كان عنده عشرة دنانير وتردد الحرام بين الثلاث دراهم وخمسة دراهم، حيث تتردد الأيدي العادية حينئذ بين الأقل والأكثر، ومقتضى حجية اليد البناء على ان الحرام هو الأقل.

أما إذا كان منشأ تردد الحرام بين الأقل والأكثر هو تردد المال المحرم بين كثير المالية وقليلها، كما لو كان عنده نقد مختلف وتردد الحرام منه بين الدراهم والدنانير، فلم يعلم ان الحرام هو الدراهم او الدنانير فإنه لا مرجح ليده على الدنانير، ليبني على حجيتها دون يده على الدراهم، بل يتعين التوقف حينئذٍ.

نعم من الظاهر أنه لا يجب دفع الأكثر. بل يكون الحال كما لو لم يكن المال تحت اليد وكان مردداً بين شخصين لا يعلم مقدار ما يستحقه كل منهما منه، حيث لا موجب لإلزام أحدهما بالاحتياط بإرضاء الآخر بالأكثر، ودفعه له.

هذا وقد يقال: أنه مع كون المال تحت يد أحد الشخصين فقد انشغلت ذمته بالحرام الواقعي وصار ضامناً له، ولا يحرز الفراغ إلا بدفع الأكثر للآخر.

وفيه: بأنه يكفي في براءة ذمته ورفع الضمان عنه تسليط صاحب الحق على ماله الواقعي بتسليطه على جميع المال، ولا يتوقف على تمليكه لما يحتمل ملكية صاحب اليد له.

ومن الظاهر ان صاحب المال الحرام ايضا لا يجوز له ان يأخذ أكثر من ماله. فلابد من حل المشكلة اما بالتراضي او بنحو من طرق رفع الاشتباه.

هذا وفي التذكرة: "ولو عرف صاحبه وقدره وجب إيصاله إليه، فإن جهل القدر صالحه، أو أخرج ما يغلب على ظنه. فإن لم يصالحه مالكه أخرج خمسه إليه، لأن هذا القدر جعله الله تعالى مطهراً للمال"[1] . ولا يخلو كلامه (ره) من تدافع، لان التخيير بين المصالحة، ودفع ما يغلب على ظنه، يستدعي تعين دفع ما يغلب على ظنه عند رفض المصالحة، فلم يبق موضوع لدفع الخمس.

ولعله لرفع هذا التدافع قال في المسالك: "ولو علم المالك خاصة صالحه، فإن أبى قال في التذكرة: دفع إليه خمسه مع الجهل المحض بقدره، أو ما يغلب على الظن لو علم بزيادته عنه أو نقصه، لأن هذا المقدار جعله الله مطهراً للمال"[2] . فغير العبارة التي في الاصل اما لان نسخته هكذا او نقلها بالمعنى بنحو يتجاوز التدافع.

وكيف كان فهو غير تام ايضا لأن الرجوع للظن يحتاج إلى دليل، وهو مفقود. كما أن دفع الخمس للماك مع الجهل المحض بالمقدار لا وجه له لاختصاص روايات الخمس بدفع الخمس لأهل الخمس المعهود.

وفي الجواهر: "وفي التذكرة (أنه إن أبي دفع إليه خمس المال، لأن هذا القدر جعله الله مطهرا للمال) وهو لا يخلو من وجه، خصوصا مع ملاحظة التعليل السابق، وإن استشكله بعضهم بظهور النصوص السابقة سيما خبر الخصال في خلافه من مجهولية المالك"[3] .

ومن الظاهر ان استشكال البعض المشار اليه في محله.

وأما التعليل فحيث كان مضمونه رضا الله تعالى بالخمس فالظاهر منه رضاه تعالى بالخمس لتطهير المال، لا لتعيين مقدار الحرام، ولذا حملناه سابقا على الخمس المعهود من حيث الماهية والمصرف.

فيكون أجنبياً على المدعى في المقام من دفعه للمالك على أنه حقه من المال. ومن هنا كان القول المذكور في غاية الضعف.

 


[1] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج5، ص422.
[2] مسالك الافهام، للشهيد الثاني، ج1، ص467.
[3] جواهر الكلام، للجواهري، ج16، ص75.