الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الأصول

38/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الاوامر : صيغة الامر

وثالثا : أن كون الصيغة (موضوعة لإبراز الاعتبار النفساني) على حد تعبيره لا يمنع من البحث عن كون هذا الاعتبار هو الوجوب أو الاستحباب أو أمر آخر قابل لهما كما يرى هو _ رحمه الله _ في معنى اللابدية الذي ادعى أنه هو الاعتبار النفسي الذي تبرزه الصيغة وان كنا نستغرب من ذلك جدا فإن معنى اللابدية عرفا هو الوجوب بل هو المستفاد أيضا من علم اللغة فقد ذكر الخليل أنهم ( يقولون في موضع لا بد : لا محالة . و الاحتيال والمحاولة : مطالبتك الأمر بالحيل .[1] (

ومن الواضح ان معنى لا محالة أن الامر حتمي ضروري لا تنفع معه الحيل والمحاولات .

وكذا ذكر الخليل أنه (يقال : ما لك عن هذا الأمر حم ولا رم ، أي : بد ، أما حم فمعناه : ليس يحول دونه قضاء غيره ، و أما رم فصلة كقولهم : حسن بسن) [2] .

فمعنى لا بُدَّ منه : لا مهربَ ولا مفرَّ منه . فكيف يجتمع مع أن يرخص المولى ويجعل للمكلف مخلصا؟.

فهو لفظ وجوب آب عن الترخيص أشبه بالعام الآبي عن التخصيص فلا يصلح عرفا لأن يذكر ثم يعقب بالترخيص .

وبعد بيان ما يبطل ما ذهب اليه رحمه الله لا تبقى فسحة للبحث في ما رتب عليه من آثار .

القول الخامس : ان الدلالة على الوجوب بالإطلاق وهو ما ذهب اليه جمع منهم الشهيد الصدر ره فقال: أن صيغة الأمر تدل على الإرسال والدفع بنحو المعنى الحرفي ولما كان الإرسال والدفع مساوقا لسدّ تمام أبواب العدم للاندفاع والتحرك فمقتضى أصالة التطابق بين المدلول التصوري والمدلول التصديقي ان الطلب والحكم المبرز أيضا حكم يشتمل على سدّ تمام أبواب العدم وهذا يعني عدم الترخيص في المخالفة . [3]

وهو كما ترى لا يخلو من إشكال من جهة أنه يفترض من جهة أن الصيغة ليست موضوعة للوجوب بمعنى ان استعمالها في الاستحباب لا يكون مجازا ومن جهة اخرى يقول أن الارسال والدفع مساوق لسد تمام ابواب العدم وأن التطابق بين المدلول التصوري والمدلول التصديقي يفيد عدم الترخيص بالمخالفة .

وهذا يعني أنه أن قصد به الاستحباب خرج عن أصالة التطابق بين مرتبة الدلالة التصورية الوضعية والدلالة التصديقية الاستعمالية .

وهل المجاز الا هذا ؟

فيكون الاشكال عليه ذا شعبتين فإما أن يختار القول بالإطلاق ويرجحه على القول بالوضع فهذا لا ينسجم مع تقريبه وإما أن يختار القول بالوضع وأن استعمال الصيغة في الاستحباب مجاز فالمجاز فيه خلاف الوجدان .

القول السادس : وهو المختار وهو القول بوضع صيغة ( افعل ) للإرسال لكن بتقريب مختلف عن ما ورد في القول الخامس وبيانه في ما يلي :

    1. أن المراد من الارسال هو البعث كما ورد في عبارات بعض الأعلام والتحريك كما ورد في عبارات آخرين والمراد منه ظاهرا الحث الانشائي على تحقيق المادة التي تقوم بها الهيئة وأن هذا الارسال ينشأ من جهة أن المرسل ( بالكسر) يرسل المرسل(بالفتح) المخاطب بالصيغة نحو المادة فيكون تخلفه عن ذلك منافيا للإرسال الا أن يبين له أن ارساله ليس حتميا لازما وواجبا ومن هنا نستفيد من ظاهر الصيغة الوجوب ولكن استفادة ذلك لا تجعل استعمال الصيغة في حال ارادة الاستحباب مجازا فإن الاستحباب لا يتنافى مع أصل الارسال وحقيقته بل يمثل خروجا عن اطلاقه وشأنه وطبيعته الاولية .

وبعبارة أخرى أن الإرسال له حصتان طوليتان احداهما الارسال البات الحتمي والآخر الارسال مع فسحة الترك وبما أن الحصة الأولى منه هي الارقى والانقى من حيث حقيقة الارسال فإنها تختلف عن الثانية المشوبة بفسحة الترك من حيث أنها خالية تلك الفسحة فهي كالبياض الذي يخالطه الكدر يصدق عليه البياض لكن فرقه عن البياض النقي الناصع أنه مشوب بما لا يناسب جوهر البياض وحقيقته لكن هذه الشائبة لا تخرجه عن كونه أبيض .

نعم إن استعملت الصيغة بمعنى آخر كالترخيص كما في الامر في مقام توهم الحظر صارت مجازا أو كالتحريم في مقام التهديد على ارتكاب الفعل او غير ذلك صار الاستعمال مجازا


[1] العين، الفراهيدي، الخليل بن احمد، ج3 ص297.
[2] العين، الفراهيدي، الخليل بن احمد، ج8 ص261.
[3] بحوث في علم الاصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج2 ص22.