الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الفقه

38/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الغناء : حقيقته

فأما اللغويون فقد ترى منهم اذا جمعت بين كلماتهم انك تتوصل الى أن الغناء أمر صوتي وفيه خصائص عديدة يأتي في طليعتها كون الصوت خارجا عن طبيعته الكلامية العادية وأن فيه نحوا من تحسينه الموجب للتطريب وذلك من خلال رفع الصوت ومولاته بمعنى مده وترجيعه بنحو يكون أشبه بألحان الموسيقى ويناسب لذة الاستماع وهذا يوجب سعة كبيرة في مفهوم الغناء كما يتضح ذلك في ما يلي :

    1. الخليل الفراهيدي : الغناء ، ممدود ، في الصوت . و غنى يغني أغنية و غناء.[1]

    2. ابن منظور فقد ذكر أن (الغِناءُ من الصَّوتِ : ما طُرِّبَ به ..)[2]

وقال ايضا : (...وقال ابن سيده : وعندي أَنَّ الغَزَل والمَدْحَ والهِجاءَ إِنما يقال في كلِّ واحدٍ منها غَنَّيْت وتَغَنَّيت بعد أَن يُلَحَّن فيُغنَّى به...) [3]

وقال ابن منظور ايضا : (...وقال أَبو العباس : الذي حَصَّلْناه من حُفَّاظ اللغة في قوله ، صلى الله عليه وسلم : كأَذَنِه لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ ، أَنه على مَعْنَيَيْنِ : على الاستغناء ، وعلى التَّطْرِيبِ ؛ قال الأَزهري : فمن ذهَب به إلى الاستغناء فهو من الغِنى ، مقصورٌ ، ومن ذهب به إلى التَّطْرِيبِ فهو من الغِناء الصَّوْتِ ، ممدودٌ . الأَصمعي في المقصور والممدود : الغِنى من المال مقصورٌ ، ومن السِّماعِ ممدود ، وكلُّ مَنْ رَفَع صوتَه ووَالاه فصَوْتُه عند العرب غِناءٌ . والغَناءُ ، بالفتح : النَّفْعُ . والغِناء ، بالكسر : من السَّماع . والغِنَى ، مقصورٌ : اليَسارُ .[4] (

    3. الزبيدي ذكر أن (الغِناءُ ، ككِساءٍ ؛ من الصَّوْتِ : ما طُرِّبَ به وفي الصِّحاح : الغِناءُ ، بالكسْرِ ، من السماعِ . وفي النِّهايةِ : هو رَفْعُ الصَّوْتِ وموالاته) .[5]

    4. الفيروز آبادي (والغناء ككساء من الصوت : ما طرب به) [6]

    5. الشيخ الطريحي: (والغناء ككساء : الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أو ما يسمى بالعرف غناء وإن لم يطرب ، وقيل : وفعله للمرأة في الأعراس مع عدم الباطل [ مباح ] . وفي الحديث : جوار يتغنين ويضربن بالعود أي يستعملن الغناء وضرب العود).[7]

    6. العسكري : (غنى يغني غنى ، واستغنى طلب الغنى ، ثم كثر حتى أستعمل بمعنى غنى ، والغناء ممدودا من الصوت لإمتاعه النفس كإمتاع الغنى) .[8]

و عليه فيتسع معنى الغناء عرفا ليشمل كثيرا مما يعلم خروجه عنه مثل الاذان و ينطبق على ادنى تحسين للصوت فيه مد وهو مما لا يحتمل البناء على حرمته لشيوعه جدا بين الناس حتى المتشرعة منهم دون نكير ولهذا نجد السيد الخوئي ره قد قال عرّفوا الغناء بتعاريف مختلفة إلاّ أنّها ليست تعاريف حقيقية ، لعدم الاطّراد والانعكاس ، بل هي بين إفراط وتفريط ، فقد عرّفه في المصباح بأنّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، وعلى قوله هذا يخرج أكثر أفراد الغناء ممّا لم يحتو على القيدين المذكورين ، فإنّ من أظهر أفراده الألحان التي يستعملها أهل الفسوق ، وهي لا توجب الطرب إلاّ أحياناً ، ولذا التجأ الطريحي في المجمع وبعض آخر في غيره إلى توسعة التعريف المذكور بقولهم : أو ما يسمّى في العرف غناء . نعم قد يحصل الطرب لحسن الصوت وإن لم يشتمل على ترجيع . وعرّفه آخرون بأنّه مجرّد مدّ الصوت ، أو رفعه مع الترجيع أو بدونه ، وبأنّه تحسين الصوت فقط ، أو ترجيعه كذلك .

ويلزم من هذه التعاريف أن يدخل في الغناء ما ليس من أفراده قطعاً ، كرفع الصوت لنداء أحد من البعيد ، ورفع الصوت أو تحسينه لقراءة القرآن والمراثي والمدائح والخطب ، بل التكلّم العنيف ، مع أنّ الشارع قد ندب إلى قراءة القرآن بصوت حسن ، وبألحان العرب ، بل في بعضها « كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) أحسن الناس صوتاً بالقرآن » وفي بعضها : أنّه « كان يقرأ القرآن فربما مرّ به المار فصعق من حسن صوته » وفي بعضها : « ورجّع بالقرآن صوتك ، فإنّ الله تعالى يحبّ الصوت الحسن يرجع به ترجيعاً » فإنّ جميع هذه الأفراد ممّا يصدق عليه الغناء على التفاسير المذكورة ، وهي ليست منه قطعاً .

وأيضاً ثبت في الشريعة المقدّسة استحباب رفع الصوت بالأذان ، ولم يتوهّم أحد أنّه غناء . وقد ورد أنّه « ما بعث الله نبيّاً إلاّ حسن الصوت » ومن الواضح جدّاً أنّ حسن الصوت لا يعلم إلاّ بالمدّ والرفع والترجيع .

وقد دلّت السيرة القطعية المتّصلة إلى زمان المعصوم ( عليه السلام ) على جواز رفع الصوت بقراءة المراثي، بل ورد الحثّ على قراءة الرثاء للأئمّة وأولادهم ، ودلّت الروايات على مدح بعض الراثين كدعبل وغيره ، فلو كان مجرد رفع الصوت غناء لما جاز ذلك كلّه . وتوهّم خروج جميع المذكورات بالتخصيص تكلّف في تكلّف .[9]


[1] العين، الفراهيدي، الخليل بن احمد، ج4 ص450.
[2] لسان العرب، ابن منظور، ج15 ص139.
[3] لسان العرب، ابن منظور، ج15 ص140.
[4] لسان العرب، ابن منظور، ج15 ص136.
[5] تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي، ج20 ص29.
[6] الفيروز ابادي، مجدد الدين، ج4 ص372 القاموس المحيط، .
[7] مجمع البحرين، الطريحي، الشيخ فخر الدين، ج3 ص335.
[8] الفروق اللغوية، العسكري، ابو هلال، ص159 .
[9] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد ابو القاسم، ج1 ص484 .