الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الفقه

38/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الطائفة الخامسة : ما دل على التربط بين الغناء والنفاق

3_ ما رواه الصدوق رضوان الله تعالى عله في الخصال قال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن مهران بن محمد ، عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر .[1]

والسند لا غبار عليه ولا تخفى وثاقة رجاله الا في الحسن بن هارون لم يرد في حقه توثيق فإن كانت رواية ابن أبي عمير عنه ولو بالواسطة تكفي لإثبات وثاقته تمت حجية الرواية , بل تمت عامة الروايات الاخرى عنه من جهته, والا فلا .

اذن هو رهين بما يستفاد من عبارة الشيخ في شأنه فقد قال ره: ( وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا ، نظر في حال المرسل ، فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم ) [2] .

والظاهر من كلمة المرسل والمسند المباشرة فقط , أو على الاقل هو القدر المتيقن, ولكن المستفاد من المقارنة بين الخبرين الذين يكون احدهما مسندا والآخر مرسلا أن المناط ليس في الإسناد أو الإرسال المباشر, بل في كون الخبر بمجموعه مرسلا او مسندا استنادا الى حال بعض الرواة ودرجة دقتهم وتثبتهم في عدم النقل عمن لا يوثق به وذلك أمر لا تختلف فيه المباشرة عن الواسطة .

وعليه فالرواية بل كل نظائرها حجة ظاهرا .

وأما دلالة الرواية فهي ليست واضحة في الحرمة فالنفاق وان كان من أقبح الحالات وأشنعها الا أنه لا يمكن البناء على حرمة ما يورثه فكما وردت النصوص لتشير الى أن اكل الطين والضرب بالعيدان يورث النفاق أو ينبته فكذا وردت النصوص في أن الجماع على سقوف البنيان يورث النفاق والرياء والبدعة , وكذا أن حب الجاه والمال ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل .

نعم الرواية تصلح لبيان المفسدة العظيمة المترتبة على الغناء وتنبه الى أن الغناء بما له من تأثير في النفوس يوجب نشاط دواعي الهوى وخمول التعقل فإنه يقود الشخصية للنفاق ولو بحده الأدنى وهو عدم العمل بما يؤمن به الناشئ من ضعف الارادة وقلة الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية وما يعقبه ذلك من الفصام بين السلوك والمبادئ .

فكأن الغناء مضاد للتفكر والتدبر الذين ينميان التعقل ويكرسان الثبات والاستقامة .

هذا ان كان المراد من النفاق هو النفاق العملي, أما إن كان المراد منه النفاق الإيماني فالأمر أعظم وأخطر فيدل على المبغوضية بشكل آكد ويكون أكثر مناسبة للحرمة ولكن لا يمكن الجزم بظهوره في ذلك .

فتحصل من هذه الطائفة انها مناسبة للحرمة غير صالحة لوحدها لإثباتها .

الطائفة السادسة : في ما دل على ترتب الآثار الوضعية الوخيمة على الغناء

وفيه عدة روايات :

1ـ ما رواه الكليني رحمه الله في الكافي عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد عن زيد الشحام قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخله الملك .[3]

السند رفيع فرجاله كلهم من الثقات فلو نظرنا الى ابراهيم بن ابي البلاد نجد ان النجاشي رحمه الله يقول فيه : " اسم أبي البلاد يحيى بن سليم ، وقيل ابن سليمان مولى بني عبد الله بن غطفان ، يكنى أبا يحيى كان ثقة قارئا أديبا .."[4]

ودلالة الرواية ظاهرة في ترتب الأضرار الوخيمة على الغناء في عاجل الدنيا وقد لا يصلح كل منها لوحده لإثبات الحرمة ولكن اجتماعها مشعر بها,وان لم تكن صريحة فيها فإنه يندر جدا اجتماع آثار كهذه في أمر جائز .

ولو حصل لأقتضى ان يكون الدليل على الجواز واضحا معارضا لدلالته على الحرمة .

2_ ما رواه في الكافي مباشرة عن سهل ، عن إبراهيم بن محمد المديني ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل عن الغناء وأنا حاضر فقال : لا تدخلوا بيوتا الله معرض عن أهلها .[5]

والسند ضعيف جدا بالمدائني والارسال اضافة الى سهل , وأما رواية الكليني عن سهل مباشرة فهي ممكنة كما تقدم تحقيق ذلك .

ودلالتها لا تناسب الحرمة فالإعراض لا يفيد اللزوم بل يفيد المبغوضية كما سيأتي قريبا

3_ ما رواه الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ جَهْمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّه ع أَنَّى كُنْتَ فَظَنَنْتُ أَنَّه قَدْ عَرَفَ الْمَوْضِعَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي كُنْتُ مَرَرْتُ بِفُلَانٍ فَاحْتَبَسَنِي فَدَخَلْتُ إِلَى دَارِه ونَظَرْتُ إِلَى جَوَارِيه فَقَالَ لِي ذَلِكَ مَجْلِسٌ لَا يَنْظُرُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَى أَهْلِه أَمِنْتَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَلَى أَهْلِكَ ومَالِكَ [6] .

فأما سندها فمشكل من جهة محمد بن سنان وجهم بن حميد واذا كان في محمد وجه لقبول روايته قد مر فإن جهما يمكن تقريب اعتباره بما رواه الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ جَهْمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّه ع أمَا تَغْشَى سُلْطَانَ هَؤُلَاءِ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ ولِمَ قُلْتُ فِرَاراً بِدِينِي قَالَ فَعَزَمْتَ عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لِي الآنَ سَلِمَ لَكَ دِينُكَ [7]

وليس ذلك من جهة ما تضمنته الرواية من ثناء عليه و دلالة على عدالته فإن ذلك لا يستقيم ما دام هو الراوي , بل من جهة رواية ابن ابي عمير عنه ولو مع الواسطة فيندرج في الثقات بناء على ما تقدم قريبا تحقيقه فراجع .

فالسند معتبر .

وأما الدلالة فتحتاج الى إثبات عنصرين :

احدهما : أن موضوعها الغناء مع عدم التصريح فيها بذلك وذلك لما ذكره الحر في حاشية الوسائل بقوله: (هذا لا تصريح فيه بالغناء ، لكن فهم الكليني منه ذلك فأورده في باب الغناء ، وقرينته أنه لا وجه للتهديد لولاه ، لأن النظر إلى الجواري بإذن سيدهن جائز ، وقد أذن للراوي فيها)[8] .

وليس بتام فإن فرض إذن مالك الجواري بالنظر اليهن غير واضح إذ قد يكون المالك مستهترا بالشرع وليس قاصدا للإذن بالنظر الى الجواري وانما حصل ذلك اتفاقا أو تسامحا منهن أو من مولاهن , نعم احتماله قريب جدا من الظن ويؤيده أن جهما كان محرجا من التصريح بكل ما حدث لإمامه عليه السلام فلعله كنى عن الغناء بالنظر الى الجواري . ولكنه ظن لم تقم عليه حجة عرفية أو شرعية .

ثانيهما : الحرمة كما ذهب اليه بعض الفقهاء منهم السيد الكلبايكاني ره [9] , ولكنه ليس تاما فان الظاهر منها هو المبغوضية فحسب من خلال ملاحظة نظائره فقد روى عبد الله بن جعفر في ( قرب الإسناد ) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي ( عليه السلام ) قال الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم والالتفات في الصلاة فان الله مقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا التفت قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدم عمن تلتفت ثلاثة فإذا التفت الرابعة أعرض الله عنه[10] . وروى النعمان المغربي في دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه أنه قال : إذا أحرم العبد المسلم في صلاته أقبل الله عليه بوجهه ووكل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا ، فإذا أعرض أعرض الله عنه ووكله إلى الملك [11] ورواه الشيخ في أماليه الا أنه قال في آخره ( ووكله الى ملائكته )[12] .

وروى ابن شعبة الحراني عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من أكل ما يشتهي ، ولبس ما يشتهي وركب ما يشتهي ، لم ينظر الله إليه حتى ينزع أو يترك [13] .

وعن الصادق عليه السلام من ترك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام لم ينظر الله تعالى إليه ، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون عليهم السلام ، إن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من كل الأئمة ، وله مثل ثواب أعمالهم ، وعلى قدر أعمالهم فضلوا [14] . وإن كانت الرواية الأخيرة قد تدل على الحرمة لكنها ووجود نظائر لها تناسب كون التعبير مستعملا في مورد الحرمة لا يكشف عن أن مفادها الحرمة فالمبغوضية أعم من الحرمة والكراهة وشيوع استعمالها في موارد الكراهة يقوي جدا ما ذكرناه .

 


[1] الخصال، الصدوق، ص24.
[2] العدة، الطوسي، ج1 ص154.
[3] الكافي، الكليني، ج6 ص433.
[4] رجال النجاشي ص22.
[5] الكافي، الكليني، ج6 ص434.
[6] الكافي، الكليني، ج6 ص434.
[7] الكافي، الكليني، ج5 ص108.
[8] وسائل الشيعة الى تحصيل احكام الشريعة، الحر العاملي، ج17 ص317.
[9] كتاب الشهادات، الكلبايكاني، ص93.
[10] قرب الاسناد، الحميري، ص150.
[11] دعائم الإسلام، القاضي المغربي، ج1 ص136.
[12] الأمالي، الطوسي، ص693.
[13] تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص38.
[14] خصائص الأئمة، الرضي، ص40.