الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

37/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجیة الظهور
قلنا ان الحجیة الذاتیة للظهور ان کانت ثابتة فهی بالرغم من انها معلقة علی عدم الردع عنها شرعا لاننا قلنا ان حجیة الظهور قابلة للردع فاذا لم یردع الشارع عنها فهی ثابتة و اذا ردع عنها فهی زائلة و قد یقال انها مردوعة عنها من خلال الآیات الناهیة عن الظن او من لسان دلیل البراءة او الاحتیاط
و لکن الواقع ان شیئا من هذین اللسانین لا یمکن ان یکون رادعا من حجیة الظهور
اما لسان الآیات الناهیة عن الظن فقد ذکرنا بالامس عدم صلاحیتها للردع
و اما فی تقریب عدم صلاحیة لسان دلیل البراءة  للردع یوجد بیانان:
البیان الاول:
عبارة عن دعوی التوسعة فی جانب المعلوم و متعلق العلم فی قوله رفع ما لا یعلمون فدلیل البراءة دل علی رفع مالایعلم و متعلق العلم یمکن ان یکون عبارة عن الحکم الالزامی فاذا لم نعلم بوجوب صلاة الظهر فهذا الوجوب رفع عنا ظاهرا فاذا لم نعلم بحرمة لحم الارنب فهذه الحرمة مرتفع عنا ظاهرا و هکذا
ففی هذه الحالة یصلح دلیل البراءة للردع عن حجیة الظهور لانه لو کان ظاهر کلام المولی وجوب صلاة الجمعة فهذا الظهور لم یفدنا العلم رغم ان کلام المولی ظاهر فی الوجوب کما فی قوله تعالی فاسعوا الی ذکر الله فنحن لازلنا غیر عالمین بوجوب صلاة الجمعة واقعا و حدیث الرفع یدل علی رفع الحکم الالزامی غیر المعلوم فالوجوب مرفوع بدلیل البراءة
فالحکم الالزامی غیر المعلوم مرفوع
و اما اذا قلنا بان المعلوم و متعلق العلم فی حدیث الرفع لیس هو خصوص الحکم الالزامی بل الخطاب الالزامی الذی لا یعلم فبناء علی هذا لا یصلح دلیل البراءة للردع عن حجیة الظهور لانه عندما جاءت الآیة فهو خطاب مولوی الزامی و هذا الخطاب نعلمه و ان لم نعلم باصل وجوب صلاة الجمعة لکن هذا لا یمنع من العلم بالخطاب الالزامی الموجود فی الکتاب الشریف
فلا یصلح حدیث الرفع علی هذا للردع عن الحجیة الذاتیة
فالدعوی الاولی مبنیة علی التوسعة فی جانب المعلوم و متعلق العلم و هذه الدعوی قریبة جدا
البیان الثانی:
عبارة عن دعوی التوسعة فی جانب العلم بان یقال ان الغایة المجعولة فی حدیث الرفع هو العلم فنهایة عمر البراءة حصول العلم بالحکم الشرعی و لکن یدعی التوسعة فی جانب العلم و یقال ان المراد لیس هو العلم بنفسه و بما هو هو
بل العلم جعل غایة بما هو حجة فکما اذا حصل العلم ینتهی عمر البراءة فکذلک اذا قامت الحجة ینتهی عمر البراءة فالعلم بما هو ابرز مصادیق الحجة جعل غایة فی حدیث الرفع لا بما هو علم
و من الواضح ان الظهور حجة و هو قائم علی وجوب صلاة الجمعة و هذا الظهور یقوم مقام العلم فکما اذا حصل العلم بوجوب صلاة الجمعة لا تجری البراءة فکذلک اذا وجد الدلیل الظاهر فی وجوب صلاة الجمعة فلا تجری البراءة عن وجوب صلاة الجمعة لانه حصلت الغایة
هذان بیانان لاثبات ان لسان البراءة لا یصلح للردع
هذا غایة ما یمکن ان یقال فی توجیه دعوی ثبوت الحجیة الذاتیة للظهور
التحقیق فی المقام:
و الآن یجب ان نبدی راینا فی هذا الموضوع: الواقع هو ان هذه الحجیة الذاتیة لا یمکن البرهنة و الاستدلال علیها لان مرجع هذه الحجیة الذاتیة الی دعوی ان حق المولویة الثابت للمولی علینا بنفسه یقتضی ان نعمل بظاهر کلام المولی فکما ان حق المولویة یقتضی ان نعمل بالعلم بالحکم فکذلک یتقضی ان نعمل بظاهر کلام المولی
فکل عبد عمل بظاهر کلام المولی فهو مخلص فی عبودیته و من الواضح ان اصل حق الطاعة و المولویة الثابت للمولی علینا و کذلک حدوده و سعة دائرة او ضیق هذا الحد من مدرکات الوجدان و لیس مما یبرهن و یستدل علیه و المسالة لیست برهانیة و انما هی وجدانیة و دعوی الحجیة الذاتیة للظهور غیرواضحة لنا بموجب مدرَکات العقل العملی فهی دعوی  تبقی عهدتها علی مدعیها
هذا تمام الکلام فی المرحلة الاولی فقد قلنا ان الکلام یقع فی مرحلتین و المرحلة الاولی هی ان الحجیة ذاتیة او غیرذاتیة و اتضح انه لا دلیل علی ان الحجیة الثابتة للظهور حجیة ذاتیة و لیست حجیة الظهور مثل القطع
فحق المولویة لا یتطلب ان نعمل بظاهر کلام المولی و ان یتطلب ان نعمل بالقطع لان حجیة القطع لا یحتاج الی التعبد من قبل المولی و من شوون مولویة المولی الذی سبق ان حکم العقل بوجوب اطاعته و لکن لیس الظهور مثل القطع
فبالنتیجة لم تثبت الحجیة الذاتیة للظهور
المرحلة الثانیة:
بعد عدم ثبوت الحجیة الذاتیة للظهور فهل هو حجة تعبدا؟
و فی هذه المرحلة نقول انه لا ینبغی الاشکال فی حجیة الظهور التعبدیة و لم یشکل احد فی ذلک و لا یوجد خلاف بین الاصولیین فی ذلک
نعم هناک خلاف فی انه ما هو حقیقة هذا العمل الذی یقوم به الشارع عندما یمنح الحجیة التعدیة لشیء من الاشیاء –ایا کان- ؟ فهل یجعل حکما من الاحکام او انه یخبر عن شیء
و هذه النقطة محل الخلاف بین المشهور و السید الشهید حیث ان المشهور یقول بان التصرف من قبل الشارع تصرف بنحو جعل الحکم الشرعی کجعل الطریقیة و العلمیة علی نحو المجاز العقلی -کما یقوله المیرزا  و یقول باستحالة جعل الحجیة- او جعل الحجیة التی هی حکم وضعی و یکون بمعنی جعل المنجزیة و المعذریة کما ذهب الیه الآخوند الخراسانی او جعل الحکم التکلیفی المماثل الذی قاله المحقق الاصفهانی علی ما اتذکر
و اما السید الشهید یقول ان الشارع لا یجعل حکما بل انما یخبر عن شدة اهتمامه بغرضه الواقعی -علی فرض ثبوته- فی ظرف الشک ای یخبر ان الشارع لا یرضی بالترک و الفوت حتی فی فرض الشک –علی فرض ثبوت الحکم- و هذا الاخبار ینجز الوجوب علی المکلف عقلا لان العقل یحکم بان المولی اذا اخبر العبد بانه مهتم بغرضه فی ظرف الشک فلا یجوز للعبد ان یتسامح فهذا الاخبار منجِّز عقلا
و للبحث صلة تاتی ان شاءالله