الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

37/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مفاد اخبار من بلغ

کان الکلام فی المقطع الثانی من الکلام المنقول من المحقق العراقی حیث قال انه لو بنینا من الاحتمال الثانی من الاحتمالات السابقة و قلنا ان مفادها هو جعل الاستحباب الواقعی للعمل بعنوانه الثانوی فلا یجوز للفقیه ان یفتی بالاستحباب للعامی لان العامی لم یطلع علی هذه الروایة الضعیفة الدالة علی استحباب هذا العمل فلا یکون العمل مستحبا له لان الروایات دلت علی استحباب العمل لمن بلغه الثواب علی العمل فلیس الاستحباب ثابتا فی حق العامی فلا یجوز للمجتهد ان یفتی بالاستحباب فی حق العامی فافتاء المجتهد بالاستحباب کذب

و قلنا ان هذا صحیح و فی الحقیقة اشکال علی کل من یقول بهذا المبنی

جواب المحقق الخویی علی الاشکال:

هناک جواب للسید الخویی علی هذا الاشکال و هو ان هذا الافتاء لا اشکال فیه لان العامی اما ان لا یصله هذا الافتاء او یصله

فاذا لم یصله لم یهمه هذا الافتاء و اذا وصله الافتاء یتحقق شرط الاستحباب الواقعی و هو البلوغ بنفس وصول الفتوی و بحصول البلوغ یصیر هذا الافتاء صحیحا بالنسبة الی العامی لان العمل صار مستحبا فی حق العامی

هذا الکلام لا یمکن الموافقة علیه و ذلک لانه یرد علیه

اولا: ان الشخص الذی یصله هذا الافتاء و ان کان یحصل البلوغ بالنسبة الیه و بالتالی یصبح هذا الافتاء صادقا بالنسبة الیه لکن محذور الکذب لم یرتفع لان هذا الافتاء من المجتهد له معنی و معناه ان المفتی یخبره بان العمل مستحب حتی بالنسبة الی الذی لم یبلغه الفتوی

فالافتاء یکون بمعنی استحباب العمل للآخرین الذین لم یصلهم هذا الافتاء و هذا کذب بلحاظ الآخرین و ان لم یکن کذبا بلحاظ هذا الذی وصله هذا الافتاء

الاشکال الثانی:

و ثانیا: حتی لو غضضنا النظر عن هذا -و قلنا ان الافتاء لیس بهذا المعنی الذی ذکرتموه فی الاشکال الاول، لان المفتی لم یخبر العامی باستحباب العمل بالنسبة الی الآخرین بل انما اخبره باستحباب العمل و هذا لیس کذبا لان الاستحباب ثابت للعامی فلا یوجد هناک محذور الکذب، غایة الامر یوجد محذور الاغراء بالجهل لان العامی عندما یصله هذا الافتاء یتخیل ان العمل مستحب للآخرین بینما لیس هو کذلک و لیس العمل مستحبا للآخرین لانه ما دلت الروایة الصحیحه علی استحبابه و اخبار من بلغ ما دلت علی حجیة الروایة الضعیفة بل دلت علی استحباب العمل لمن بلغه هذا الافتاء- فمع ذلک لا یصح ما افاده السید الخویی لاننا فی المقام انما نتکلم بناء علی ان المختار فی مفاد اخبار من بلغ هو الاحتمال الثانی یعنی جعل الاستحباب الواقعی للعمل بعنوانه الثانوی و حینئذ نقول انه یوجد فی المقام استحبابان و یجب ان لا نخلط بینهما

احدهما استحباب ثابت و هو الاستحباب النفسی الواقعی الذی دلت علیه اخبار من بلغ و هو استحباب العمل الذی بلغ استحبابه

و هناک استحباب ثان محتمل و هو استحباب المنقول بموجب الخبر الضعیف و الذی دلت علیه الروایة الضعیفة و هذا الاستحباب محتمل بموجب احتمال صدق الروایة الضعیفة

و بلوغ هذا الاستحباب الثانی هو موضوع الاستحباب الاول

حینئذ نقول ان المفتی الذی یفتی بالاستحباب تارة یفترض انه یفتی بالاستحباب التعلیقی بنحو القضیة الشرطیة ای یقول ان کل من بلغه استحباب هذا العمل یصیر العمل مستحبا بشانه فاذا افتی بهذا النحو فمن الواضح ان هذه القضیة الشرطیة لا تنفع العامی لان القضیة الشرطیة لا تحقق شرطها کما قرانا فی المنطق لان صدق القضیة الشرطیة لیس بمعنی صدق طرفیها بل تدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء

و العامی لا یستفید من هذه القضیة الشرطیة لانه لا یعلم ببلوغ الاستحباب

اللهم اذا فرض ان العامی یعرف من حال المفتی انه یتکلم بنحو القضیة الشرطیة و مقصوده الاخبار بتحقق شرط القضیة الشرطیة لکن المفتی عادة یفتی بالقضیة الشرطیة و لا یستفاد انه یخبر باستحباب هذا العمل

و اخری یفرض ان المفتی یفتی بالاستحباب الفعلی لا الاستحباب التعلیقی و بنحو القضیة الشرطیة و یقول ان هذا العمل مستحب و هنا تارة یکون هذا الافتاء افتاء بالاستحباب الذی دل علیه الخبر الضعیف یعنی الاستحباب الثانی من الاستحبابین الذین ذکرناهما و هو استحباب العمل بعنوانه الاولی و هذا غیرجائز لانه کذب فان الفروض ان استحباب العمل بعنوانه الاولی لم یثبت لانه لم تدل اخبار من بلغ علی حجیة هذا الخبر الضعیف فکیف یفتی المفتی باستحباب لم تقم علیه حجة

و اما اذا فرضنا انه یفتی بالاستحباب الاول و هو الاستحباب الثابت الذی دلت علیه اخبار من بلغ و هو الاستحباب للعمل بعنوانه الثانوی فحینئذ نسال السید الخویی

ما ذا تقصدون بقولکم ان هذا الافتاء بنفس وصوله الی العامی یوجب بلوغ الاستحباب للعامی و تترتب علی هذا البلوغ صحة هذا الافتاء و یتحقق الاستحباب و یثبت فی حق العامی

هل تقصدون انه یحصل بلوغ نفس هذا الاستحباب للعامی؟ فیثبت هذا الاستحباب بشان العامی

ام ان المقصود هو انه بوصول هذا الافتاء یحصل بلوغ ذاک الاستحباب الآخر للعامی الذی دل علیه الخبر الضعیف؟

دراسة قول المحقق الخویی:

فان قصدتم الاول و هو انه بوصول هذا الافتاء للعامی یحصل بلوغ نفس هذا الاستحباب للعامی فمعناه اثبات شخص الحکم بوصوله و هذا مستحیل فانه محال ان یکون الحکم –ای حکم- ثابتا بنفس وصوله فان اخذ العلم بالحکم فی ثبوت الحکم محال مثل ان یکون العلم بوجوب الحج شرطا فی وجوب الحج فهذا حرام لانه یستلزم الدور

و هنا لا یمکن ان یکون نفس وصول هذا الاستحباب شرطا فی ثبوت هذا الاستحباب لان العلم بالحکم لایمکن ان یکون شرطا فی الحکم

هذا ان قصدتم الاول

و ان قصدتم الثانی و هو انه بوصول هذا الافتاء یحصل بلوغ ذاک الاستحباب الثانی الذی دل علیه الخبر الضعیف فیتحقق موضوع الاستحباب الاول فالعامی یری ان المفتی لا یفتی بدون وجود روایة تدل علی الاستحباب؛ فحینئذ یرد علیه ان المکلف من این عرف ان مدرک المجتهد هو الخبر لانه یمکن ان یکون مدرک المفتی هی الشهرة الفتوائیة او یکون المدرک هو الظن بالاستحباب من باب حجیة مطلق الظن بناء علی الانسداد

هذا تمام الکلام فی الامر الخامس و قد اتضح ان اخبار من بلغ لا تجوّز للفقیه ان یفتی بالاستحباب علی کل المبانی و بهذا تم الکلام عن قاعدة التسامح و قد اتضح اننا لا نقول بالتسامح فی ادلة السنن و نقول باشتراط توفر شرائط الحجیة فیها

و اصبحت اخبار من بلغ عندنا مجملة بین الاحتمال الثانی و الثالث و مع اجمالها لا یمکن اثبات المستحبات بالخبر الضعیف

و بهذا انتهینا من الجهة التاسعة من جهات البحث فی المرحلة الثانیة و بذلک تم الکلام عن المرحلة الثانیة من مرحلتی البحث عن حجیة خبر الواحد

و بما اننا انتهینا من اثبات الححیة للخبر الثقة فلا نری بعد هذا داعیا الی البحث عن دلیل الانسداد الذی یستدل به عادة لاثبات حجیة مطلق الظن لان هذا الدلیل من جملة مقدماته فرض و تقدیر عدم تمامیة الدلیل علی الحجة و انسداد باب العلم و العلمی فاذا انهارت مقدمات دلیل الانسداد فلا داعی للدخول فی البحث عن حجیة مطلق الظن فی الاحکام الشرعیة

هذا تمام الکلام فی البحث الثالث من بحوث الفصل الاول من فصلی علم الاصول