الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

37/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مفاد اخبار من بلغ

کنا نتکلم فی الاعتراض الثالث من الاعتراضات التی اوردها السید الشهید علی کلام السید الخویی و هذا الاعتراض کان حاصله ان التفصیل الذی ذکره السید الخویی فی غیر محله فانه فصل بین صورتین: صورة کون الاستحباب و الکراهة کلیهما او احدهما تعبدیا فحینئذ قال انه یقع التزاحم لا التعارض و بین صورة کونهما توصلیین فانه یقع هناک التعارض، فهذا التفصیل لا نوافقه جملة و تفصیلا فانه یقع التعارض دائما لا التزاحم سواء کان احدهما تعبدیا او کلاهما توصلیین او کلاهما تعبدیین و ذلک لانه لو اردنا ان نقول بانه یقع التزاحم بین المستحب الاول و هو ترک صوم یوم عاشوراء باعتبار دلالة خبر ضعیف علی استحباب ترکه و المستحب الثانی و هو صوم یوم عاشوراء باعتبار دلالة خبر ضعیف علی استحباب صومه فحینئذ نفرض ان احدهما تعبدی و الآخر توصلی و السید الخویی قال انه یقع التزاحم و نحن نقول هذان المستحبان اما ان تفرضوهما مترتبین یعنی هذا مستحب بشرط ترک الآخر او نفرض استحبابهما علی الاطلاق او نقول انه لا یوجد مستحبان بل یوجد مستحب واحد و هو استحباب الجامع بینهما و کل هذه الفروض باطلة فالتزاحم الذی تفکرون فیه بکل شقوقه باطل لان الفرض الاول باطل و شرحنا بطلانه بالامس و قلنا ان التزاحم لایعقل هنا باعتبار ان احدهما فعل و الآخر هو الترک و الفرض الثانی ابطلناه و بقی الفرض الثالث و هو ان نقول انه لا یوجد مستحبان بل یوجد مستحب واحد و هو استحباب الجامع بین الفعل و الترک لا خصوص الفعل و خصوص الترک

بطلان الفرض الثالث:

هذا الفرض ایضا باطل و ذلک لانه یرد علیه

الاشکال الاول:

اولا: ان مقتضی اخبار من بلغ هو استحباب العمل الذی بلغنا استحبابه فالذی بلغنا استحبابه هو الفعل بخصوصه و الترک بخصوصه و لا یوجد خبر یدل علی استحباب الجامع بین الفعل و الترک و اخبار من بلغ تدل علی استحباب ما بلغنا الثواب علیه و بلغنا استحبابه و الجامع لم یبلغنا استحبابه

اذن فمتقضی اخبار من بلغ هو استحباب الفعل و الترک بخصوصهما لا الجامع بینهما و هذا سنخ ما یقال فی باب الواجبین المتزاحمین و یقال ان ارجاعهما الی واجبین مشروطین بان یکون کل منهما مشروطا بترک الآخر فوجوب الصلاة و انقاذ الغریق لو تزاحما یکون ارجاعهما الی واجبین مشروطین بان نقول ان الصلاة واجبة بشرط ترک انقاذ الغریق و انقاذ الغریق یجب بشرط ترک الصلاة و هذا امر علی مقتضی القاعدة لان وجوب الصلاة کسائر التکالیف مشروط بالقدرة فترک الانقاذ شرط لبی موجود مع الخطاب شئنا او ابینا فالخطاب مشروط بترک الانقاذ من باب ان التکلیف مشروط بالقدرة و کذلک العکس لانه فی حال الاشتغال بالصلاة لا توجد القدرة علی انقاذ الغریق

اما ارجاعهما الی الوجوب التخییری و وجوب الجامع علی خلاف القاعدة یحتاج الی دلیل لان القاعدة تقول ان خصوص الصلاة و خصوص انقاذ الغریق واجبان فارجاعهما الی الوجوب التخییری بحیث یکون الجامع واجبا و یکون المکلف مختارا بین الفردین، امر علی خلاف القاعدة

و فیما نحن فیه ایضا ارجاعهما الی استحباب الجامع یکون علی الخلاف القاعدة ای خلاف مقتضی اخبار من بلغ لان اخبار من بلغ تقول ان خصوص الفعل و الترک مستحب لا الجامع بینهما لانه لم یبلغنا الثواب علیه

الاشکال الثانی:

و ثانیا: انه لا یعقل استحباب الجامع بین الفعل و الترک لاننا قلنا ان التحریک المولوی مع فرض استحباب الفعل و الترک غیر معقول حتی لو لم یکونا توصلیین و کان احدهما او کلاهما تعبدیا فمع ذلک لا یعقل التخییر و یتعارضان

فمثلا اذا کان احدهما تعبدیا مثل صوم یوم عاشوراء و کان الآخر توصلیا مثل ترک صوم یوم عاشوراء فیقول السید الخویی باعتبار وجود شق ثالث یقع التزاحم لا التعارض.

نعم یعقل الشق الثالث و هو الصوم من دون قصد القربة لکنه عندما نقول انه یستحب الجامع بینهما فمعناه وجود التحریک المولوی نحو الجامع و نسال ان التحریک المولوی هل یدعونی الی الجامع فهذا باطل لان الجامع ضروری الوجود لان احد من الفعل و الترک صادر من الشخص لان احدهما صادر تکوینا و بالضرورة من المکلف و لا یمکن التقرب به الی المولی فالجامع صدوره ضروری و مع کونه ضروریا لا یمکن للداعی القربی ان یحرکنی نحو الجامع

او یدعونی الی الفعل بخصوصه او الترک بخصوصه و هو خلف لان الفرد بخصوصیته الفردیة لم یومر به و خارجان عن تحت الامر لاننا فرضنا تعلق الامر بالجامع و الفعل و الترک فردان للجامع فلم یتعلق الامر بالفرد حتی یاتی المکلف به بقصد القربة

اذن فلا یمکن للجامع ان یحرک نحو الجامع و الفرد

اعتراض السید الهاشمی:

و قد علق السید الهاشمی فی المقام علی کلام السید الشهید و قال: «و التحقيق ان يقال: ان هذا الإشكال بحسب الحقيقة ينحل إلى اعتراضين:

أحدهما- عدم تأتي قصد القربة و داعي الأمر حيث يقال: بان الأمر لا يعقل في المقام ان يكون داعيا لا إلى الجامع بينهما لأنه ضروري و لا إلى خصوص أحدهما لأنهما سيان بالنسبة للمولى.

و هذا الإشكال يمكن ان يجاب عليه: بان المراد بقصد القربة ليس هو الداعوية الفعلية بمعنى صدور الفعل خارجا بنية الأمر بالفعل بل تكفي الداعوية التقديرية أي ان تكون حالة المكلف بحيث لو لم يكن له مقتض و داع آخر للفعل لأقدم عليه أيضا من أجل المولى بدليل صحة العبادة في الموارد التي يكون للمكلف داع شخصي يوجب الإقدام على الفعل على كل حال، و هذه القضية الشرطية أي الداعوية التقديرية صادقة حتى إذا كان الجامع ضروريا فان المكلف المطيع للمولى يصدق في حقه انه يأتي بالجامع أو الفرد للمولى حتى إذا لم يكن ضروريا، نعم لو اشترط الداعوية الفعلية بحيث لولاها لما تحقق الفعل فهو غير ممكن في المقام لا بالنسبة إلى الإتيان بالجامع لكونه ضروريا و لا بالنسبة إلى الخصوصتين لأن نسبتها إلى المولى على حد واحد.

الثاني- لغوية الأمر حيث يقال: بأنه على تقدير ترك أحدهما يكون الآخر واجبا فلا يعقل الأمر بإيجاده. و هذا الإشكال انما يتجه إذا كانا معا توصليين، و اما إذا كان أحدهما تعبديا فلا لغوية في الأمر بهما بنحو الترتب لأن فائدته صرف المكلف عن الإتيان بالحصة غير القربية».[1]

اقول: بالامکان ان نناقش السید الهاشمی و نقول ان الداعویة التقدیریة و ان کانت کافیة فی صحة العباده بحیث لم یکن له داع شخصی للفعل لاقدم علی الفعل متقربا الی المولی و لاجل المولی و ان کان له غرض شخصی بالفعل لکن هذه الداعویة التقدیریة مختصة بالتقدیرات الممکنة مثل ما اذا لم یکن له غرض شخصی بالصوم لاتی بالصوم لاجل المولی و هذا الفرض تقدیر ممکن و لا استحالة فیه و هنا یصح ان نقول ان الداعویة علی تقدیر من هذا القبیل کافیة فی صحة العمل و اما فیما نحن فیه ان التقدیر مستحیل لان معناه ارتفاع نقیضین و معناه انه یمکن ان لا یکون الفعل و لا الترک فتقدیر عدم کون الجامع ضروریا یوجب ارتفاع النقیضین و یکون من الفروض المستحیلة و لا یمکن القول فیه بالداعویة التقدیریة و لا یمکن ان نقول ان المکلف یاتی بالفعل او الترک لاجل المولی حتی لولم یکن الجامع ضروریا و حتی لو ارتفع النقیضان و لعله حینئذ لا یاتی بالفعل و لا یاتی بالترک فهذا الکلام غیرصحیح فی مانحن‌فیه

بقی الاعتراض الرابع و هذا ما نذکره غدا ان شاء الله


[1] بحوث في علم الأصول (الهاشمي) ج‌5، ص135.