الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ثانياً: أَنَّهُ حَتَّىٰ لو سلّمنا بأن الْحُجِّيَّة معناها العلمية؛ فَإِنَّهُ مع ذلك لا تتمّ حكومة المفهوم عَلَىٰ التَّعْلِيل؛ وذلك لما ذكرناه في أدلة عدم حجّيّة خبر الواحد (عند البحث عن الاستدلال عَلَىٰ عدم الْحُجِّيَّة بالآيات الشريفة الناهية عن العمل بالظن) من أَن جعل العلمية والطريقية إِنَّمَا يكون حاكماً عَلَىٰ الأدلة الَّتِي تُثبِتُ حكماً مّا عَلَىٰ موضوع >عدم العلم< كحرمة إسناد ما لا علم به إِلَىٰ الشَّارِع، بينما الآيات الناهية عن العمل بالظن تنفي ابتداءً (عَلَىٰ حد تعبيرهم) العلمية والطريقية، فيقع التعارض لا محالة بينها وبين ما يُبت العلمية والطريقية، وكذلك نقول فيما نحن فيه: إِن عموم التَّعْلِيل يَنفي جعل العلمية والطريقية بينما المفهوم يُثبته، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فهما في عرض واحد ومتعارضان، ولا وجه لحكومة المفهوم عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل؛ إذ كما أَن إثبات الْحُجِّيَّة معناه جعل العلمية، كذلك نفيها معناها نفي العلمية. إذن، فنحن حَتَّىٰ لو سلّمنا أَن مفاد الْحُجِّيَّة هو جعل الخبر علماً، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مفاد المفهوم إثبات العلمية لخبر العادل، ومفاد التَّعْلِيل سلبها عنه، فكل منهما ينظر إِلَىٰ شيء واحد في رتبة واحدة، فلا حكومة لأحدهما عَلَىٰ الآخر؛ فَإِنَّ المفهوم إذا كان مفاده اعتبار خبر العادل علماً، فسوف يكون مفاد المنطوق نفي هذا الاعتبار عن خبر الفاسق، والتعليل ناظر إِلَىٰ توسعة دائرة هذا النفي وتعميمه عَلَىٰ كُلّ ما لا يكون علما، فَكَأَنَّ التَّعْلِيل يقول: إِن كُلّ ما لا يكون علماً وجداناً لا أعتبره علماً، وبذلك يكون مفاد التَّعْلِيل ومفاد المفهوم في رتبة واحدة، أحدهما يُبت اعتبار خبر العادل علماً، والآخر ينفي هذا الاعتبار، فلا موجب لحكومة أحدهما عَلَىٰ الآخر.
ثالثاً: إِن الآية الشريفة عَلَّلت وجوبَ التبيّن عند مجيء الفاسق بالنبأ بلزوم الاجتناب عن الإصابة بجهالة، وعَلَّلت لزومَ الاجتناب عن الإصابة بجهالة باحتمال الوقوع في الندم. فَالْعِلَّة الأصلية لوجوب التَّبَيُّن عبارة عن احتمال الندم، والمقصود بالندم إما هو الندم الحاصل عَلَىٰ ما فات من مصالح الواقع؛ باعتبار أَنَّهُ بعد تبين مخالفة خبر الفاسق إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه للواقع يحصل الندل للإنسان عَلَىٰ ما فاته من ملاك الواقع ومصلحته نتيجةَ العمل بخبره، وإما هو الندم الحاصل عَلَىٰ مخالفة الحكم الواقعي المولويّ بلا عذر شرعي؛ باعتبار أَن ذاك الحكم كان قد تَنَجَّز عَلَىٰ المكلف؛ لأَنَّ خبر الفاسق لم يكن حجةً شرعاً، فيحصل الندم له عَلَىٰ مخالفة الحكم الشرعي المتنجِّز الموجبة لاستحقاق العقاب.
فإن كان المقصود بالندم هو الأول (أَيْ: أَن علة وجوب التَّبَيُّن خوف الندم عَلَىٰ فوت مصلة الواقع وملاكه) فلا وجه للحكومة الَّتِي ادعاها المحقق النائيني في المقام (أَيْ: حكومة المفهوم عَلَىٰ التَّعْلِيل) حَتَّىٰ لو سلمنا بأن المفهوم يجعل >العلمية< لخبر العادل؛ لأَنَّ جعل العلمية والطريقية لخبر العادل لا يرفع احتمال الندم (بهذا المعنى) عند العمل بخبر العادل. نعم، جعل العلمية يرفع احتمالَ كون الإصابة حِينَئِذٍ إصابةً بجهالةٍ وخطأٍ وعدم علم؛ باعتبار أَنَّهُ يجعل خبر العادل علماً، فيرتفع احتمالُ الخطأ والجهالة في العمل بخبر العادل، إِلَّا أَن احتمال الخطأ هذا ملازم لاحتمال الندم تكويناً؛ فاحتمال الخطأ واحتمال الندم مَثلا زمان؛ لأَنَّ الندم لازم تكويني لانكشاف الخطأ، والشَّارِع قد نفى (تشريعاً وتعبّداً) احتمال الخطأ بجعل خبر العادل علماً، ولم يَنفِ احتمال الندم؛ لوضوح أَن نفي احتمال شيءٍ تشريعاً لا يُعدُّ نفياً تشريعياً لاحتمال ما يلازمه تكويناً. نعم، لو كان الندم أثراً ولازماً شرعياً لنقيض ما أخبر به العادل (أَيْ: للواقع المنكشف من خلال انكشاف خطأ خبر العادل) لكان جعل العلمية لخبر العادل ونفي احتمال الخطأ تشريعاً نفياً ورفعاً تشريعياً لاحتمال الندم، لكن ليس الأمر كذلك؛ لوضوح أَن الندم لازم تكويني لانكشاف الخطأ إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وليس لازماً شرعياً له. إذن، فني أحد الاحتمالين المتلازمين تَعَبُّداً بجعل العلمية والطريقية لا يعني نفي الاحتمال الآخر تَعَبُّداً؛ بداهةَ أَنَّهُ قد يُفرض أَن أحد الاحتمالين الَّذَين هما متلازمان تكويناً منفيّاً بجعل العلمية والطريقية، لكن الاحتمال الآخر لا مبرّر لافتراض عدمه ونفيه؛ لأَنَّ جعل العلمية والطريقية إِنَّمَا ثبت في قبال أحد الاحتمالين دون الاحتمال الآخر.
ولا يخفى أَن هذا الكلام يرجع بروحه إِلَىٰ إنكار حجّيّة مثبتات الأمارة ولوازمها بناءً عَلَىٰ مبنى جعل الْعِلْمِيَّة وَالطَّرِيقِيَّةِ. اللهم إِلَّا أَن يقال بناء عَلَىٰ هذا المبنى: إِنَّنَا إذا فهمنا من دليل حجّيّة الأمارة أَنَّها إِنَّمَا جُعلت علماً وطريقاً بما لها من كاشفية تكوينية، وكانت كاشفيتها عن الشَّيْء وعن ملازمه عَلَىٰ حد سواء. إذن، فجعل الْعِلْمِيَّة وَالطَّرِيقِيَّة يَتُمُّ بلحاظ كلا الأمرين المتلازمين؛ فخبر العادل كما هو كاشف عما أخبرَ به كذلك هو كاشف عن أَنَّهُ سوف لن يحصل الندم، فنكون عالِمين تَعَبُّداً بالمخبَر به وبعدم الندم، وَحِينَئِذٍ تتمّ حكومة المفهوم عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل كما ادعاها المحقق النائيني.
وأما إِن كان المقصود بالندم هو الثَّانِي (أَيْ: أَن علة وجوب التَّبَيُّن هو خوف الندم) الحاصل بعد تبين مخالفة خبر الفاسق للواقع عَلَىٰ مخالفة الحكم الواقعي المولويّ المتنجِّز الموجبة لاستحقاق العقاب (وبعبارة أخرى: خوف الندم لأجل العقاب) فأيضا لا تتم الحكومة الَّتِي ادعاها المحقق النائيني (أَيْ: حكومة المفهوم عَلَىٰ التَّعْلِيل)؛ إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وذلك لأنه حِينَئِذٍ سوف يكون المفهوم وارداً عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل لا حاكماً عليه؛ إذ أَنَّهُ بجعل الْحُجِّيَّة لخبر العادل ينتفي تكويناً موضوع التَّعْلِيل وهو احتمال الندم لأجل العقاب؛ ضرورةَ أَنَّهُ إذا كانت علة وجوب التَّبَيُّن في خبر الفاسق عبارة عن احتمال الوقوع في الندم بعد ذلك لأجل العقاب عَلَىٰ مخالفة الحكم المولويّ الواقعي بلا عذر شرعي فسوف ينتفي هذا الاحتمال تكويناً بجعل الْحُجِّيَّة لخبر العادل؛ لأَنَّ خبر العادل وإن خالف الحكم الواقعي المولويّ، إِلَّا أَن المكلف كان معذوراً شرعاً في مخالفته هذه؛ وذلك لحجية خبر العادل شَرْعاً، فلا يحتمل العقاب أَصلاً عَلَىٰ العمل بخبر العادل.
إذن، ففي هذا الفرض أَيْضاً لا يَتُمُّ جواب المحقق النائيني القائل بالحكومة كما عرفتَ. وللكلام صلة تأتي إِن شاء اللـه في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.