الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

والحاصل أَن مقام التَّعْلِيل مقام النَّظَر إِلَىٰ المعلَّل، فيكون فيه قَرِينِيَّة بملاك الحكومة والنظر وهي القرينية الشخصية، وهذه خصوصية أقوى من الأَخَصِّيَّة الَّتِي هي قَرِينِيَّة نوعية، فتتقدّم عليها في مقام اقتناص مراد المُتَكَلِّم.
وإن شئت قلت: نحن إِنَّمَا نقول في المقام بتقديم عموم التَّعْلِيل عَلَىٰ المفهوم بسبب أَن نكتة التَّعْلِيل توجب في نظر العرف الحكومة عَلَىٰ الجملة المعلَّلة وتوسّع دائرة وجوب التبيّن وحدوده، وأن هذه النكتة في نظهرهم مُقَدّمَة عَلَىٰ نكتة الأَخَصِّيَّة الموجبة لتقديم المفهوم الْخَاصّ عَلَىٰ التَّعْلِيل الْعَامّ. فَكَأَنَّ الْعِلَّةَ كما هي تحدّد المعلول وتشخّص حدوده ثبوتاً، كذلك هي بحسب نظر العرف تحدّد المعلول إِثْبَاتاً حَتَّىٰ لو كان في المعلول مقتضٍ لمفهوم أخصّ من عموم الْعِلَّة، فكما أَن الأَخَصِّيَّة توجب قَرِينِيَّة الْخَاصّ عَلَىٰ الْعَامّ، كذلك التَّعْلِيل يوجب قَرِينِيَّة جملة التَّعْلِيل عَلَىٰ جملة الحكم المعلَّل، والثانية مُقَدّمَة عرفاً عَلَىٰ الأولى.
ولو تنزّلنا عن تقديم نكتة التَّعْلِيل عَلَىٰ نكتة الأَخَصِّيَّة وفرضنا تساويهما عرفاً من حيث الأقوائية كفى ذلك في سقوط المفهوم، ولو بسبب التعارض مع هذا المانع الداخلي (أَيْ: أعني عموم التَّعْلِيل وتساقطهما)، فلا يكون للآية الشريفة ظهور فعليّ في المفهوم.
ثالثاً: أَن الْخَاصّ إِنَّمَا يتقدم عَلَىٰ نفس الْعَامّ (أَيْ: عَلَىٰ الكلام الَّذِي هو بصدد بيان حكم عَامّ وإثبات الحكم عَلَىٰ تمام الأفراد في عرض واحد، لا عَلَىٰ الكلام الَّذِي هو بصدد بيان تعميم الحكم وإلغاء خصوصية المورد)؛ فَإِنَّ هذا الكلام الَّذِي يكون ابتداءً في مقام بيان نفس التعميم سوف يضادّ الْخَاصّ الَّذِي هو في مقام بيان التخصيص، ويكون معارضاً له، لا أَن الْخَاصّ يُقدّم عليه. فمثلا لو ورد في الدَّلِيل: >لا تُكْرِم الفقيرَ الفاسقَ< وورد: >أكرم كُلّ فقير<، فلا إشكال في أَن الأول يقدّم عَلَىٰ الثَّانِي بالأَخَصِّيَّة؛ لأَنَّ مفاد الثاني هو إثبات حكم عَامّ وبيان أَنَّهُ يجب إكرام تمام أفراد الفقير في عرض واحد، فيكون الأول مُخرِجاً للفقير الفاسق عن تحت هذا الحكم الَّذِي أثبَتَه الثَّانِي لتمام أفراد الفقير. أما لو ورد: >لا تُكْرِم الفقيرَ الفاسقَ< وورد: >إِن ملاك وجوب الإكرام ليس هو العدالة، بل هو الفقر<، فلا إشكال حِينَئِذٍ في أَن الكلام الأول لا يقدّم عَلَىٰ الكلام الثَّانِي؛ لأَنَّ الكلام الثَّانِي ليس بصدد بيان حكم عَامّ وأنه يجب إكرام تمام أفراد الفقير كي يكون الكلام الأول مُخرِجاً للفقير الفاسق عن تحته، بل هو بصدد بيان تعميم وجوب الإكرام وأن كُلّ فقير يجب إكرامه ولو كان فاسقا، فيكون معارضاً للكلام الأول الدال عَلَىٰ عدم وجوب إكرام الفقير الفاسق.
والمقام من هذا القبيل، فلو كان يرد في كلامٍ مستقل النهي عن الأخذ بالخبر غير القطعي لكان مفهوم آية النبأ مقدّماً عليه بالأَخَصِّيَّة؛ لأَنَّ النهي عن الأخذ بالخبر غير القطعي إِنَّمَا هو في مقام بيان حكم عَامّ وهو عدم حجّيّة كُلّ خبر غير قطعي، فيكون مفهوم الآية الدال عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل غير القطعي مُخرِجاً له عن تحته، إِلَّا أَن ما نحن فيه ليس كذلك؛ فَإِنَّ الآية تَعَرَّضت أولاً لعدم حجّيّة خبر الفاسق، ثُمَّ عَلَّلت هذا الحكم بتعليلٍ عامٍ لا يختصّ بخبر الفاسق، والتعليل الْعَامّ هو بحسب الفهم العرفي تعميم للحكم المعلَّل وإسراء لوجوب التَّبَيُّن وعدم الْحُجِّيَّة إِلَىٰ كُلّ خبر وإن كان خبر العادل. فمفاده هو وجوب التَّبَيُّن في كُلّ خبر وإن كان خبر عادل، ومن الواضح أَن مثل هذا الكلام الَّذِي هو بصدد بيان نفس التعميم معارضٌ للكلام الَّذِي هو بصدد بيان التخصيص وعدم التعميم ومضادٌ له، لا أَن بيان التخصيص يقدّم عَلَىٰ بيان التعميم، بل يتعارضان.
والحاصل أَن عموم التَّعْلِيل في المقام مفاده العرفي هو تعميم وجوب التَّبَيُّن، وإلغاء خصوصية المورد (أَيْ: خبر الفاسق)، وبيان أَن السبب في وجوب التَّبَيُّن هو مخافة إصابة قومٍ بجهالة، ومثل هذا يقتضي عدم حجّيّة خبر العادل غير العلمي، وَحِينَئِذٍ يكون معارضاً للمفهوم الَّذِي يقتضي حجيته، ولا يكون المفهوم مخصِّصاً له.
رابعاً: أَن أَخَصِّيَّة المفهوم ممنوعة؛ فَإِنَّ التعارض بين >المفهوم< و>التَّعْلِيل< إِنَّمَا هو بنحو العموم من وجه، وذلك بناءً عَلَىٰ اشتمال المفهوم عَلَىٰ السالبة بانتفاء الموضوع والسالبة بانتفاء المحمول؛ فَإِنَّنَا إذا بنينا عَلَىٰ ذلك وقلنا: إِن مفهوم الآية عبارة عن أَنَّهُ عند عدم مجيء فاسق بنبأٍ لا يجب التَّبَيُّن، سواء لم يجئ أحد بنبأٍ أو جاء عادل بنبأٍ، فسوف تكون حجّيّة خبر العادل مستفادة من إطلاق المفهوم، وَحِينَئِذٍ يقال بأن التعارض إِنَّمَا هو بين إطلاق التَّعْلِيل وإطلاق المفهوم، لا أصل المفهوم، والنسبة حِينَئِذٍ هي العموم من وجه، فلا أَخَصِّيَّة في البين؛ إذ كما أَن التَّعْلِيل ادال عَلَىٰ وجوب التَّبَيُّن مطلقٌ يشمل خبر العادلِ وخبرَ الفاسقِ، كذلك المفهومُ الدال عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن مطلقٌ يشمل فرضَ مجيء العادل بالنبأِ ويشمل فرض عدم مجيء نبأٍ أصلاً، فيفترق المفهوم عن التَّعْلِيل في فرض عدم مجيء نبأٍ أصلاً، حيث يَدُلُّ المفهوم في هذا الفرض عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن، ويفترق التَّعْلِيل عن المفهوم في فرض مجيء الفاسق بالنبأ، حيث يَدُلُّ التَّعْلِيل في هذا الفرض عَلَىٰ وجوب التَّبَيُّن، ويجتمعان معاً في فرض مجيء العادل بالنبأ، حيث يَدُلُّ المفهوم عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن، ويدل التَّعْلِيل عَلَىٰ وجوب التَّبَيُّن. إذن، دعوى الأَخَصِّيَّة غير تامَّة.
وعليه فالجواب الأول عَلَىٰ المانع الداخلي الْمُتَّصِل بالمفهوم وهو أَن المفهوم أخصّ، جواب غير صحيح.
وللبحث صلة تأتي إِن شاء اللـه تعالى في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.