الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وثانياً: أَنَّهُ حَتَّىٰ لو سلّمنا قيام برهان عَلَىٰ ما أفاده & من أَن كُلّ قيد وحيثية تعليلية للحكم لَا بُدَّ من أَن يكون قيداً وحيثية تقييدية للموضوع بالمعنى المبحوث عنه في المقام (أَيْ: ما يقابل الشَّرط)؛ فَإِنَّهُ مع ذلك لا يَتُمُّ جوابه & عن الإشكال، بل يبقى الإشكال؛ وذلك لأَنَّ البرهان المفتَرض لا يقتضي سوى تقييد الموضوع بمقدار القيد لا أكثر، فلنفرض أَن البرهان قائم عَلَىٰ أَن الشَّرط الَّذِي هو قيد وحيثية تعليلية للحكم لَا بُدَّ من أَن يكون أَيْضاً قيداً وحيثيةً تقييدية للموضوع، فيتقيّد الموضوعُ بمقدار الشَّرط لا أكثر. وصاحب الإشكال في المقام يدّعي أَن الشَّرط الَّذِي هو القيد والحَيْثِيَّة التَّعْلِيلِيَّةُ لوجوب التَّبَيُّن عن النبأ عبارة عن مجيء الفاسق بطبيعي النبأ، وهذا يتحقق بصرف مجيء فاسق بنبأٍ. إذن، يكون هذا المقدار هو الَّذِي يجب أَن يُؤخذ (لُبّاً وثبوتاً) قيداً وحيثيّةً تقييدية للموضوع (أَيْ: النبأ) لا أكثر من هذا المقدار. والنتيجة حِينَئِذٍ تكون عبارة عن أَن الحكم هو وجوب التَّبَيُّن، وموضوعه وإن لم يكن عبارة عن طبيعي النبأ، بل أصبح مقيّداً بمجيء فاسقٍ بنبأٍ في الجملة، لكن هذا معناه كفاية مجيء فاسق بطبيعي النبأ لوجوب التَّبَيُّن عن كُلّ نبأٍ حَتَّىٰ نبأ العادل، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فكأنه قال: النبأ إِن جاء به في الجملة فاسق يجب التَّبَيُّن عنه حَتَّىٰ إذا جاء به عادل، نظير ما إذا قال: إذا نزل المطر فأكرم الفقير، وقلنا: إِن الشَّرط وهو نزول المطر الَّذِي هو قيد للحكم (أَيْ: وجوب الإكرام) قيد للموضوع أَيْضاً (أَيْ: الفقير)؛ فَإِنَّ هذا معناه أَن الفقير مقيّد بمجيء طبيعيّ المطر في الجملة، وليس مقيَّداً بأكثر من ذلك (أَيْ: مجيء أمطار بعدد الفقراء)، فحتى إذا لم تنزل أمطار بعدد الفقراء بل نزل طبيعيّ المطر في الجملة؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون الموضوع قد تحقَّق، ويثبت حكمه وهو وجوب إكرام كُلّ فقير؛ ففي ما نحن فيه أَيْضاً ما دام قد جاء فاسق بنبأ في الجملة، إذن فقد تحقق موضوع الحكم وَحِينَئِذٍ يثبت الحكم وهو وجوب التَّبَيُّن عن كُلّ نبأ حَتَّىٰ نبأ العادل، إذن فقد عاد الإشكال ولم ينحلّ.
هذا تمام الكلام في الصيغة الثانية للإشكال الثَّانِي في المقام، وهي الَّتِي ذكرها السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & وأجاب عنها، وقد عرفتَ عدمَ تماميّة جوابِه.
وهذا يتضح لنا أَن الجواب الصحيح عن الإشكال هو ما قلناه من انحلال كُلّ القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة، بمعنى أَن موضوع القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة في الآية عبارة عن طبيعيّ النبأ، وهو ينحل إِلَىٰ أفراده، وبتبع انحلاله إِلَىٰ أفراده ينحل حكمه الَّذِي هو عبارة عن وجوب التَّبَيُّن المعلَّق، فكل فرد من أفراد النبأ له حكم مشروط ومعلق، وشرطه عبارة عن مجيء الفاسق به، فكلما جاء فاسق بفرد من النبأ أصبح وجوب التَّبَيُّن عن ذاك الفرد فعلياً من دون أَن يصبح وجوب التَّبَيُّن عن الأنباء الأخرى الَّتِي لم يتحقق فيها الشَّرط ولم يجيء بها الفاسق فعليّاً، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فأنباء العدول لا يجب التَّبَيُّن عنها بمجرد جيء الفاسق بالنبأ؛ لأَنَّ الشَّرط فيها لم يتحقق، فلا يصبح وجوب التَّبَيُّن عنها فعليا كما هو واضح.
هذا تمام الكلام في الإشكال الثَّانِي عن الاستدلال بمفهوم الشَّرط في الآية، وقد عرفت أَن هذا الإشكال غير تام، وَإِنَّمَا الإشكال الأول تام كما تقدم، وَبِالتَّالِي فلا ظهور للآية في المفهوم.
وعليه فالتقريب الثَّانِي من تقريبي إثبات المقتضي في الآية للمفهوم (وهو التَّمسُّك بمفهوم الشَّرط) أَيْضاً غير تام كالتقريب الأول.
وبهذا تم الكلام في المقام الأول وهو البحث عن أصل ثبوت المقتضي في الآية لِلدَّلَالَةِ عَلَىٰ حجّيّة خبر الواحد وثبوت مفهوم لها ينفي وجوب التَّبَيُّن عن خبر الثقة أو العادل وقد عرفت عدم ثبوت المقتضي فيها للمفهوم وأن أصل الظهور الاقتضائي في الآية للمفهوم غير تام.
وأما المقام الثَّانِي: وهو الكلام حول ثبوت المانع الَّذِي منع عن تأثير المقتضي بعد تسليم أصل وجود المقتضي وتمامية الظهور الاقتضائي للآية في المفهوم ففيه بحثان:
البحث الأول: حول المانع الداخلي الْمُتَّصِل بالآية الَّذِي يمنع عن انعقاد الظهور الفعلي للآية في المفهوم.
البحث الثَّانِي: حول المانع الخارجي المنفصل عن الآية الَّذِي يمنع عن حجّيّة الظهور بعد افتراض فعلية الظهور في المفهوم.
أما البحث الأول: فحاصله هو أَن الشَّيْخ الأنصاري & ذكر أَن هناك مانعاً داخلياً يهدم أصل الظهور للآية في المفهوم ويمنع عن فعليته بعد فرض وجود المقتضي للمفهوم فيها، والمانع عبارة عن عموم التعليل المذكور في ذيل الآية الشريفة المباركة {أَن تصيبواً قوماً بجهالة فتصبحوا عَلَىٰ ما فعلتم نادمين} حيث أَن هذا التعليل بيان لنكتة وجوب التَّبَيُّن وهي عبارة عن الجهل بالواقع وعدم العلم به، فتكون الإصابةُ إصابةً بجهالة، ومن الواضح ان هذه النكتة (أَيْ: خوف الإصابة عن جهلٍ بالواقع وعدم العلم به) عامّة وموجودة في كُلّ خبر غير قطعي وكل أمارة غير علمية وإن كان خبر العادل، ولا تختصّ بخبر الفاسق، وهذا معناه وجوب التَّبَيُّن حَتَّىٰ في خبر العادل وعدم حجيته. إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه إذن، فعموم التعليل مانع عن دلالة الآية بمفهومها عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل. وبعبارة أخرى: يكون عموم التعليل الوارد في ذيل الآية قرينة عَلَىٰ إلغاء المفهوم، ولا أقلّ من معارضته له، فيوجب الإجمال، فلا يبقى ظهور فعليّ للآية في المفهوم؛ نظراً إِلَىٰ وجود هذا التعليل المتّصل بالكلام.
وإن شئت قلت: إِن مورد نزول الآية وإن كان هو إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق، إِلَّا أَن موضوع القضية المذكورة في الآية هو نبأ الفاسق لا خصوص نبأ الوليد، وعليه فكر >إصابة القوم بجهالة< في مقام التعليل إِنَّمَا هو لمناسبة المورد باعتبار أَن الوليد أَخبَر عن حال قومٍ وارتدادهم، وإلا فإنّ الفاسق لا يُخبر دائماً عن حال قومٍ، بل ربما يخبر عن حال شخصٍ، أو ملكية فردٍ أو جهةٍ، أو كرّيّة ماءٍ أو طهارته ونحو ذلك، فالمراد من >إصابة القوم بجهالة< هو مطلق الوقوع في المفسدة الَّتِي يعقبها الندم، وحي أَن العمل بخبر الفاسق لا يستلزم الوقوع في المفسدة دائماً، فالمراد بالتعليل هو أَن الأخذ بخبر الفاسق والعمل به يكون في معرض الوقوع في المفسدة بسبب الجهل وعدم العلم بمطابقته للواقع، وهذه العلة جارية وسارية في خبر العادل أَيْضاً؛ لِأَنَّهُ وإن كان عادلاً لا يتعمّد الكذب، إِلَّا أَن عدالته لا تمنع عن احتمال غفلته واشتباهه، فالعمل به أَيْضاً يكون في معرض الوقوع في المفسدة لعدم العلم بمطابقة ما أخبر به للواقع. فعموم التعليل قرينة قطعية عَلَىٰ عدم إرادة المفهوم، ولا أقل من كونه صالحاً للقرينيّة، فلا ينعقد للقضية ظهور في المفهوم.
وهناك عدة أجوبة عن هذا المانع نذكر المختار منها في الأيام القادمة إِن شاء اللـه تعالى والحمد للـه رب العالمين.