الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول


وهذا النحو من الموضوع هو في الواقع تطعيم للقضية الشرطية بالقضية الحملية الحقيقية.
توضيح ذلك: أَن القضايا الحملية عَلَىٰ قسمين:
القسم الأول: القضايا الحملية الحقيقية، وهي الَّتِي يكون المحمول فيها منصبّاً عَلَىٰ الموضوع المقدّر الوجود، يعني أَن المحمول فيها ليس ثابتاً لخصوص الأفراد المحققّة الوجود في زمانٍ من الأزمنة، بل هو ثابت لكل ما يفرض أَنَّهُ مصداق لهذا الموضوع ولو تقديراً، كما في قولنا: >النار حَارَّة<، >الخمر مسكر<، بمعنى أَن كُلّ ما يُفرض كونه ناراً أو خمراً (أَيْ: كُلّ ما لو وجد لكان ناراً أو خمراً) يُفرض كونه حاراً أو مسكراً، فالمحمول كما هو ثابت للأفراد المحققة الوجود كذلك هو ثابت للأفراد المقدرة الوجود، وهذا لا محالة يستبطن وجود تلازم بين مَاهِيَّة الموضوع وماهية المحمول؛ إذ لو لا التلازم بينهما لَما أَمكَن جعل المحمول عَلَىٰ الموضوع بكل مقدَّراته؛ ضرورةَ أَنَّهُ لو لم يكن تلازم بين الماهيتين وكان ثبوت المحمول للموضوع بنحو الاتفاق والصبغة، إذن كيف يُفرض أَن كُلّ ما يقدّر كونه فرداً ومصداقاً للموضوع يكون فردا ومصداقاً للمحمول؟ إذن، فلا بد من وجود التلازم، سواء كان هذا التلازم ثابتاً بالعقل، كما في قولنا: >الأربعة زوج< أم كان ثابتا بالتجربة، كما في قولنا: >النار حَارَّة<.
ومن هنا نقول: إنا لقضية الحملية الحقيقية هي بحسب روحها قضية شرطية مرجعها إِلَىٰ أَنَّهُ إذا وجد شيء وكان مصداقاً للموضوع فهو مصداق للمحمول. فالموضوع مقدّر الوجود في القضية الحملية الحقيقية، إِلَّا أَن هذا التقدير وإن كان بارزاً في عالم المنطق وعند المناطقة، لكنه ليس بارزاً في عالم التركيب النحوي وعند النحاة. ومن هنا تُجعل القضية الحملية في مقابل القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة في النحو، لا لأجل أَنَّهُ ليس في الحملية تقدير، بل لأَنَّ التقدير فيها مستتر، أما في الشرطية فالتقدير بارز من خلال أداة الشَّرط.
القسم الثَّانِي: القضايا الحملية الخارجية وهي الَّتِي يكون المحمول فيها منصباً عَلَىٰ الموضوع المحقق الوجود خارجاً، يعني أَن المحمول ثابت لخصوص الأفراد الَّتِي هي موجودة خارجاً في الزمان الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهذا القسم من القضايا لا يستبطن تقديراً أصلا للموضوع؛ لأَنَّ موضوعها يختص بالأفراد المحققة الوجود، فهي قضية ناجزة ليس فيها رائحة الشرطية حَتَّىٰ عند المناطقة، فهي قضية فعلية، ولا معنى لتقدير ما هو فعلي.
وعليه فإذا عرفت أَن القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة تختلف عن القضية الحملية الحقيقية بأن فيها تقديراً بارزاً غير مستتر، فَحِينَئِذٍ نقول: إِن هذه القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة قد تُطعَّم أولاً بروح القضية الحملية بحيث يكون لها موضوع حملي مستتر غير بارز عَلَىٰ نهج ما عرفت في القضية الحملية الحقيقية، ثُمَّ يكون هذا الموضوع موضوعاً للقضية الشرطية، بمعنى أَن الاشتراط وتعليق الجزاء عَلَىٰ الشَّرط يكون منصبّاً عَلَىٰ هذا الموضوع، ولا يكون هذا التعليق والاشتراط ثابتاً عند انتفاء هذا الموضوع وانعدامه، بل يكون التقدير البارز للشرط (من خلال أداة الشَّرط) منصبّاً ومترتّباً عليه ترتّب الحكم عَلَىٰ موضوعه.
وهذا مطلب تترتب عليه ثمرات في مقام الاستنباط:
منها: أَنَّهُ في مقام اقتناص المفهوم من القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة لَا بُدَّ من انحفاظ هذا الموضوع الحملي (إذا كان للقضية الشرطية موضوع حملي بالمعنى الَّذِي قلناه) فلا تَدُلّ القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة عَلَىٰ انتفاء الجزاء عند انتفاء الشَّرط إذا لم يكن الموضوع الحملي محفوظاً حَتَّىٰ ولو كان موضوع الحكم المذكور في الجزاء محفوظا. والسرّ في ذلك هو أَن موضوع القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة كما عرفت عبارة عن الَّذِي حملت عليه القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة بما لها من جملة الشَّرط وجملة الجزاء. ومن الواضح أَن القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة لا تمتلك دائما موضوعاً من هذا القبيل، لكن لو كان لها موضوع من هذا القبيل فلا بد من انحفاظه عند انتفاء الشَّرط كي يَتُمُّ المفهوم. والسرّ في ذلك هو أَن المفهوم إِنَّمَا يستفاد من التعليق، فإذا كان التعليق منصبّاً عَلَىٰ شيء فَلَا بُدَّ من انحفاظ ذاك الشَّيْء كي يكون التعليق محفوظاً، كي يَدُلُّ التعليق حِينَئِذٍ عَلَىٰ المفهوم. والمفروض أَن موضوع القضية هو ذاك الشَّيْء الَّذِي انصب عليه التعليق (أَيْ: تعليق جملة الجزاء عَلَىٰ جملة الشَّرط). إذن، فَلَا بُدَّ من انحفاظه عند انتفاء الشَّرط كي يَتُمُّ المفهوم، إذن فكلا الموضوعين (موضوع القضية وموضوع الحكم) لَا بُدَّ من انحفاظهما لكي يَتُمُّ المفهوم وإلا فلا، فمثلا إذا ورد في الرواية: >إذا التقى الختانان وجب الغسل< فموضوع الحكم المذكور في الجزاء هو المكلف الَّذِي يجب عليه الغُسل، لكن موضوع نفس القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة عبارة عن >الختانين<، ومعنى كونه موضوعاً لنفس القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة هو أَن تعليق وجوب >الغُسل< عَلَىٰ التقاء الختانين منصبّ عَلَىٰ هذا الموضوع (أَيْ: أَن التعليق فرع وجود الختانين، فكأنه قال: >مَن كان عنده ختان إذا التقى الختانان وجب عليه الغُسل<)، فيدل بالمفهوم عَلَىٰ أَن من كان عنده ختان إذا لم يلتق الختانان لا يجب عليه الغُسل، ولا يَدُلُّ بالمفهوم عَلَىٰ أَن مَن لم يكن عنده ختان (كمقطوع الحشفة) إذا أدخل لا يجب عليه الغسل؛ فَإِنَّ هذا لا يمكن أَن يستفاد من الرواية، وهذا من آثار وجود موضوع حملي للقضية الشرطية غير موضوع الحكم؛ إذ لو لا وجود هذا الموضوع لقلنا: إِن الرواية تَدُلّ بالمفهوم عَلَىٰ عدم وجوب الغُسل عند عدم التقاء الختانين مطلقاً، سواء كان هناك ختان ولم يلتقِ أم لم يكن هناك ختان أصلاً. إذن، فالرواية لا مفهوم لها بالنسبة لمثل مقطوع الحشفة، والسبب هو انتفاء هذا الموضوع الحملي الَّذِي هو موضوع أصل القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة وموضوع التعليق، رغم أَن موضوع الحكم المذكور في الجزاء وهو المكلف محفوظ.