الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 {السنة/أدلة عدم الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 وفي ختام البحث عن هذه الطائفة الثَّانِيَة من الروايات وهي أخبار العرض عَلَىٰ الكتاب الدَّالَّة عَلَىٰ تحكيم الكتاب في قبول خَبَر الْوَاحِدِ ورفضه، لا بأس بأن نتعرض للرواية المفصلة الَّتِي تقدم نصّها( [1]
  [2] ) في القسم الثالث من أقسام الروايات الواردة بعنوان مخالفة الكتاب، حيث قسمنا الطائفة الثَّانِيَة إِلَىٰ ثلاثة أقسام:
 القسم الأول: ما دل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة ما يخالف الكتاب.
 القسم الثَّانِي: ما دل عَلَىٰ عدم صدور ما يخالف الكتاب من الأئمة ^ من دون بيان النكتة.
 القسم الثالث: الروايات الدَّالَّة عَلَىٰ عدم الصدور لكن مع بيان نكتة لعدم صدور ما يخالف الكتاب من الأئمة ^ وهي صدور الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ ليس من شأننا، وذكرنا تلك الرواية في هذا القسم.
 والرواية هي الرواية الَّتِي رواها الكشي بسند تام عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن، كي ندرس بعض الخصوصيات المتعلقة بهذه الرواية، فنقول:
 أَمَّا من ناحية السند فالجدير بالبحث السندي فيها هو الكلام عن محمد بن عيسى بن عبيد؛ لوثاقة غيره من رجال السند، وقد وثَّقه النجاشي والكشي والفضل بن شاذان، وضعَّفه الشيخ في كتاب الرجال مرتين، وفي الفهرس أَيْضاً حيث قال: >ضعيف، استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه [أي: الصدوق] من رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما يختص بروايته. وقيل: إنه كان يذهب مذهب الغلاة<( [3] ).
 وقال & في الاستبصار في ذيل أحد الأحاديث: >إن هذا الخبر مرسل منقطع، وطريقه محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس، وهو ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه [أي: الصدوق] & من جملة الرجال الَّذِي روى عنهم صاحب نوادر الحكمة، وقال: ما يختص بروايته لا أرويه، ومَن هذه صورته في الضعف لا يعترض بحديثه<( [4] ).
 وقال & في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران [وهو صاحب كتاب نوادر الحكمة] بعد عدّ كتبه:
 >أخبرنا بجميع روايته وكتبه... جماعةٌ عن محمد بن علي بن الحسين [أي: الصدوق] عن أبيه ومحمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، وقال محمد بن علي بن الحسين بن بابويه [أي: الصدوق]: إِلاَّ ما كان فيه من تخليط، وهو الَّذِي طريقه محمد بن الهمداني، أو يرويه عن رجل، أو عن بعض أصحابنا... أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ينفرد به<.
 وقال & في ترجمة يونس بن عبد الرحمن:
 >قال أبو جعفر بن بابويه [أي: الصدوق]: سمعت ابن الوليد & يقول: كُتُب يونس بن عبد الرحمن الَّتِي هي بالروايات كلها صحيحة يعتمد عليها، إِلاَّ ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ولم يروه غيره؛ فَإِنَّهُ لا يعتمد عليه ولا يُفتى به<.
 هذه هي كلمات الشيخ الطوسي & بشأن الرجل.
 وَأَمَّا النجاشي & فقد قال في ترجمة هذا الشخص:
 >جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر × مكاتبةً ومشافهةً. ذكر أبو جعفر بن بابويه [أي: الصدوق] عن ابن الوليد أَنَّهُ قال: ما تَفَرَّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه، ورأيت بعض أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون: مَن مثل أبي جعفر محمد بن عيسى؟!!<.
 وقال & أَيْضاً في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران صاحب نوادر الحكمة:
 >كان ثقةً في الحديث، إِلاَّ أن أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه من مطعن في شيء، وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني، أو ما رواه عن رجل، أو يقول: بعض أصحابنا، أو عن محمد بن يحيى المعاذي... أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع... قال أبو العباس بن نوح: وقد أصابَ شيخُنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك لكه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه & [أي: الصدوق] عَلَىٰ ذلك كلّه، إِلاَّ في محمد بن عيسى، فلا أدري ما رأيُه فيه [قال المامقاني & في تنقيح المقال: إن الظاهر أن العبارة هكذا: >مَا رَابَهُ فيه< بالباء الموحّدة، كي يناسب التعليل الوارد في العبارة]؛ لأَنَّهُ كان عَلَىٰ ظاهر العدالة والثقة<.
 والمتحصّل من مجموع هذه النقول هو أن الشيخ الطوسي & قد ضَعَّف محمد بن عيسى بن عبيد وأن تضعيفه مستند إِلَىٰ تضعيف الصدوق & ومحمد بن الحسن بن الوليد & إياه، بينما لم يثبت لدينا تضعيف هذين العَلَمين للرجل؛ فَإِنَّ ما نقله الشيخ & في ترجمة يونس بن عبد الرحمن عن العَلَمين وإن كان قد يوحي إِلَىٰ الذهن أن الرجل ضعيف أو لم تثبت وثاقتُه، إِلاَّ أن ما نقله النجاشي & في ترجمة صاحب نوادر الحكمة عن محمد بن الحسن بن الوليد من أَنَّهُ كان يستثني من رواية صاحب نوادر الحكمة ما رواه عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع، ظاهر في أن الضعف الَّذِي كان ينظر إليه ابن الوليد إِنَّمَا هو عبارة عن انقطاع السند وأن نقل محمد بن عيسى بن عبيد ليس دَلِيلاً عَلَىٰ أن المرويّ عنه (الَّذِي قطعه ابن عبيد وحذف اسمه) ثقة.
 وكذلك يظهر مِمَّا نقله الشيخ & في ترجمة صاحب نوادر الحكمة عن الصدوق & من استثناء ما يرويه صاحب النوادر عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ينفرد به، أن الضعف الَّذِي كان ينظر إليه الصدوق & إِنَّمَا هو انقطاع السند وأن نقل محمد بن عيسى بن عبيد عمّن حذف اسمه لا يبرّر الأخذ بالحديث.
 فخلاصة نقله الضعف في روايات محمد بن عيسى بن عبيد عَلَىٰ ما يظهر من المنقول عن الصدوق وابن الوليد رحمهما الله تعالى هي أَنَّهُ لا يبالي عمّن يأخذ ولا يهتمّ بحال الواسطة، لا أَنَّهُ غير ثقة.
 ومن هنا يجب أن يحمل قول ابن الوليد (الَّذِي نقله الشيخ & في ترجمة يونس بن عبد الرحمن عن الصدوق & عنه من أن كتب يونس الَّتِي هي بالروايات كلها صحيحة إِلاَّ ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عَلَىٰ عدم الوثوق بمأخذ الكتب الَّتِي هي عند محمد بن عيسى بن عبيد لا عَلَىٰ عدم وثاقة محمد بن عيسى بن عبيد نفسه.
 ويؤيد ذلك ما ذكره السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & في ترجمة محمد بن عيسى بن عبيد من أن الصدوق & لم يرو في الفقيه حَتَّىٰ رواية واحدة عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس، لكنه روى عن محمد بن عيسى عن غير يونس في الكتاب نفسه وفي المشيخة في نيف وثلاثين موضعاً، غير ما ذكره في طريقه إليه.
 فهذا شاهد عَلَىٰ أن تضعيف الصدوق & واستثناءه لما يرويه محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ليس مبتنياً عَلَىٰ تضعيف الرجل نفسه، وإلا لَماَ روى في الفقيه والمشيخة عن محمد بن عيسى بن عبيد عن غير يونس.
 يبقى لدينا عدم اعتماد ابن الوليد عَلَىٰ نقل محمد بن عيسى بن عبيد لكتب يونس، وهذا اجتهاد منه وحجة بشأنه هو، أَمَّا نحن فنرى حُجِّيَّة أصالة الحس أو ما يقرب من الحس في النقل.
 مُضَافاً إِلَىٰ أن الرواية الَّتِي هي محل كلامنا فعلا لم ينقلها محمد بن عيسى عن كتب يونس، بل صرَّح بِأَنَّهُ كان حاضراً مجلسَ يونسَ وسمع كلامه مباشرةً، فلا يرد هنا احتمال اعتماد محمد بن عيسى عَلَىٰ وسيط غير ثقة.
 نعم، من المحتمل أن يكون تضعيف الصدوق وابن الوليد لرواية محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بنكتة صغر سنّه عند السَّمَاع، أو التشكيك في أصل السَّمَاع، وقوة احتمال الإرسال، أو الجزم بالإرسال؛ لأَن بن عبيد يروي عن الإمام الجواد ×، بينما يونس بن عبد الرحمن من أقدم أصحاب الإمام الرضا ×، بحيث كان قد أدرك الإمام الصادق × بين الصفا والمروة، ولكن لم يرو عنه.
 وعليه، فلا يختص التضعيف بنقله لكتب يونس، بل يشمل الرواية الَّتِي هي محل الكلام فعلاً أَيْضاً.
 وعلى أي حال فالتشكيك في أصل السَّمَاع في المقام غير وارد؛ لتصريحه بِأَنَّهُ كان حاضراً وسمع كلامه مباشرةً، وقد روى محمد بن عيسى عن جماعة أدركوا الإمام الصادق × غير يونس. وصغر سنّه عند تحمل الخبر لا يقدح بعدما كان عند الأداء رشيداً ثقةً.
 إذن، فالرواية من ناحية السند تامة.
 وَأَمَّا من ناحية الدَّلاَلَة فقد مضى في القسم الثالث من روايات الردع عما خالف الكتاب أن هذه الرواية تختص بالردع عن الخبر المخالف للكتاب بنحو التباين، ولا تشمل غيره ومضى وجه ذلك.
 وقال سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ &: إن الإنصاف هو أن مِن أصدق مصاديق الكلام الَّذِي عليه نورٌ هو هذه الرواية المباركة، وقد تعرّضنا لذكرها هنا كي نبحث فيها عن جهات ثلاث نأتي عَلَىٰ ذكرها في اليوم القادم إن شاء الله تعالى.


[1] - - كش: محمد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار معا، عن سعد، عن اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن أن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على رد الأحاديث ؟
[2] فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقو الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه واله، فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه واله. قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام وقال لي: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إن تحدثنا ((1) وفى نسخة: إن حدثنا.) حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان.
[3] - الطوسي، الفهرس: .
[4] - الطوسي، الاستبصار: ج3، ح568.