الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الشهرة/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 الوجه الثاني:
 التمسّك بما رواه في >عوالي اللئالي< عن العلاَّمة & مرفوعاً عن زرارةَ قال: >سَأَلْتُ الْبَاقِرَ × فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارَضَانِ، فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ؟ قَالَ ×: يَا زُرَارَةُ! خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَدَعِ الشَّاذَّ النَّادِرَ...<( [1] ).
 وحيث لم ترد هذه الفقرة في سياق التعليل فلا يمكن استفادة التعميم منها لكلِّ شهرة حتّى في الفتوى، فلا بدَّ في مقام الاستدلال بها المقام من تقريبٍ يُثبت حجيّة الشهرة الفتوائية. وخير تقريب للاستدلال بها على ذلك هو:
 أنَّ مورد الحديث وإن كان عبارة عن الخبرين المتعارضين، لكن المورد لا يخصّص الواردَ، فمقتضى إطلاق قوله: >خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ< هو حجيّة الشهرة، وإن كانت في الفتوى.
 إِلاَّ أنَّ هذا الوجه أيضاً غير تام؛ وذلك:
 أولاً: لسقوط الحديث سنداً وضعفه، بل هو من أضعف الأحاديث.
 وثانياً: لعدم ثبوت كون المراد بالشهرة الأكثرية في مقابل الأقليّة كما هو المصطَلَح عندنا، فلعلَّ المراد بها الوضوح لدى الكلّ.
 وثالثاً: لأنَّ ظاهر الحديث كونه في مقام >تعيين< الحجّة من بين المتعارضين بعد الفراغ عن أصل حجيّة أحد المتعارضين، لا في مقام تأسيس أصل الحجيّة؛ فإنَّ قوله: >فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ< ظاهر في أنَّ لزوم أخذ بأحدهما كان أمراً مفروغاً عنه عند السائل وإنمّا يطلب من الإمام × >التعيينَ<، فلا يشمل الحديث مثل الفتويين المتعارضيين اللتين إحداهما مشهورة والأخرى غير مشهورة؛ إذ الكلام فيهما إنمّا هو في أصل الحجّية، ولم تثبت لنا في المرتبة السابقة حجيّة إحدى الفتويين كي نجعل الشهرة بحكم هذا الحديث موجبة لتعيينها.
 ورابعاً: لأنَّ >ما< الموصولة في قوله: >خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ< من المبهمات الَّتِي لا يصلح المورد للمنع عن انعقاد الإطلاق لها في غير دائرة المورد الَّذِي هو عبارة عن الخبرين المتعارضين.
 وتوضيح ذلك: انَّ ما يُقال من أنَّ >المورد< لا يخصّص >الوارد< إنمّا يتم حينما يكون >الوارد< تامّ الإِطْلاَق؛ فإنَّ >المورد< حينئذٍ لا يخصًصه، كما لو سُئِل عن إكرام الشيخ المفيد، فأجاب بقوله: >أكرم العالم<.
 أمّا في المقام فإنَّ >الوراد< لا إِطْلاَق فيه؛ لأَنَّ >ما< الموصولة بمرونتها وإهمالها اللغوي يكون حالها حال المشترك اللفظي، ويكون استعمالها في المقيّد (بأن يُقصد المقيَّد من حاق لفظها) استعمالاً حقيقياً وليس مجازاً.
 غاية الأمر إنَّه يحتاج إلى القرينة، كما يحتاج المشترك اللفظي إلى القرينة. ومن الواضح أنَّ >المورد< يكفي قرينةً على المراد من >الوارد< الَّذِي هو بمنزلة المشترك اللفظي.
 وخامساً: لأنَّنا حتى لو غضضنا النظر عمّا ذكرناه في التعليق السابق وقلنا بأنَّ >ما< الموصولة وإنْ كانت من المبهمات الَّتِي لها مرونة، لكن مرونتها ليست بِالنِّسْبَةِ إلى >المورد<، بل مرونتها إنمّا هي من ناحية الصلّة، فـ>ما< في قوله: >خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ< ليست لفظة مطلقة شاملة لكل شيء، بل هي لفظة خاصّة بالشيء المشتهِر، وأمّا مرونتها من ناحية غير الصّلة فممنوعة، فلا نقبل مرونتها من ناحية >المورد< بحيث تكون >ما< في الحديث خاصّة بالرواية المشتهِرة؛ نظراً إلى أنَّ مورد الحديث عبارة عن الروايتين المتعارضتين.


[1] - راجع: النوري، مستدرك الوسائل: ج17، ص303، الباب9 من صفات القاضي، الحديث الثاني، وأيضاً: البروجردي، جامع أحاديث الشيعة: ج1، الباب 6، الحديث الثاني.