الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع الْمُرَكَّب/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 ويوجد لحلّ هذا الإشكال عدّة طرق:
 
 الطريق الأول:
 أنّنا لو بنينا على مبنى جعل الطريقية والعلم التعبّدي، فخبر الواحد الدال على التواتر أو الإجماع قد جُعِل من قبِل الشارع علماً تعبداً، ومعنى ذلك ترتيب تمام آثار العلم وفرض أنفسنا عالمين بما أخبر به الثقّة، فيثبت بذلك تعبّداً العلم بصحّة الخبر والحكم الشرعي المجمع عليه؛ إذ لو كنّا عالمين حقاً بالتواتر أو بالإجماع لَعَلِمْنَا بصحّة الخبر أو الحكم الشرعي بلا إشكال.
 ويردّ عليه: أنّنا لو سلّمنا مبنى جعل الطريقية، فنتيجته (كما مضى في مبحث قيام الأمارات مقام القطع) إنمّا هي التنجيز والتعذير المترتبيّن على القطع الطريقي، وكذلك التعبّد بالآثار الشرعية المترتبة على القطع الموضوعي، دون التعبّد بالآثار والملازمات التكوينية للعلم، فمن كان علمه وقطعه بحياة ولده مثلاً يورث له السرور تكويناً، لو قام لديه خبر الواحد على حياة ولده لم يكن معنى حجيّة هذا الخبر على مبنى جعل الطريقية غير تنجيز حياة ولده وترتيب أحكامها وآثارها الشرعية، وكذلك التعبّد بالأحكام الشرعية المترتبّة على القطع بحياة ولده (فيما لو كانت هناك أحكام شرعية مترتبّة على هذا القطع)، وليس معنى حجيّة الخبر على مبنى جعل الطريقية أن يتعبّد بكونه مسروراً ويرتّب الآثار الشرعية المترتبة على السرور مثلاً، كما هو واضح.
 
 الطريق الثاني:
 أن يُقال بأنَّه وإن لم يكن هناك ملازمة عندنا بين الإجماع أو التواتر، وبين صحّة المصّب، وإنمّا الملازمة ثابتة بين العلم بالإجماع أو التواتر والعلم بصحّة المصّب، لكن تكفينا هذه الملازمة في المقام؛ لأن إخبار الثقّة بالإجماع أو بالتواتر كاشف عن استعداده للإخبار بالحكم المجُمَع عليه أو بالخبر المخبَر به، وهذا الإخبار وإن لم يكن إخباراً عن الحسّ، لكنه إخبارٌ عن حدسٍ يقرب من الحسّ، وهو الحدس الذي يشترك فيه جميع الناس، وهو حجّة بلا إشكال.
 وهذا البيان إنمّا يتمّ ويصحّ فيما إذا كان ما نقله من الإجماع أو التواتر بمستوىً لو ثَبَت لأوجبَ لدى عامّة الناس العلم بصحّة المجمع عليه أو الخبر المتواتر، دون ما لو كان بمستوىً يراه بعض الناس تواتراً مفيداً للعلم، أو عدداً كافياً من آراء الفقهاء للحدس القطعي بالحكم، ولكن لا يراه عامّة الناس كذلك؛ إذ حينئذٍ لو فرضنا أن الناقل كان ممّن يرى كفاية ذلك في ثبوت الحكم الشرعي المجمَع عليه أو الخبر المخبَر به، فلا يعدو إخباره عن كونه إخباراً عن حدسٍ غير قريب من الحسّ.
 إذن، فلو كان ما نقله من الإجماع أو التواتر بمستوىً يوجب العلم لعامّة الناس بصدق الخبر أو صحّة الحكم، كفى ذلك في ثبوت الخبر والحكم حتّى ولو فُرِض أنَّ الناقل نفسه لم يقطع (صدفةً) بصّحة الخبر المتواتر والحكم المجمع عليه نظراً لابتلائه بالوسوسة مثلاً وكونه بطيئاً في حصول القطع والقناعة؛ وذلك لأنَّ العبرة في باب حجيّة خبر الثقّة إنمّا هي باستعداده للتأكيد على الخبر على تقدير الحالة الاعتيادية للعقلاء، وهذا حاصل في المقام ولا يضر بذلك عدم تأكّده هو من الخبر على أساس وسوسة غير اعتيادية.
 أمّا إذا افترضنا أنَّ ما أخبَر به من عدد آراء العلماء وأخبار الناس لم يكن كافياً لدى عامّة الناس (على تقدير علمهم به) لحصول العلم بالمجمع عليه أو المخبَر به، ولكنَّه كان كافياً لذلك لدى بعض الناس ومنهم المنقول إليه، فحينئذٍ تأتي (في حدود هذا المقدار من البيان الذي ذكرناه) شبهةُ أنَّ هذا لا يكفي لإثبات الحكم أو الخبر سواء اقتنع الناقل بذلك أم لا.
 أمّا إذا لم يقتنع به، فواضح؛ إذ ليس لديه حينئذٍ إخبار بالحكم أو الخبر، وليس عدم اقتناعه به لأجل وسوسة غير اعتيادية؛ وذلك لما افترضناه من أنَّ المقدار المنقول لا يكفي التأكّد منه لدى عامّة الناس لحصول العلم لهم بمصّب الإجماع أو الخبر.
 وأمّا إذا اقتنع الناقل به فلا يعدو إخباره بذلك عن كونه إخباراً عن حدس غير قريب من الحسّ.
 
 الطريق الثالث:
 أن نقل الإجماع إلينا أو نقل التواتر أو نحو ذلك فيما لو ثبت بالعلم واليقين لدينا لَعلِمنا بالحكم المجمع عليه، أو الخبر المخبَر به كافٍ لثبوت ذاك الحكم أو الخبر عندنا، سواء كان ثبوت ذلك عند عامّة الناس كافياً لحصول العلم لهم بالحكم أو بالخبر أم لم يكن كافياً لذلك إِلاَّ عند بعض الناس.
 وتوضيح ذلك: أنّنا بعد هذا النقل لا نحتمل عدم ثبوت ذاك الحكم المجمع عليه، أو عدم تحقق ذاك الخبر المخبَر به إِلاَّ من جهتين:
 الأولى: من جهة احتمال أن لا يكون ما نُقِل إلينا من الإجماع أو التواتر ثابتاً واقعاً.
 الثانية: من جهة احتمال أن لا يكون الحكم المجمع عليه والخبر المخبَر به ثابتاً واقعاً رغم ثبوت الإجماع والتواتر.
 أمّا الجهة الثانية فهي مرفوضة من قِبَلنا بالقطع واليقين حسب الفرض؛ لأنَّ المفروض هو أنَّ الإجماع أو التواتر المنقول إلينا سنخ إجماع وتواترٍ لو كان ثابتاً واقعاً وكنّا نعلم به لكنّا نعلم بالحكم المجمع عليه أو الخبر المخبَر به، فاحتمال أن لا يكون المعقد و المصّب ثابتاً رغم ثبوت الإجماع والتواتر ساقط عندنا قطعاً.
 وأمّا الجهة الأولى فهي منفيّة بحجيّة خبر الثقّة؛ فإنَّ النقل حجَّة في إثبات المنقول.
 والحاصل: أنَّ المنقول إليه في المقام لا يحتمل عدم ثبوت المدلول الالتزامي للنقل (وهو قول المعصوم عليه السلام والحكم الشرعي) إِلاَّ من إحدى ناحيتين:
 إمّا من ناحية عدم ثبوت المدلول المطابقي للنقل (وهو الإجماع وفتاوى مائة عالم مثلاً).
 وإمّا من ناحية عدم ثبوت المدلول الالتزامي نفسه رغم ثبوت المدلول المطابقي.
 ومن الواضح أنَّ الثاني منفيٌّ لديه وجداناً، والأول منفيٌّ لديه بخبر الثقّة. إذن، فقد أصبح الخبر كاشفاً في نظر المنقول إليه عن المدلول الالتزامي بمستوى كشفه عن المدلول المطابقي، كما هو واضح.