الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع الْمُرَكَّب/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 أَمَّا فِي الصُّورَة الأولى فالإجماع حجة فِي نفي القول الثَّالِث عَلَىٰ جميع المباني المتقدمة فِي حُجِّيَّة الإجماع؛ لأَنَّهُ فِي الحقيقية يرجع إلى الإجماع البسيط عَلَىٰ نفي القول الثَّالِث وعدم الْحُرْمَة فِي المثال ما دام كُلّ واحد من الفقهاء بانياً عَلَىٰ عدم الْحُرْمَة حتَّى لو كان خاطئاً فِي القول الَّذِي اختاره فِي المسألة، فتنطبق المباني كُلّهَا كما هو واضح.
 وَأَمَّا فِي الصُّورَة الثَّانية فَلاَ بُدَّ من التفصيل بين المباني المتقدمة لحجية الإجماع:
 1)- فبناءً عَلَىٰ المبنى الأَوَّل القائل بِحُجِّيَّة الإجماع من باب قاعدة اللُّطْف القائلة بأن من لطف الله تعالى عَلَىٰ عباده أن لا يجعلهم يجمعون عَلَىٰ الخطأ وأن يُوجِد قولاً بالواقع.
 إذن، فالإجماع الْمُرَكَّب هنا حجة فِي نفي القول الثَّالِث (أي: نفي الْحُرْمَة فِي المثال) إذ لو كان كلا القولين (القول بالوجوب والقول بالاستحباب فِي المثال) خطأً وكان القول الصَّحِيح فِي الواقع هو القول الثَّالِث (أي: القول بالحرمة)، فحيث أن هذا لا قائل به حسب الفرض، إذن فيكون ذلك منافياً للطف الله تعالى بعباده، فالعقل الْعَمَلِيّ يدرك أن القول الثَّالِث لَيْسَ صحيحاً واقعاً وَإلاَّ لأَوْجَدَ اللهُ تعالى مَن يقول به، وهذا معناه أن الإجماع الْمُرَكَّب حجة فِي الكشف عن عدم صِحَّة القول الثَّالِث.
 2)- وكذلك الحال لو بنينا عَلَىٰ ما تَقَدَّمَ (فِي البحث عن حُجِّيَّة الإجماع بقاعدة اللطف) من تطوير تلك الفكرة وتطبيقها عَلَىٰ الإمام × بدعوى أن عليه إيصال الحق والواقع إلى النَّاس ولو بإلقاء الخلاف بِالنَّحْوِ الَّذِي لا ينافي التستّر، فإذا لم يكن هناك خلاف فَسَوْفَ نستكشف دخوله × فِي الْمُجْمِعِينَ؛ فَإِنَّهُ بناءً عَلَىٰ هذا المبنى أَيْضاً يكون الإجماع الْمُرَكَّب هنا حجة فِي نفي القول الثَّالِث؛ إذ لو كان كلا القولين خطأً وكان الصَّحِيح هو القول الثَّالِث لكان عَلَىٰ الإمام × إيصاله إلى النَّاس. وحيث لم يكن هناك خلاف فِي نفي القول الثَّالِث فَسَوْفَ نستكشف دخوله × فِي أحد القولين، فيكون أحدهما حَقّاً وحجةً فينتفي القول الثَّالِث به.
 3)- وكذلك الحال لو بنينا عَلَىٰ المبنى الثَّانِي القائل بِحُجِّيَّة الإجماع عَلَىٰ أساس التعبد الشَّرْعِيّ استناداً إلى الحديث المروي >لا تجتمع أمتي عَلَىٰ الضلالة<؛ فَإِنَّهُ يكون الإجماع الْمُرَكَّب هنا حجة فِي نفي القول الثَّالِث؛ إذ قد اجتمعت الأمة عَلَىٰ قولين فقط ونَفَت القول الثَّالِث، فيكون نفيها حجةً تعبّداً.
 4)- وَأَمَّا بناءً عَلَىٰ المبنى الثَّالِث القائل بِحُجِّيَّة الإجماع بحكم العقل النَّظَرِيّ، فإن بنينا عَلَىٰ ما تَقَدَّمَ من قولهم بأن الإجماع يكشف عن صِحَّة معقده عَلَىٰ أساس الملازمة بينهما لاستحالة خطأ الجميع، فَمَن يؤمن بالاستحالة يجب أن يُرى أَنَّهُ ل يؤمن بها فِي خصوص الإجماع البسيط، أم يؤمن بها حتَّى فِي الإجماع الْمُرَكَّب؟ فعلى الثَّانِي يُلتزم بنفي القول الثَّالِث فِي المقام، بخلافه عَلَىٰ الأَوَّل.
 5)- وَأَمَّا إن بنينا عَلَىٰ ما هو الصَّحِيح من أن كشف الإجماع عن صِحَّة معقده قائم عَلَىٰ أساس حِسَاب الاِحْتِمَالاَتِ وتعاضد القرائن الناقصة بعضها بالبعض، فهذا لا يأتي فِي الإجماع الْمُرَكَّب؛ لأَنَّنَا قد أحرزنا خطأ أحد القولين؛ فقد خسرنا إذن قسماً من القرائن الناقصة الدخيلة حسب الفرض فِي تَمَامِيَّة كاشفية الإجماع، والمفروض أنهم لم يتفقوا عَلَىٰ نفي القول الثَّالِث بِغَضِّ النَّظَرِ عمّا اختاروه كي يبقى الكشف عن نفي القول الثَّالِث ثابتاً رغم الخطأ فِي أحد القولين.
 إذن، فعلى مبنانا لا يكون الإجماع الْمُرَكَّب حجة فِي نفي القول الثَّالِث فِي هذه الصُّورَة؛ لأَنَّ حُجِّيَّة الإجماع إِنَّمَا هي باعتبار كشفه الناشئ من تجمّع الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة لعدم الخطأ، وفي المقام نعلم بالخطأ عند أحد الفريقين المتنازعين، وهذا يعني أننا نعلم أن الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة الموجودة فِي مجموع الفتاوى لنفي القول الثَّالِث قسم منها غير مصيب للواقع جزماً، للعلم بكذبه نتيجة التنازع الموجود، وهذا لا يؤدي إلى تقليل الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة للإجماع الْمُرَكَّب عن الإجماع البسيط كمّاً فقط، بل وكيفاً أَيْضاً؛ وذلك للتعارض وكون كُلّ قيمة احتمالية لأحد القولين منفيا بالقيمة الاِحْتِمَالِيَّة للقول الآخر المخالف له، وكذلك تكون الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة لنفي القول الثَّالِث؛ فَإِنَّ الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة لنفي القول الثَّالِث اللازمة لأحد القولين منفية بالقيمة الاِحْتِمَالِيَّة للقول المخالف.
 وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة لِكُلّ من القولين مع لازمه (وهو نفي القول الثَّالِث) منفية بالقيمة الاِحْتِمَالِيَّة للقول الآخر.
 إذن، فلا يمكن أن تدخل الْقِيمَة الاِحْتِمَالِيَّة كُلّهَا فِي تكوين الكشف للإجماع الْمُرَكَّب، بسبب التعارض الموجود بينها كما هو واضح.
 هذا تمام الْكَلاَم فِي الجهة الثَّانية من جهات البحث الثلاث، أي: البحث عن الإجماع المحصّل الْمُرَكَّب، وقد عرفت أَنَّهُ لَيْسَ حجّة عَلَىٰ مبنانا فِي نفي القول الثَّالِث وليس كَاشِفاً عنه.
 بعد ذلك ننتقل - إِنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَى - إلى الجهة الثَّالثة وهي البحث عن الإجماع المنقول.