الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع الْمُرَكَّب/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 فَمَثَلاً فِي الجاهل بالحكم قام الإجماع عَلَىٰ أَنَّهُ معذور فِي الجهر والإخفات والقدر المتيقن من معقده القراءة فِي الركعتين الأوليين، وما زاد عَلَىٰ القراءة فِي الركعتين الأوليين يشمله المعقد بإطلاقه.
 وأيضا الْقَدْر الْمُتَيَقَّن من معقده هو الجهل الخالص، وما زاد عليه وهو الجهل المقترن بالعلم الإجمالي بوجوب الجهر فِي بعض الفرائض والإخفات فِي البعض الآخر مِنْ دُونِ معرفتهما تفصيلاً يشمله المعقد بإطلاقه.
 ومثال آخر: قيام الإجماع عَلَىٰ ثبوت الخُمس فِي أرباح المكاسب، والقدر المتيقَّن من معقده إِنَّمَا هو بعد المؤونة واستثنائها، وما زاد عليه وهو ما قبل استثناء المؤونة يشمله المعقد بإطلاقه، وهكذا فِي سائر الأمثلة، فهل المقدار الَّذِي يثبت بالإجماع خصوص الْقَدْر الْمُتَيَقَّن أم يشمل ما زاد عليه أَيْضاً؟
 والجواب أن كشف الإجماع لما كان قَائِماً عَلَىٰ أساس تجمّع أنظار أهل الفتوى عَلَىٰ قَضِيَّة واحدة، فلذا يختص هذا الكشف بالقدر المتيقن والمتفق عليه فلا يَتُِمّ الإجماع إلا بِالنِّسْبَةِ لذاك المقدار، والنكتة هي أن كاشفة الإجماع عن الْقَدْر الْمُتَيَقَّن لمعقده أقوى من كَاشِفِيَّته عن إطلاق المعقد رغم كون الإجماع قَائِماً عَلَىٰ المطلق؛ فَإِنَّ كشف الإجماع عن أصل الحكم بنحو الْقَضِيَّة المهملة أقوى دَائِماً من كشفه عن الإطلاقات التفصيلية للحكم؛ وذلك لما عرفناه سابقاً من أن كشف الإجماع يعتمد عَلَىٰ ما يشير إليه من الاِرْتِكَاز فِي طبقة الرواة وأمثالهم.
 وحينما نلاحظ الاِرْتِكَاز المكتشَف بالإجماع نجد أن احتمال وقوع الخطأ فِي تشخيص حدود هذا الاِرْتِكَاز وامتداداته مِنْ قِبَلِ الْمُجْمِعِينَ أقوى نسبيا من احتمال خطئهم فِي أصل إدراك ذاك الاِرْتِكَاز وتشخيصه؛ فَإِنَّ الاِرْتِكَاز أمر معنوي غير منصبّ فِي ألفاظ محددَّة؛ فقد يكتنف الغموض بعض امتداداته وإطلاقاته، وهذا بخلاف أصله؛ فَإِنَّهُ واضح مشخَّص غير غامض.
 هذا تمام الْكَلاَم فِي الجهة الأولى من جهات البحث الثلاث، أي: البحث عن الإجماع المحصَّل البسيط، وقد عرفت أَنَّهُ حجة فِي الجملة.
 
 الجهة الثَّانية: الإجماع المركَّب
 وَأَمَّا الجهة الثَّانية (أي: البحث عن الإجماع المحصَّل الْمُرَكَّب) كما إذا تتّبع الفقيه بنفسه أقوال الفقهاء فِي مسألة صلاة الجمعة فِي عصر الغيبة، فوجدهم منقسمين إلى قولين فقط، فهناك مَن يقول منهم بالوجوب، وهناك مَن يقول منهم بالاستصحاب، ولا يوجد قول ثالث فِي المسألة (كالقول بالحرمة مثلاً) فهذا معناه أن كلا الطرفين متفق عَلَىٰ نفي القول الثَّالِث، أي: عَلَىٰ عدم الْحُرْمَة. فالإجماع عَلَىٰ نفي القول الثَّالِث وعدم الْحُرْمَة مركب من القائلين بالوجوب والقائلين بالاستصحاب، فهل هذا الإجماع حجة لدى الفقيه الَّذِي استحصله لنفي القول الثَّالِث ولإثبات عدم الْحُرْمَة بحيث يصلح له أن يستند إلى رأي مجموع الفقهاء المختلفين حول الوجوب والاستصحاب ويُفتي بعدم الْحُرْمَة نَظَراً إلى أَنَّهُ لم يقل بها أحد منهم، أم لا؟ هنا صورتان:
 الأولى: أن نفترض أن كلاًّ من القائلين بالوجوب والقائلين بالاستصحاب ينفي القول الثَّالِث (أعني القول بالحرمة بقطع النَّظَر عن قوله)، أي بصورة مستقلة عن تبيّنه لرأيه، بحيث حتَّى لو شَكّ فِي رأيه الَّذِي اختاره وتبنّاه لا يشك فِي نفي القول الثَّالِث، فكل واحد من هؤلاء الفقهاء الْمُجْمِعِينَ عَلَىٰ عدم الْحُرْمَة يبني عَلَىٰ عدم الْحُرْمَة حتَّى لو كان خاطئاً فِي اختياريه الوجوب أو الاستصحاب.
 الثَّانية: أن نفترض أن كُلّ واحد منهم إِنَّمَا ينفي القول الثَّالِث بلحاظ أَنَّهُ قد تبنّى القول بالوجوب أو القول بالاستصحاب، فنفيه للقول الثَّالِث مرتبط بإثبات ما تبنّاه من رأي، بحيث لو شَكّ فِي رأيه الَّذِي اختاره فلم يعلم القائل بالوجوب أن الوجوب صحيح أم لا لَشَكَّ حتَّى فِي نفي القول الثَّالِث ولاحتمَلَ الْحُرْمَةَ، وكذلك لو لم يعلم القائل بالاستصحاب أن الاستصحاب صحيح أم لا لشكّ فِي نفي الْحُرْمَة ولاحتمَلَ الْحُرْمَةَ؛ لأَنَّ نفي كُلّ واحد للقول الثَّالِث (أي: الْحُرْمَة) كان فِي طول اختياره الوجوب أو اختياره الاستحباب من باب استلزام القول بالوجوب أو بالاستحباب نفي الْحُرْمَة، فهو لا يبني عَلَىٰ عدم الْحُرْمَة مُطْلَقاً حتَّى لو كان خاطئاً فِي اختياره الوجوب أو الاستحباب، بل يبني عَلَىٰ ذلك لأنه يرىٰ نفسه مصيباً فِي اختياره الوجوب أو الاستحباب.