الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: تنبيهات مُقَدَّمَات الْحِكْمَةِ/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 إذن، فالإطلاق الْمَقَامِيّ باعتبار كونه مرتبطاً بمرامٍ وحكمٍ آخر علاوةً عَلَىٰ مدلول الكلام تكون الاستفادة منه مُبْتَنِيَة عَلَىٰ عناية زائدة ومقام بيان خاصّ أكثر مما قد أبرزه الكلام الَّذِي تكلم به. أي: أن الإِطْلاَق الْمَقَامِيّ يصبح بحاجة إلى عناية زائدة وقرينة خاصة عَلَىٰ أَنَّهُ فِي مقام بيان ذلك المرام الآخر وتلك الجهة وَالْحَيْثِيَّة التي لم يُبرزها الْمُتَكَلِّم بكلامه الأَوَّل الَّذِي تكلم به، وهذه القرينة فِي الإِطْلاَق الْمَقَامِيّ عَلَىٰ نحوين:
 النحو الأَوَّل: أَنْ تَكُونَ لفظية إما صريحة أو تُفهم من ظاهر حال المتلفِّظ، كما لو قال الإمام عليه السلام: «ألا أعلمكم الوضوء»؟ وهناك عَبَائِر وكلمات أقل من هذه يمكن أن يُسْتَظْهَر منها أَنَّهُ فِي مقام بيان المرام الآخر واستيعاب أجزاء الوضوء، ومعرفة هذه القرائن اللَّفْظِيَّة منوطةٌ باستظهار الفقيه من الرواية فِي كُلّ مورد بخصوصه؛ فإن تَمَّ ذلك تَمَّ الإِطْلاَق الْمَقَامِيّ.
 النحو الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ غير لَفْظِيَّةٍ وهي عبارة عن اقتضاء شأن الشارع الأقدس فتكون دلالتها من نوع دلالة الاقتضاء، لا من نوع دلالة الألفاظ، كما إذا فرض أن جُزْءاً من الأجزاء كان مِمَّا يُغفلُ عنه عَادَةً بحسب نوعه، بحيث لو لَمْ يُبَيِّنْهُ الشَّارِعُ بنفسه لم يَلْتَفِت إليه عَامَّة الناس ليسألوا الشَّارِع عنه؛ لعدم خطور احتمال دخله فِي مراد الشَّارِع عَلَىٰ الأذهان العادية، وإن كان هو مِمَّا يخطر عَلَىٰ الأذهان تَصَوُّراً، كقصد القربة مثلاً، وقد يكون هو أَيْضاً مِمَّا لا يخطر حتَّى تَصَوُّراً عَلَىٰ أذهانهم وَإِنَّمَا يَلْتَفِت إليه الأصوليون والفقهاء كقصد الوجه أو التَّمْيِيز؛ فَإِنَّهُ فِي مثل هذه الموارد تَتُِمّ دلالةُ الاقتضاء فيقال: إن ما يناسب شأن الشَّارِع ويقتضيه هو بيان دخل هذا الجزء فِي مراده لو كان حَقّاً جُزْءاً، فحيث لَمْ يُبَيِّن ذلك فِي كلامه وسكت عنه نَتَمَسَّكُ بالإطلاق الْمَقَامِيِّ لكلامه لنفي الْجُزْئِيَّة؛ فإن نفس اقتضاء شأن الشَّارِع مع سكوته عن الْجُزْئِيَّة يَدُلّ بالالتزام عَلَىٰ عدم الْجُزْئِيَّة، وَإلاَّ لكان خلف ما يقتضيه شأنه.
 وعندما نقول هنا: «إننا نَتَمَسَّك بالإطلاق الْمَقَامِيّ لكلام المولى لا نقصد التمسك بكلام واحد من كلماته وخطاب واحد من خطاباته، بل نقصد التمسك بمجموع كلماته وخطاباته بأن نقول: إن مجموع الكلمات والخطابات الواصلة إلينا من الشَّارِع لَيْسَ فيها أي إشارة إلى جزئية التَّمْيِيز أو قصد الوجه مثلاً، ونضمّ إلى ذلك الاطمئنان بعدم وجود إشارة إليهما فِي رواية أخرى لم تصلنا واختفت علينا لعلّةٍ مّا، فيَتُِمّ الإِطْلاَق الْمَقَامِيّ.
 هذا تمام الكلام فِي التَّنْبِيه الخامس، وبذلك تَمَّ الكلام فِي تنبيهات مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ. وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام فِي الجهة الثَّانية من جهتي البحث وهي الجهة الْمُتَكَفِّلَة للبحث عن مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ، وبه تَمَّ الكلام فِي بحث دلالة المطلق وهو البحث الخامس والعشرون من بحوث دلالات الدَّلِيل الشرعي اللفظي، وهذا البحث هو الأخير من هذه البحوث، وبذلك نكون قد استكملنا كُلّ دلالات الدَّلِيل الشَّرْعِيّ اللَّفْظِيّ.
 وأما البحوث المرتبطة بالتخصيص (والتي ذكرها الأصحاب فِي بحث الْعَامّ والخاص) وكذلك الْبُحُوث المرتبطة بالتقييد (والتي ذكروها فِي بحث المطلق وَالْمُقَيَّد) وكذلك بحث المجمل والمبيّن، فالأنسب حسب تقسيمنا لمباحث علم الأُصُول إيكالها إلى بحث التعارض؛ فإن هذه البحوث هي فِي الواقع تحاول الإجابةً عن هذا السؤال وهو أَنَّهُ إذا ورد دليلان أحدهما عام والآخر خاصّ، أو أحدهما مطلق والآخر مُقَيَّد، أو أحدهما مجمل والآخر مُبَيَّن، فما هو الحلّ؟ فهي بحوث مرتبطة بتعارض دليلين، فلا معنى للتعرض لها فِي ضمن بحوث الدلالات.
 وعليه، فقد قمنا لحدّ الآن بتحديد دلالات الأَدِلَّة الشرعيّة اللَّفْظِيَّة واستوعبناها، وبذلك تَمَّ البحث الأَوَّل من بحوث الفصل الأَوَّل السّتّة بحمد الله، ويتلوه بعد ذلك بعون الله ومشيئته البحث الثَّانِي فِي تحديد دلالات الأَدِلَّة الشرعية غير اللَّفْظِيَّة.