الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم اللقب والوصف

البحث العشرون

البحث عن مفهوم اللقب والوصف

 البحث العشرون من بحوث دلالات الدليل الشرعي اللفظي هو البحث عن دلالة اللقب والعدد على المفهوم. فهل أن القضية المشتملة على اللقب من قبيل: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» أو «بيد الزوج» تدلّ على المفهوم؟ وتدلّ على أنَّه لا طلاق أبداً بيد غير الزوج؟ أي: هل تدلّ على انتفاء سنخ الحكم وكليه وطبيعيه بانتفاء اللقب والزوج. أي: لا يصح طلاق غير الزوج بتاتاً.

 وكذلك القضية المشتملة على العدد، في مثل: «أطعم ستين مسكيناً»، فهل تدلّ هذه القضية على انتفاء وجوب الإطعام عند انتفاء هذا العدد؟ أي: في غير عدد الستين. هل تدلّ على أنَّه لا يجب إطعام عدد آخر من المساكين غير عدد الستين أو لا؟

وقبل أن نبدأ ونشرع في صلب البحث لا بأس بتوضيح المراد من اللقب وكذلك المراد من العدد في هذا البحث الأصولي:

أما اللقب: فله معنى مصطلح وهو عبارة عن العَلَم الذي فيه مدحٌ أو ذمٌّ. مثل «المحمود» فهو علم فيه المدح، أو مثل «البطة» فهو عَلَم فيه ذمّ. فاللقب هو كل عَلَم فيه المدح أو الذم؛ لأن العَلَم على ثلاثة أقسام:

الكُنية: وهي العَلَم المُصَدَّر بأب أو أم أو ابن، مثل أبي ذر وابن أبي عمير وأم كلثوم. اللَّقب: فهو العَلَم الذي لا يُصَدَّرُ بالأب أو الأم أو الابن، ولكن فيه مدح أو ذمّ. عَلَم محض: هو الذي لا يكون كُنية ولا لقباً كالحسن والحسين وزيد وعمرو.

 إلا أن المراد من اللقب في هذا البحث الأصول ليس خصوص هذا المعنى المصطلح الضيّق، بل المراد منه أعمّ من اللّقب المصطلح، فهو مطلق ما يُعبَّر به عن الذّات أو الشَّيْء ويقابل الوصف فهو اللّقب، سواء كان اسم جنس (مثل الرجل والمرأة) أم كان عَلَماً محضاً (كأسماء الأعلام الشخصية مثل الحسن والحسين وزيد وعمر) أم كان كنيةً (مثل أبي الحسن وأم الحسن) أم كان لقباً اصطلاحياً (مثل المحمود والبطة) وسواء كان العَلَم المحض اسماً جامداً (مثل زيد وعمرو) أم كان اسماً مشتقاً لكنه أصبح حالياً علماً لا يُراد منه معناه الوصفي والاشتقاقي (مثل الباقر والصادق). فكل هذه الأسماء تدخل في دائرة اللقب في المصطلح الأصولي.

 وأمّا العدد فله معنى مصطلح أيضاً، وهو ما قيل من أنَّه: نِصفُ مجموعِ حاشيته وطرفَيْهِ (مثل الثلاثة، فإن طرفيها الاثنان والأربعة، وبمجموعهما يشكلان الستةَ التي تكون الثلاثة نصفها.

 ولكننا لا نتقيد في هذا البحث الأصولي بهذا التعريف؛ فإن المراد من العدد في المقام ليس خصوص هذا المعنى المصطلح، بل المراد منه ما يعمّ حتى الواحد، وإن لم ينطبق عليه هذا التعريف([1] ).

 إذن، فهل تدلّ جملة «الطلاق بيد الزوج» على المفهوم، أي: انتفاء سنخ الحكم (سنخ صحَّة الطلاق) بسبب انتفاء الزوج، أي: هل يدلّ على بطلان أي طلاق من قبل غير الزوج؟

 فلو أتى دليل آخر ودل على صحَّة طلاق الحاكم الشرعي يتعارضان فيكون الدليل الآخر مخصِّصاً للدليل الأوّل (= المفهوم) أو أساساً ليس له مفهوم فلا يتعارضان.

 وكذلك بالنسبة للعدد، فإن «أطعم ستين مسكيناً» هل يدل على عدم وجوب إكرام أعداد أخرى غير الستين، مثل 59 أو 61.

 فلو دلَّ دليل آخر على إطعام عشرة مساكين مثلاً فيكون معارضاً للدليل الأوّل (=المفهوم) أو ليس له مفهوم يدلّ على انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء هذا العدد المعيّن.

الجواب هو النفي، فإنه لا شيء من اللقب ولا من العدد يدل على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة. نعم هما يدلان على المفهوم بنحو السالبة الجزئية. إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه فعندما يقول: «الطلاق بيد الزوج» يدل على المفهوم بنحو السالبة الجزئية، أي: يدلّ على عدم صحَّة الطلاق من قِبَل بعض الأفراد الآخرين من غير الزوج قطعاً. ولكن لا يدلّ على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة، أي: كل غير الزوج لا يصح طلاقه بحيث حتى يشمل الحاكم الشرعي. فهذا المفهوم الكلّي مرفوض.

 وكذلك العدد حيث يدلّ على المفهوم بنحو السالبة الجزئية، أي: يدلّ على أن بعض الأفراد الأخرى غير الستين لا يجب إطعامهم، ولكن لا يدلّ على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة بأن يكون مفاده: كل عدد غير الستين لا يجب إكرامه. فحال العدد واللقب حال الوصف تماماً. إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه فكما قلنا في الوصف أنَّه لا يدلّ على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة وكذلك نقول بذلك في الجملة اللّقبيّة والعددية.

 والنكتة في عدم الدلالة على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة وكذلك النُّكتة في الدلالة على المفهوم بنحو السالبة الجزئية هو النُّكتة نفسها التي ذكرناها في باب الوصف، فكل ما قلناه في الوصف يجري هنا حرفاً بحرف.

 ولأجل التوضيح ولكن بالاختصار نقول:

 تقدّم في بحث مفهوم الشَّرْط وكذلك في بحث مفهوم الوصف أن اقتناص المفهوم له أحد طريقين:

الطريق الأوّل: اقتناص المفهوم بنحو الدلالة التصورية.

الطريق الثَّاني: اقتناص المفهوم بنحو الدلالة التصديقية.

 وقلنا إن لكل من الطَّريقَين والأسلوبين مقدمات وشروطاً، وعليه فلا بُدّ من ملاحظة الجملة المشتملة على العدد أو اللقب، كي نرى مدى انطباق تلك المقدمات عليها.

 هل يمكن أن نسلك الطريق الأوّل لاقتناص المفهوم هنا في باب اللقب والعدد؟

 ثم هل يمكن أن نسلك الطريق الثَّاني لاقتناص المفهوم هنا أم لا؟

الجواب هو عدم إمكان سلوك أي من الطَّريقَين هنا، وذلك:

أما الطريق الأوّل (أخذ المفهوم من الدلالة التصورية للكلام) فالسَّبب هو أن دلالة الجملة تصوّراً على المفهوم متوقف على شرطين كما تقدّم:

أولاً: أن تدل الجملة على الربط التوقفي بين الحكم من جهة وبين شيء آخر (مثل الشَّرْط أو الوصف أو اللقب أو العدد) غير الربط التوقفي الثابت بين الحكم وموضوعه. وإلا فإن الربط بين الحكم والموضوع لا ينتج الموضوع كما تقدّم مراراً. إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه طبعاً علاقة الحكم بالموضوع سنخ علاقة إذا انتفى الموضوع ينتفي الحكم، لكن انتفاء الحكم بسبب انتفاء موضوعه ليس مفهوماً اصطلاحياً في علم الأصول، كما قلنا في القضايا الشَّرْطِيَّة المصوغة لبيان الموضوع مثل «إن رُزقت ولداً فاختنه» فقد تقدّم أن هذه القضية لا تدلّ على المفهوم الأصولي المصطلح (= انتفاء الحكم عن الموضوع بسبب انتفاء شيء آخر)، وإن كانت تدلّ على أنَّه إن لم ترزق ولداً لا يجب الخِتان، لكن لا يجب الختان حينئذٍ من باب أنَّه لا موضوع لوجوب الختان؛ فإن الموضوع إذا انتفى ينتفي حكمه قهراً وعقلاً.

 فلا بُدّ من أن تدل الجملة تصوّراً على ربط توقفي بين الحكم وبين شيء آخر غير الربط التوقفي الثابت بين الحكم وموضوعه. هذا هو الشَّرْط الأوّل.

وثانياً: أن تدل الجملة على أن المتوقِّف على ذاك الشَّيْء الآخر طبيعيُّ الحكم وسنخه لا شخصه.

 فهذان الشرطان ذكرناهما سابقاً لكي نقتنص المفهوم من الجملة على نحو الدلالة التصورية.

 فهل هذان الشرطان متوفران في المقام؟

الجواب: كلا. ليس شيء منهما متوفراً، وذلك:

أما الشَّرْط الأوّل (الدلالة التصورية على الربط التوقفي) فغير موجود وذلك:

أولاً: لشهادة الوجدان العرفي واللغوي الموجود لدى أي ابن لغة بأن قوله: «الطلاق بيد الزوج» لا يدل تصوّراً (عندما يسمعه السامعُ) على ربط توقفي بين الحكم (صحَّة الطلاق) وبين الزوجية، غير الربط التوقفي الموجود بين الحكم والموضوع.

 وكذلك في قوله: «أطعم ستين مسكيناً» لا نفهم منها إلا الربط القائم بين الحكم (الوجوب) من جهة وبين موضوع الوجوب (إطعام ستين مسكيناً)، ولا يوجد ربط آخر غير هذا الربط الموجود بين الحكم وموضوعه.

وثانياً: حتى لو قطعنا النظر عن الوجدان فلا نجد في الجملة اللّقبيّة ولا في الجملة العددية ما يدل أو ما يمكن أن يدل على التوقف. فكل ما يكرر النظر ويرجع البصر لا يرى في هذه الجملة ما يمكن أن يدلّ على التوقف لا بمفهومه الاسمي ولا بمفهومه الحرفي.

 أما المفهوم الاسمي فمن الواضح أنَّه لا يوجد مفهوم اسمي في هذه الجملة يدل على التوقف مثل التوقف أو المتوقف.

 وأمّا المفهوم الحرفي (النسبة التوقفية) فلأن ما يدل على النسبة عبارة عن الحرف أو الهيئة، فإن «الطلاق بيد الزوج» لا توجد فيها ما يمكن أن يكون دالاً على النسبة التوقفية، فالموجود فيها هو هيئة الجملة الكاملة، وهيئة الجملة الناقصة التي هي داخل الجملة التَّامَّة، وهي هيئة المضاف والمضاف إليه وهي «يد الزوج». فالهيئة بين اليد وبين الزوج نسبة ناقصة وقد تقدّم مراراً أن النسبة الناقصة تجعل الكلمتين كلمة واحدةً، وأمّا هيئة مجموع الجملة فتدل على نسبة تامة، لكن نسبة تامة بين طرفين. بين الحكم وهو عبارة عن الصّحّة والنفوذ والامضاء والطرف الآخر عبارة عن طلاق الزوج.

 نعم، هذه النسبة التَّامَّة نسبة توقفية، لكنها ليست نسبة تامة زائدةً على توقف الحكم على الموضوع. فهذا ليس هو المطلوب.

 وكذلك في الجملة العددية، فعندنا نقول: «أطعم ستين مسكيناً» فلا توجد فيها ما يدل على التوقف بمعناه الاسمي وهو واضح. ولا ما يدل على التوقف بمعناه الحرفي، لأن ما يدل على التوقف بالمعنى الحرفي عبارة عن الهيئة. هيئة «أطعم» أو هيئة مجموع« أطعم ستين مسكيناً»؟ هيئة مجموع الجملة تدل على نسبة إرسالية تامّة ولكن بين المرسَل (المكلف والمخاطَب) والمرسَل إليه (إطعام مُحَصَّص) وهو إطعام ستين مسكيناً (كل هذا طرف من النسبة).

 فالجملة تدلّ على نسبة تامة مُحَصَّصَة ومقيدة بهذا اللّقب أو هذا العدد. فلا تدلّ الجملة على نسبة توقفية بين الحكم (= الوجوب) وبين الموضوع (إطعام ستين مسكيناً) زائداً على توقف الحكم على موضوعه. بل هو عين توقف الحكم على موضوعه. فإذا انتفى عدد الستين فقد انتفى الموضوع وإذا انتفى الموضوع فقد انتفى الحكم قهراً وعقلاً. فلا دلالة في هذه الجملة على النسبة التوقفية التي نحتاجها لإثبات المفهوم.

 فالشرط الأوّل (أن تدل الجملة على التوقف بين الحكم وبين شيء آخر زائداً على توقف الحكم على موضوعه) منتفٍ في المقام.

وأمّا الشَّرْط الثَّاني (أن تدل الجملة على أن المتوقِّف عبارة عن طبيعي الحكم وسنخه) فهو أيضاً غير متوفر في الجملة اللّقبيّة وكذلك في الجملة العددية؛ لأن هذا الشَّرْط إنّما يتم من خلال إجراء الإطلاق في المتوقِّف وقد تقدّم في التنبيه الخامس من تنبيهات المفهوم الشَّرْط أن إجراء الإطلاق في المتوقِّف إنّما يتمّ فيما إذا كانت النسبة بين الحكم والقيد نسبة تامةً، إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه كما في الجملة الشَّرْطِيَّة. وأمّا إذا كانت ناقصة فلا يجري الإطلاق، لأن النسبة الناقصة مندكة في النسبة التَّامَّة ومأخوذة طرفاً في النسبة التَّامَّة التَّامَّة، فهي محصصة للنسبة التَّامَّة، فيدل الكلام بمجموعه على نسبة تامة محصَّصة. فإن جملة «الطلاق بيد الزوج» بأكملها تدلّ على نسبة تامة محصصة، أي: حصّة من الحكم الشرعي، وحصة من الصّحّة ثابتة لطلاق الزوج. وإذا انتفى الزوجية (أي: شخص آخر أراد أن يطلِّق) فتنتفي هذه الحِصَّة من الطلاق، ولكن قد تثبت حصّة أخرى لصحة الطلاق، مثل طلاق الحاكم الشرعي.

 إذن، فلا يمكن إجراء الإطلاق في المتوقف حتى لو أثبتنا أن الجملة تدلّ على التوقف؛ لأن الكلام لا يدل إلا على حصّة من الصّحّة والإطلاق لا يجري في الحِصَّة.

 وكذلك الجملة العددية. وللكلام تتمة تأتي غداً إن شاء الله - تعالى -.

[1] - والصفر وما دونه (مثل ناقص واحد = «1-») ليس عدداً وإنَّما هو تركيب، وأمّا درجات الحرارة فالصفر يمثّل درجة الانجماد وما دون الصفر درجات عُبّر فيها عما دون الانجماد بناقص واحد وناقص اثنين وهكذا..