الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم الوصف

 كان الكلام في البيانات والوجوه المذكورة من قبل الأصحاب لإثبات أن لا مفهوم للوصف. فكان البيان الأول هو ما ذكره المحقّق العراقي فاستعرضناه مفصلاً وأوردنا عليه ما يخطر بالبال تجاهه.

البيان الثاني: ما جاء في كلمات المحقّق النائيني ره على ما في تقريرات بحثه المضطربة التي يظهر من صدرها مطلب، ومن ذيلها مطلب آخر، بحيث يُفهم من مجموع ذلك وجود ضابطين لإثبات المفهوم للوصف، إن تمَّ أحدهما ثبت المفهوم، وإلا فلا.

 فأمّا المطلب الأول الذي استَهَلَّ به كلامه، فحاصله هو أن ثبوت المفهوم للوصف منوط بتحقيق أن الوصف في الجملة الوصفية - مثل قولنا: >أكرم الفقير العادل< هل أُخِذ قيداً للحكم نفسه مباشرةً، أم أُخِذ قيداً لموضوعه ومتعلّقه؟

 فعلى الثاني لا مفهوم للوصف؛ إذ معنى كون الوصف قيداً للموضوع والمتعلق هو أن الحكم قد طرأ على المقيَّد بما هو مقيَّد. أي: هذه الحصة الخاصّة من الإكرام - وهي عبارة عن إكرام الفقير العادل - وقعت موضوعاً ومتعلَّقاً للحكم. ومن الواضح أن ثبوت الحكم لموضوعٍ لا يدل على انتفاء الحكم عن غير الموضوع، فيكون الوصف نظير اللقب الذي لا يدل على أكثر من ثبوت الحكم له، فغاية ما تدل عليه الجملة الوصفية ثبوت الحكم لهذا المقيَّد بالوصف، وهذا لا يعني انتفاء الحكم عن غيره.

 وعلى الأول - بناءًا على إمكان تقييد الحكم ومفاد الهيئة كما حُقِّق في محلّه - يثبت المفهوم للوصف؛ لأن الحكم إذا قُيِّد بالوصف انتفى بانتفائه؛ لأن المقيَّد ينتفي إذا انتفى قيده، وهذا هو المفهوم.

 وحيث أن الظاهر عرفاً من القضايا الوصفية هو الثاني، أي: رجوع الوصف إلى الموضوع وكونه قيداً لمتعلق الحكم، لا لنفس الحكم، فلا مجال حينئذٍ لتوهّم ثبوت المفهوم فيها[1]

).

 هذا هو الضابط الأول - لمفهوم الوصف - الذي يفهم من صدر كلامه ره وهو أن يكون الوصف قيداً لنفس الحكم.

وقد يناقش فيه بعدم إمكان رجوع القيد إلى الحكم؛ إذ لابد من تناسب القيد والمقيَّد، ووصف العدالة مثلاً في المثال المتقدم لا يناسب أن يكون قيداً للوجوب، وإنما يناسب أن يكون قيداً لموضوع الوجوب ومتعلّقه.

 لكن بالإمكان الجواب عن ذلك بأنه ممكن ولو بنوعٍ من التأويل، بأن يكون الحكم مقيّداً بكونه في زمان تحقق العدالة. نعم هو خلاف الظاهر عرفاً كما قال رحمه الله.

إلا أن أصل ما ذكره ره من أن الوصف إذا كان قيداً للحكم دل على المفهوم غير تام، وقد ظهرت المناقشة فيه مما ذكرناه في البيان الصحيح الذي قدّمناه لعدم دلالة المفهوم على الوصف، - إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه - وأيضاً في ما ذكرناه سابقاً عند بيان ضابط المفهوم، وكذلك في بحث مفهوم الشرط - في التنبيه الأول وفي التنبيه الخامس - فقد قلنا سابقاً: إن مجرّد كون القيد قيداً للحكم لا يكفي وحده لإثبات المفهوم ما لم نُثبت أن المقيَّد هو طبيعي الحكم وسنخه، وإلا فتقييد شخص الحكم بقيد لا يحقق المفهوم كما هو واضح.

 وإثبات كون المقيّد هو طبيعي الحكم متوقف على إجراء مقدمات الحكمة، وإجراؤها متوقف على أن يكون تقييد الحكم بالقيد من خلال نسبة تامّة لا ناقصة، بينما النسبة هنا نسبة ناقصة دلّت عليها هيئة الجملة الناقصة التي هي جملة الوصف والموصوف - كما وضّحناه في البيان الصحيح الذي قدّمناه - ولا توجد هنا في الجملة الوصفية نسبة تامّة سوى نسبة واحدة محصَّصة ومقيِّدة، وهي النسبة القائمة بين المرسَل (أي: المخاطب) والمرسَل إليه (وهو إكرام الفقير العادل)، والإطلاق لا يجري في الحصة الخاصّة، فكيف نثبت أن المقيَّد بالوصف طبيعي الحكم وسخنه؟ وبالتالي فكيف نثبت المفهوم؟

 إذن، فكون الوصف قيداً راجعاً إلى الحكم لا يكفي وحده لاقتناص المفهوم؛ ولهذا قلنا في بحث مفهوم الشرط - في التنبيه الخامس -: إن القيد المذكور للحكم بغير لسان الشرط - كقولنا: >صل عند الزوال - لا مفهوم له رغم أن القيد - وهو قولنا: >عند الزوال< - راجع إلى الحكم كما هو واضح. فما أفاده المحقّق النائيني ره من أن الوصف لو كان قيداً للحكم لدلّ على المفهوم غير صحيح؛ إذ يوجد فرق كبير بين القيد الذي أصبح قيداً للحكم لنسبة تامة بينه - إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه - وبين الحكم كما في القضية الشرطية، وبين القيد الذي أصبح قيداً للحكم لنسبة ناقصة بينه وبين الحكم، كما في القيد المذكور بغير لسان الشرط وكما في القضية الوصفية.

 ففي الأول يكون مقتضى الإطلاق أن الحكم على إطلاقه مقيَّد، فينتفي سنخ الحكم بانتفاء القيد، وهذا هو المفهوم.

 وأما في الثاني كالقضية الوصفية فحتى لو كانت ظاهرة عرفاً في رجوع القيد إلى الحكم - كما إذا قال: >أكرم الفقير عند عدالته< فإنه مع ذلك لا يكون لها مفهوم؛ لأن النسبة الناقصة بين الوصف والحكم تحصّص الحكم، فبانتفاء الوصف تنتفي هذه الحصة الخاصّة من الحكم، فلا يوجد ما يدل على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف كي يثبت المفهوم.

 فليست النكتة في عدم دلالة الوصف على المفهوم ما أفاده ره من عدم كون الوصف قيداً راجعاً إلى الحكم؛ إذ لو كان راجعاً إلى الحكم أيضاً لما كان له مفهوم، لما شرحناه.

 إذن، فهذا البيان لعدم دلالة الوصف على المفهوم غير تام.

وأما المطلب الثاني الذي ذكره ره في ذيل كلامه والذي يُفهم منه وجود ضابط آخر لإثبات مفهوم الوصف، فهو أن ثبوت المفهوم للوصف منوط بكون الوصف علةً للحكم، فلو كان علّةً له دلّ على المفهوم؛ لانتفاء المعلول بانتفاء علّته، والوصف وإن كان مشعِراً بالعلية، إلا أنه لا ظهور له فيها إلا بقرينة، فلو قامت قرينة على أن الوصف علّة للحكم ثبت المفهوم.

 ولم يذكر ره الانحصار هنا، مع أنه في بحث مفهوم الشرط قَيَّد العلّة بكونها منحصرة كي يثبت المفهوم للشرط، فمقتضى إطلاق كلامه ره هنا هو أن الوصف إذا كان علّةً للحكم يثبت المفهوم له حتى وإن لم يكن علّة منحصرة؛ ولذا عَلَّق عليه السيد الأستاذ الخوئي ره هنا قائلاً: إن كون الوصف علّةً لثبوت الحكم وإن كان أمراً ممكناً في نفسه وقابلاً لقيام القرينة عليه من الخارج، إلا أن مجرّد ذلك لا يكفي في دلالة القضية على المفهوم ما لم تقم قرينة على كونه علّة منحصرة[2]

).

 فلا بد من دراسة هذا البيان الثاني لنعرف مدى صحته، وهذا ما يأتي إن شاء الله تعالى غداً.

[1] - أجود التقريرات: ج1، ص433-435.

[2] - المصدر نفسه، الهامش.