الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الجلسة الـ38

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

انتهينا من البحث الأول وهو البحث عما يقتضي الدلالةَ على عدم تداخل الأسباب.

وأما البحث الثاني وهو البحث عما يقتضي الدلالةَ على تداخل الأسباب، فالمشهور أنه عبارة عن إطلاق المادة في الجزاء، فإن «فتوضأ» جَزاءٌ في جملة «إذا نمت فتوضأ»، وله مادة وهيئة. والهيئة هي صيغة «افعل»، والمادة هي الوضوء، وهي مطلقة يقتضي إطلاقها أن يكون متعلق الأمر (متعلق الوجوب) قد تعلق بمطلق الوضوء وطبيعيه، لا بفرد خاص منه، هذا في القضية الشرطية الأولى. وكذلك القضية الشرطية الثانية، حيث يقتضي إطلاق المادة في جزائها أن يكون متعلق الأمر هو الطبيعي.

وحينئذ إما نفترض أن كل واحد من هذين الوجوبين يسبب وجوباً مستقلاً للوضوء وهو محال لاستحالة اجتماع المثلين. وإما نفترض أن كل واحد منهما قد تعلق بحصة خاصة من الوضوء، وهو خلف إطلاق المادة في الجزاء. وإما نفترض أنهما يسببان وجوباً واحداً متعلقاً بطبيعي الوضوء وهو التداخل. هذا هو المشهور.

وقد اعترف المحققُ الخراساني بهذا الظهور (إطلاق المادة في الجزاء المقتضي للتداخل)، وإن قدَّم (ره) الظهورَ الأول (وهو الحدوث عند الحدوث) الذي كان يقتضي عدم التداخل، والذي بحثنا عنه في البحث الأول. وسنذكره عند ما ندخل في البحث الثالث، ولكنه اعترف بهذا الظهور الثاني أيضاً.

أما المحقق النائيني ره فقد أنكر أساساً أن يكون في الكلام ظهورٌ (= إطلاق المادة) يدل على التداخل، ويمكن تقريبه فنياً بإنكار ما اشتهر - في المقام - من أن الإطلاق إما شمولي (= مطلق الوجود) أو بدلي (= صرف الوجود)؛ لأن الإطلاق في متعلق الأمر لا يدل إلا على أن المولى أمر بأصل الطبيعة، وغاية الأمر أنه في طول تعلق الأمر المولوي بأصل الطبيعة. أي: لطالما أن المولى أمر بالطبيعة فيحصل الامتثال من خلال الإتيان بصرف وجود الوضوء (= الإتيان بصرف الوجود هو الذي يقتضيه الأمرُ بعد أن تعلق بأصل الطبيعة)، وصرف الوجود لم يؤخذ في متعلق الأمر في رتبة سابقة على أصل الطبيعة. يعني:

توضيح ذلك: أن عنوان «صرف الوجود» لدى المشهور والمحقق النائيني، لا ينطبق إلا على الفرد الأول من الوضوء، فلا تدل عليه لا الهيئة ولا المادة. أما الهيئة فلأنها تدل على الطلب (أو بتعبير أدق: تدل على النسبة الطلبية، كما تقدم تفصيلاً في بحث الحروف والهيئات)، وأما المادة فتدل على طبيعة الوضوء. ولطالما أن الطبيعي لابد وأن تحصل خارجاً بالفرد الأول من الوضوء فيكفي في مقام امتثال أمر المولى (المتعلق بطبيعة الوضوء) الإتيانُ بالفرد الأول.

إذن، لم يتعلق الوجوبان في الشرطيتين (النوم والبول) بصرف الوجود أبداً، حتى يقال: إنه يلزم من ذلك اجتماع وجوبين ومثلين، وبما أن هذا محال فدفعاً لمحذور اجتماع المثلين لابد وأن نلتزم بأن كلا من الوجوبين تعلق بالحصة (بوضوء غير الوضوء الذي تعلق به الوجوب الآخر) وهذا يتنافى مع إطلاق المادة، لننتهي إلى أن إطلاق المادة يقتضي التداخل وثبوت وجوب واحد متعلق بطبيعي الوضوء.

فهذا ليس صحيحاً؛ إذ أن الوجوبين لم يتعلقا بشيء واحد حتى يأتي هذا النمط من التسلسل في التفكير، بل تعلقا بالطبيعة، وهذا يقتضي وجوب حصتين من الطبيعة ووضوءين، لكن هذا التحصيص والتعدد في الوضوء ليس في رتبة سابقة على الوجوب كي يكون منافياً لإطلاق المادة، بل هو في مرتبة متأخرة عن الوجوب؛ لأن الفعل الصادر من المكلف (وهو الوضوء) معلول للوجوب، والمعلول لا يتحصص ولا يتعدد بعلته في الرتبة السابقة على العلة، بل يتحصص في الرتبة المتأخرة عن العلة، كما هو الحال في تعدد العلل التكوينية.

مثلاً إذا كانت العلة هو تعدد اصطكاك حجر بحجر، فيتعدد المعلول ويحدث صوتان، ولكن لا يكون هذا التعدد في جانب المعلول في رتبة سابقة على العلة، فلا يكون كل من الاصطكاكين علةً مقتضية لحصة خاصة من الصوت، بل إن كلاً من الاصطكاكين يقتضي الصوت، لا أنه يقتضي حصة خاصة منه. لكن كل من هذين الصوتين (التعدد في الصوت) لم يكن في الرتبة السابقة على العلة، بحيث العلة (الاصطكاك) جاء وأصبح علة لحصة خاصة من الصوت، وإنما الاصطكاك علة لطبيعي الصوت، لا أنه يقتضي حصةً من الصوت غير الصوت الذي يحدثه الاصطكاك الآخر. ولكن بالمآل يحصل لكل من الاصطكاكين صوتٌ خاص، فهذا التحصيص في طول مجيء العلة، وإلا فإن قبل مجيء العلة لم يكن المعلول محصصاً ومتعدداً، فهو كان طبيعي الصوت.

كذلك فيما نحن فيه، فإن كلاً من الوجوبين (في النوم والبول) لم يتعلق بحصة من الوضوء كي تقولوا بوجوبين وعدم التداخل، فإن إطلاق مادة الجزاء لا يقتضي التداخل، لأنه منافي لإطلاق مادة الجزاء. ولم يتعلق الوجوبان بحصة خاصة من الوضوء أساساً، بل يمكن القول بحدوث وجوبين ولكن من دون القول بأنهما قد تعلقا بحصة خاصة من الوضوء، وليس التحصيص في الرتبة السابقة على الوجوب، فلم يأت الوجوب ليتعلق بوضوء متحصص، بل كل من الوجوبين متعلق بذات الطبيعة، لكن يحصل التحصيص في الوضوء في طول تعلق الوجوب بطبيعيه (ولا يتعدد الطبيعي).

وخلاصة كلام المرزا هو أن ما توهمه القائلون بهذا الظهور الثاني من أن القول بعدم التداخل ووجود وجوبين في المقام يتنافى مع إطلاق المادة، غير صحيح؛ لأننا نقول بعدم التداخل رغم احتفاظنا بإطلاق المادة في الجزاء، فإن معنى إطلاق المادة في الجزاء هو أن الأمر قد تعلق بالجزاء في كل من الشرطيتين، فلا يقتضي إطلاق المادة التداخل. هذا ما أفاده ره مع توضيح منا.

ويرد عليه أن نسبة الوجوب إلى الفعل الصادر من المكلف - أيّا كان وهو الوضوء في المقام - ليس نسبة العلة إلى المعلول، وقياس باب الوجوب بباب العلل والأسباب التكوينية قياس مع الفارق.

فإذا فرضنا أن الوجوبين قد تعلقا بحصتين فيلزم الإتيان بحصتين، أما إذا فرضنا أن الوجوبين قد تعلقا بطبيعي الوضوء فلا يلزم الإتيان بوضوءين وبحصتين. فلو فرضنا أن كلا من الوجوبين قد تعلق بذات الطبيعة - كما افترض المرزا - وأن الوجوب بنفسه ليس علة للامتثال[1] ، والعقل الذي يحكم لزوم الامتثال ويدركه (وينقدح الداعي في نفس المكلف ليقوم ويصلي أو يتوضأ)، يدركُ أيضاً وجوب تطبيق متعلق أمر المولى على مصداقه في الخارج. ومن الواضح أن كِلا المتعلقين ذات الطبيعة، فينطبقان على الوضوء الأول، فيتحقق امتثال كلا الأمرين بهذا الوضوء الأول. وهذا معناه أن الوجوبين كليهما يدعوان المكلف إلى هذا الشيء الواحد، فيلزم اجتماع مثلين على شيء واحد وهو محال. فلا يمكن أن نفترض أن الوجوبين قد تعلقا بذات الطبيعة، ومع ذلك لا يحصل التداخل.

فتحصّل أن الحق مع الآخوند، وهو الاعتراف بوجود ظهور - إطلاق المادة في الجزاء - يقتضي التداخل ولا يمكن التحفظ على إطلاق المادة في الجزاء رغم القول بعدم التداخل، فإنه يلزم منه محذور اجتماع المثلين. هذا تمام الكلام في هذا البحث الثاني.

[1] - الوجوب خلق الإرادة لكن بمعونة حكم العقل، وإلا فلو لم يكن العقل يحكم بوجوب امتثال أمر المولى فالوجوب لم يكن يحركُ عامة الناس (إلا القليلون الذين يحركون نحو الامتثال حبا بالمولى)، فلا يرتبط البحث بالسلطنة والجبر والإرادة الذي تقدم سابقاً.