الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/01/30

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

كان الكلام في تداخل الأسباب والمسببات وعدم تداخلها، وقلنا إن محل النزاع هو ما إذا كان الجزاءُ (المذكور في كل من القضيتين الشرطيتين الواردتين في الدليلين) قابلاً للتعدد، ولا معنى للبحث عن التداخل وعدم التداخل فيما إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتعدد. وفي مقام التوضيح قلنا: إن الجزاء باعتبار تعددية وعدم تعددية يقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون قابلاً للتعدد من ناحية متعلقه، وهو داخل في محل النزاع.

القسم الثاني: وهو تارة يكون قابلاً للتعدد من ناحية فاعل الجزاء وفاعل المتعلق فيما إذا لم يكن الجزاء نفسه قابلاً للتعدد، وأخرى يكون قابلاً للتعدد من ناحية خصوصية تدفع إشكال اللغوية فيما إذا تعدد الحكم. وهذا القسم داخل في محل النزاع.

القسم الثالث: فيما إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتعدد أبداً، وهو خارج عن محل النزاع. ومثاله ما إذا ورد: «إن ترك شخص الصلاة جاز للحاكم قتله»، ودليل آخر: «إن ترك شخص صيام شهر رمضان جاز للحاكم قتله»، وافترضنا أن شخصاً جلبوه إلى الحاكم وهو قد ترك الصلاة والصيام معاً. فإن الحكم في القضيتين هو جواز قتله من قبل الحاكم. فلا يعقل أن يتعدد الجزاء من ناحية المتعلق، أي: أن يقتل هذا الشخص مرتين، ولا يعقل أن يتعدد الجزاء من ناحية فاعل الجزاء الذي هو الحاكم، ولا من ناحية وجود ميزة وخصوصية ترفع محذور اللغوية الذي يلزم من تعدد الحكم (فيما إذا أثبتنا جوازين في قتل هذا الإنسان، بعد الفراغ عن إمكانية توكيد الحكمين وليس ثبوت جوازين لقتله).

مثال آخر: «من ارتد يجب قتله» و«من سب النبي وجب قلته»، واتفق والعياذ بالله أن شخصاً ارتد وسب. فهنا أيضاً الجزاء غير قابل للتعدد لا من ناحية المتعلق لأن قتله لا يتعدد ولا من ناحية الفاعل (الذي هو الحاكم) ولا من ناحية وجود خصوصية ترفع اللغوية.

بقيت هنا نكتة وهي أن ما ذكرناه من أنه كلما كان الحكم قابلاً للتعدد فيدخل في محل النزاع، هذا له شرط وهو أن لا يكون تعدد الحكم هو المتعين والحتمي والقطعي. فلا مجال هنا للبحث عن التداخل أو عدم التداخل.

مثلما إذا كان الجزاء قابلاً للتعدد من ناحية الفاعل (في القسم الثاني) فهنا جواز قتل زيد، قابل للتعدد باعتبار أن الشخص الذي يريد أن يقتل زيداً متعدد. نريد أن نقول إن هذا المثال خارج عن محل النزاع، في خصوص مثل هذا المورد وأمثاله، لأن الحكم وإن كان قابلاً للتعدد لكن تعدده قطعي، أي: يوجد جوازان لقتل زيد: جواز لقتل زيد للإنسان الذي قتل زيد أباه، وجواز آخر للذي قتل زيد ابنه. فالحكم لا محالة متعلق بحصة خاصة من قتل زيد. فلا معنى للبحث عن تداخل الأسباب ولا البحث عن تداخل المسببات.

أما الأول (لا معنى للبحث عن تداخل الأسباب) فلأنه لا شك بأنهما وَلَّدا جوازين لقتل زيد، لأن ولي الدم متعدد، ومن المقطوع أن السببين غير متداخلين، وكل سبب وَلَّد حكماً. وأما الثاني (وهو أنه لا معنى للبحث عن تداخل المسببات) لأن المخاطَب بالحكمين متعدد، فالمخاطب بالحكم الأول هو ولي الدم الأول، والمخاطَب بالحكم الثاني هو ولي الدم الثاني. فهناك تكليفان أحدهما متوجه لممتثل والتكليف الآخر متوجه إلى ممتثل آخر.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية من جهات البحث. بعد ذلك ننتقل إلى الجهة الثالثة التي هي جوهر البحث، وهي البحث عن مقتضى الأصل اللفظي، أي: ماذا نستظهر من الدليلين؟! فما هو الدليل على التداخل وما هو الدليل على عدم التداخل؟! وهذا ما يأتي في الجلسة القادمة.