الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/11/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين

الإشكال الثالث الذي أورده سيدنا الأستاذ الشهيد على كلام السيد الأستاذ الخوئي ره هو أن ما أفاده الأخير (من أن منطوق كل من الجملتين يقدم على مفهوم الجملة الأخرى، ووجه التقديم عبارة عن الأخصية. أي: منطوق هذه الجملة أخص من مفهوم تلك الجملة، وبالعكس: مفهوم هذه الجملة أخص من منطوق تلك الجملة) بيان مستقل في حد نفسه، ولم يكن بحاجة إلى أن يضم إليه الخوئي ذاك القانون العام. ثانياً إن هذا الكلام في نفسه غير صحيح؛ وذلك لأن ما قاله الخوئي ره لو تمَّ إنما يتم لو كانت العلية التامة للشرط بالنسبة إلى الجزاء في الجملة الشرطية مستفادة من الوضع، لا من الإطلاق ومقدمات الحكمة، فإنه بناء على ذلك يكون منطوق كل من الشرطيتين دالاً على أن الشرط المذكور فيها علة تامة للجزاء، وحينئذ فيكون هذا المنطوق أخص من مفهوم الجملة الأخرى، فمنطوق قوله: «إن خفي الأذان فقصّر» يدل على أن خفاء الأذان وحده علة تامة لوجوب القصر بينما مفهوم قوله: «إن خفي الجدار فقصّر» يدل على أنه إن لم يخفَ الجدار فلا يجب القصر، سواء خفي الأذان أم لا، وكذلك العكس، فإن منطوق قوله: «إن خفي الجدار فقصّر» يدل على أن خفاء الجدار وحده علة تامة لوجوب القصر، بينما مفهوم قوله: «إن خفي الأذان فقصّر» يدل على أنه إن لم يخف الأذان فلا يجب القصر، سواء خفي الجدار أم لا.

الجواب عن الإشكال: إلا أن هذا التصور غريب جداً؛ فإن الصحيح وفاقاً للسيد الأستاذ الخوئي نفسه والمحقق النائيني ره والمشهور بين المحققين هو أن الجملة الشرطية لا تدل بالوضع على أن الشرط علة تامة للجزاء، وإنما تدل كل جملة شرطية بالوضع على أصل ترتب الجزاء على الشرط، وهذا لا ينافي مفهوم الجملة الشرطية الأخرى، وأما العلية التامة فهي مستفادة من إطلاق الترتب في الجملة الشرطية، هذا الإطلاق الذي يسميه المحقق النائيني ره بالإطلاق الواوي المقابل للتقييد بـ«الواو».

وعليه فإذا كان المنطوق دالاً بالإطلاق الواوي على العلية التامة للشرط بالنسبة إلى الجزاء فلابد من ملاحظة النسبة حينئذ بين هذا الإطلاق وبين الإطلاق الموجود في المفهوم. ولدى ملاحظة النسبة بينهما نرى أنها ليست هي العموم والخصوص المطلق، بل العموم والخصوص من وجه؛ لتعارض هذين الإطلاقين في مورد، وافتراق كل منهما بمورد لا يعارضه فيه الآخر:

فمورد اجتماعهما وتعارضهما هو ما إذا تحقق أحد الشرطين دون الآخر؛ فإن تحقق مثلاً خفاء الأذان وحده، فمقتضى الإطلاق الواوي في منطوق قوله: «إن خفي الأذان فقصّر» هو وجوب القصر، بينما مقتضى الإطلاق الموجود في مفهوم قوله: «إن خفي الجدار فقصّر» هو عدم الوجوب، فيتعارضان. وإن تحقق خفاء الجدار وحده فأيضاً يتعارض الإطلاق الواوي في منطوق قوله: «إن خفي الجدار فقصّر» الدال على وجوب القصر مع الإطلاق الموجود في مفهوم قوله: «إن خفي الأذان فقصّر» الدال على عدم الوجوب.

ومورد افتراق الإطلاق الواوي في المنطوق هو ما إذا تحقق الشرطان معاً وخفي الأذان والجدار، فإن منطوق كل منهما يدل على وجوب القصر، ومفهوم الآخر لا ينفي وجوب القصر فلا يعارض المنطوق.

ومورد افتراق الإطلاق الموجود في المفهوم هو ما إذا لم يتحقق شيء من الشرطين أصلاً، فلم يخفَ الأذان ولا الجدار؛ فإن مفهوم كل منهما يدل على عدم وجوب القصر ومنطوق الآخر لا يُثبت وجوب القصر، فلا يعارض المفهوم كما هو واضح.

إذن، فإذا كانت النسبة بين منطوق كل من الجملتين ومفهوم الأخرى هي العموم والخصوص من وجه، فلا وجه لتقديم المنطوق على المفهوم في مورد التعارض - وهو خفاء أحدهما دون الآخر - لعدم المرجّح، إذ كما أن المنطوق أخص من المفهوم من وجه، كذلك المفهوم أخص من المنطوق من وجه - كما عرفت - فمقتضى الفن والصناعة هو ما أفاده المحقق النائيني ره من التساقط وعدم الاكتفاء بخفاء أحدهما خلافاً لما أفاده السيد الأستاذ الخوئي ره.

هذا تمام الكلام في الأمر الثالث الذي أورده سيدنا الأستاذ الشهيد رضوان الله عليه على كلام السيد الأستاذ الخوئي ره، فاعتراضه ره على كلام أستاذه ره غير وارد.

إذن، فقد اتضح إلى الآن أن ما أفاده المحقق النائيني ره من تكافؤ الإطلاقين المتعارضين في المقام - أعني الإطلاق الواوي والإطلاق الأوي - وتساويهما وعدم وجود مرجح لأحدهما على الآخر، فلا بد من الالتزام بتساقطهما، كلام صحيح وفني.

بقيت في المقام نقطة تجب الإشارة إليها وهي أن مورد كلامنا إنما هو عبارة عما إذا كان الحكم المرتب على الشرطين في الجملتين الشرطيتين حكماً واحداً، كما هو كذلك في مسألة وجوب القصر، حيث أن الحكم واحد واقعاً؛ فإن وجوب القصر المعلَّق على خفاء الأذان هو بعينه الوجوب المعلَّق على خفاء الجدار، ففي مثله تكون النتيجة هي أنه بناءًا على مبنى المحقق النائيني ره في إثبات مفهوم الشرط يتعارض الإطلاق الواوي والإطلاق الأوي ويتساقطان كما تقدم.

وأما إذا احتملنا تعدّد الحكم بتعدد الشرط، بأن احتملنا أن يكون وجوب القصر المعلق على خفاء الأذان غير الوجوب المعلق على خفاء الجدار، بحيث أنه إذا حصل الشرطان على خفاء الأذان غير الوجوب المعلق على خفاء الجدار، بحيث أنه إذا حصل الشرطان يثبت وجوبان للقصر، ففي مثل ذلك سوف تكون لدينا إطلاقات ثلاثة متعارضة: الإطلاق الواوي، والإطلاق الأوي، والإطلاق في المعلق. وإنما يكون التعارض ثلاثي الأطراف حينئذ بنكتة أن رفعه في هذا الفرض - وهو فرض احتمال تعدد الحكم - لا يتوقف على رفع اليد عن أحد الإطلاقين الأولين - أي الواوي والأوي - بل إذا رفعنا اليد عن الإطلاق الثالث وهو إطلاق المعلَّق يرتفع التعارض أيضاً، وهذا ما يأتي شرحه غداً إن شاء الله تعالى.