الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/11/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين

قلنا إن ما أفاده السيد الأستاذ الخوئي ره في الاعتراض على المحقق النائيني ره، أورد عليه سيدنا الأستاذ الشهيد ره بأمور:

الأمر الأول: هو أن هذا القانون العام الذي ذكره ره صحيح كبروياً، لكن لا بالمعنى الذي ذكره ره، حيث طبق هذا القانون على المثال الذي ذكره، وهذا المثال كان عبارة عن أنه ورد في دليل الأمر بإكرام العلماء، وورد في دليل آخر أنه لا يجب إكرام زيد العالم، فهو ره طبق هذا القانون على هذا المثال، بينما هذا التطبيق غير صحيح، وهذا المثال ليس مصداقاً حقيقياً من موارد هذا القانون؛ لأن شرط هذا القانون هو أن يكون التعارض والتكاذب ثنائياً، بينما في هذا المثال الذي ذكره ره التكاذب والتعارض ثلاثي. ظهور الأمر في الوجوب طرف، وظهور العلماء في العموم والشمول لزيد طرف ثان، وظهور الخاص «لا يجب إكرام زيد العالم» في مفاده. هذه أطراف ثلاثة.

فلو أراد رحمه الله بالقانون المذكور ما طبّقه على مثل هذا المثال، فيجب أن نقول في جوابه أن هذا القانون بهذا المعنى غير معقول في نفسه ويستحيل وقوعه خارجاً، بمعنى أنه لا يمكن وجود ظهورين متعارضين ووجود ظهور ثالث لو رُفع اليد عنه انحلّ التعارض بين ذينك الظهورين ومع ذلك لا يكون الظهور الثالث داخلاً في دائرة التعارض وطرفاً للمعارضة، وذلك لأنه إذا فرض وجود ظهور ثالث يكون رفع اليد عنه مستوجباً لارتفاع التعارض بين الدليلين المتعارضين وانحلاله، فلا محالة يكون التعارض ثلاثياً؛ لأن المتعارضين بمجموعهما ينفيان ذلك الظهور، وصدقهما يتنافى مع صدقه، فالظهور الثالث يكذب مجموع الظهورين، وهما أيضاً بمجموعهما يكذبانه، أي: يحصل لدينا علم إجمالي بكذب الظهور الثالث أو كذب مجموع الظهورين، وبموجب هذا العلم الإجمالي تتولّد دلالة التزامية للظهور الثالث على كذب مجموع الظهورين - وتتولد أيضاً دلالة التزامية بمجموع الظهورين على كذب الظهور الثالث طرف للمعارضة قطعاً.

وبتعبير آخر: إما أن يُفرض في هذه الحالة إمكان صدق الظهورين المتعارضين مطلقا، وإما أن يُفرض عدم إمكان صدقهما مطلقاً، وإما أن يفرض إمكان صدقهما على تقدير كذب الظهور الثالث وعدم إمكان صدقهما على تقدير صدق الظهور الثالث:

فأما الفرض الأول فهو خلف فرض التعارض بين الظهورين؛ إذ كيف يمكن صدقهما معاً وهما متعارضان؟ فالتعارض بينهما معناه عدم إمكان صدقهما كما هو واضح.

وأما الفرض الثاني فهو خلف فرض كون رفع اليد عن الظهور الثالث موجباً لارتفاع التعارض بينهما، فإن هذا معناه إمكان صدقهما لولا الظهور الثالث، أي إمكان صدقهما على تقدير كذب الثالث.

إذن، فيتعين الفرض الثالث، وهو ينتج وقوع التعارض بينهما وبينه، أي: يدلاّن بمجموعهما على كذبه، ويدل هو على كذب أحدهما على الأقل، وبالتالي يكون كل اثنين من هذه الثلاثة يكذب الثالث لا محالة.

وعليه فلا معنى للقول بأن ظهور الأمر في الوجوب - في المثال الذي ذكره ره - خارج عن دائرة التعارض، فإن هذا الظهور الذي هو الدليل الثالث طرف للمعارضة قطعاً؛ لأنه يتنافى صدقه مع صدق مجموع الظهورين الأولين وهما ظهور العام في العموم مع ظهور الخاص، وذلك بالبرهان المتقدم آنفاً، فإن صدق مجموع (الأمر بإكرام جميع العلماء وعدم وجوب إكرام زيد العالم) يتنافى مع صدق كون الأمر للوجوب كما هو واضح.

وأما ما نراه - في هذا المثال ونظائره - من أنهم يتصرفون في ظهور العام في العموم ولا يتصرفون في ظهور الأمر في الوجوب، فليس ذلك ناشئاً مما تصوره رحمه الله وافترضه من عدم كون ظهور الأمر في الوجوب طرفاً للمعارضة، بل لنكتة أخرى راجعة إلى تشخيص القرينية بين طرفي التعارض أو أطرافه، إذ يجب أن يلاحَظ عند التعارض ما اهو مركز القرينية، فإن الظهورات المتعارضة إن كانت متساوية - بحيث لم يكن أحدها قرينة عرفاً - فتتساقط، إلا إذا كان أحدها أقوى، فيتقدم بناءاً على تقديم الأقوى، وأما إذا لم تكن متساوية، بل كان أحدها قرينة عرفاً، فيتقدم على ما هو قرينة عليه، وفي المثال المذكور رأوا أن الخاص قرينة عرفاً على العام، وليس قرينة على ظهور الأمر في الوجوب، فقوله: «لا يجب إكرام زيد العالم» قرينة عرفاً على أن المراد بالعلماء في قوله: «أكرم العلماء» ليس عبارة عن جميعهم، وليس قرينة عرفاً على أن المراد بالأمر ليس هو الوجوب، والشاهد على ذلك أنه لو فرض الكلامان متصلين، بأن قال في جملة واحدة: «أكرم العلماء ولا يجب إكرام زيد العالم» فسوف لا يفهم العرف أن الأمر ليس للوجوب، بل يفهم أن ذيل الجملة تخصيص للعام المذكور في صدرها، فإذا كانت القرينة العرفية في فرض الاتصال عبارة عن قرينية ذيل الجملة - أي: الخاص - على العام لا على ظهور الأمر في الوجوب فكذلك في فرض الانفصال تكون القرينية العرفية عبارة عن قرينية الخاص على العام لا على ظهور الأمر في الوجوب.

إذن، فالمثال الذي ذكره ره ليس مصداقاً للقانون العام المذكور القائل بأنه متى ما وجد ظهوران متعارضان وأمكن حل التعارض بينهما برفع اليد عن ظهور ثالث، لا موجب لرفع اليد عنه؛ فإن القانون المذكور شرطه - كما تقدم - هو أن يكون التعارض ثنائياً حقاً ويكون الظهور الثالث خارجاً عن دائرة التعارض، بينما التعارض في المثال الذي ذكره ره ثلاثي بالبرهان المتقدم، ومعه فلا ينطبق القانون عليه.