الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/11/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين

وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني - وهو أنه على تقدير تمامية الإشكال الذي طرحه المحقق النائيني على نفسه والتسليم بالطولية في الرتبة بين الإطلاقين وكون الإطلاق الأوي في طول الإطلاق الواوي ومتأخراً عنه رتبةً ومتوقفاً عليه، فهل أن جواب المحقق النائيني ره عن الإشكال المذكور تامّ ام لا؟ - فالصحيح هو أن جوابه ره عن الإشكال حينئذ غير تام، فقد كان حاصل جوابه ره عنه هو أن الطولية لا توجب تقديم الإطلاق الواوي المتقدم رتبةً على الإطلاق الأوي المتأخر رتبةً؛ لأن منشأ تعارض الإطلاقين هو العلم الإجمالي بكذب أحدهما، ونسبته إليهما على حد سواء، بينما هذا الجواب غير تام؛ إذ لو سُلّمت الطولية بين مدلولي الإطلاقين ومفاديهما، بمعنى أنه كان مفاد الإطلاق الأوي عبارة عن انحصار خصوص العلة التامة، وهذا الانحصار متوقف على مفاد الإطلاق الأوي عبارة عن انحصار خصوص العلة التامة، وهذا الانحصار متوقف على مفاد الإطلاق الواوي الذي هو عبارة عن العلية التامة، فلا محالة تكون هذه الطولية موجبة لتقديم الإطلاق الواوي، إذ ينحل العلم الإجمالي الذي ذكره ره إلى العلم التفصيلي بكذب الإطلاق الأوي والشك البدوي في كذب الإطلاق الواوي؛ لأن مفاد الإطلاق الأوي إذا كان عبارة عن كون الشرط علة تامة منحصرة - كما هو مفروض الطولية - فهذا يعني أننا نعلم تفصيلاً بكذب هذا الإطلاق وعدم مطابقته للواقع؛ لأننا نعلم بأن الشرط المذكور في كل جملة قد عطف عليه شرط آخر مذكور في الجملة الأخرى، إما بواسطة «الواو» - وهذا معناه أن الشرط ليس علة تامة بل هو جزء علة - وإما بواسطة «أو» - وهذا معناه أن الشرط ليس منحصراً - فالانحصار المتضمّن للعلية التامة يُعلم تفصيلاً بعدم مطابقته للواقع. فالإطلاق الأوي يُعلم تفصيلاً بسقوطه؛ إذ نعلم وجداناً حينئذ بعدم كون الشرط علة تامة منحصرة، إما لعدم كونه علة تامة، أو لعدم كونه منحصراً.

وبعبارة أخرى: حيث أن المفروض هو أن مفاد الإطلاق الأوي عبارة عن الانحصار المتوقف على التمامية، فلا محالة نعلم بكذب هذا الإطلاق؛ لأنه إما أن الانحصار غير ثابت وإن ثبتت التمامية، وإما أن التمامية غير ثابتة ومع فرض عدم التمامية لا يعقل ثبوت الانحصار المتوقف على التمامية، فالانحصار المتوقف على التمامية معلوم العدم على كل حال.

وعليه، فإذا سقط الإطلاق الأوي للعلم التفصيلي بكذبه انحل العلم الإجمالي الذي ذكره ره وجرت أصالة الإطلاق الواوي بلا معارض، وتكون النتيجة حينئذ أن كلا من الشرطين علة تامة مستقلة لوجوب القصر، لا جزء علة، وذلك تمسكاً بالإطلاق الواوي وأصالة عدم التقييد والعطف بـ«الواو» كما هو واضح.

إذن، فعلى تقدير التسليم بالإشكال والإيمان بالطولية لا يتم جواب المحقق النائيني ره.

فالصحيح في مقام الجواب عن الإشكال هو إنكار الطولية كما عرفت، وحينئذ فنبقى نحن والإطلاقين الذين نعلم إجمالاً بكذب أحدهما، فيتعارضان.

هذا تمام الكلام في المقطع الثاني من كلام المحقق النائيني ره.

3) المقطع الثالث: هو ما أفاده ره من أن الإطلاقين المتعارضين - أعني الواوي والأوي - متكافئان ومتساويان ولا مرجح لأحدهما على الآخر؛ لأن كلاً منهما ظهور إطلاقي مستند إلى مقدمات الحكمة، وكما يرتفع التعارض بتقييد الإطلاق الأوي الموجود في كل من الجملتين الشرطيتين - وهذا يعني تقييد مفهوم كل من الجملتين بمنطوق الأخرى - كذلك يرتفع التعارض بتقييد الإطلاق الواوي الموجود فيهما - وهذا يعني تقييد منطوق كل من الجملتين بمنطوق الأخرى - وحيث لا مرجح لأحد الإطلاقين على الآخر فلابد من الالتزام بتساقطهما.

وهذا المقطع من كلامه ره فني صناعي لا غبار عليه.

إلا أن السيد الأستاذ الخوئي ره اعترض على كلام أستاذه هذا قائلاً:

الظاهر أنه لابد في محل الكلام من رفع اليد عن خصوص الإطلاق الأوي لكل من الجملتين وإبقاء الإطلاق الواوي لكل منهما على حاله، والسر في ذلك هو أن الموجب لوقوع التعارض بين الدليلين في المقام إنما هو ظهور كل منهما في المفهوم وثبوت الآخر في ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط المذكور فيه بقطع النظر عن دلالته على المفهوم وعدم دلالته عليه، ولذا نرى أن التعارض ثابت حتى وإن لم تكن القضية في الدليل الآخر شرطية، كما إذا ورد في دليل: «إن خفي الأذان فقصّر» وورد في دليل آخر: «يجب القصر عند خفاء الجدار»؛ فإن ظهور الدليل الأول في المفهوم يتعارض لا محالة مع ظهور الدليل الثاني في ثبوت وجوب القصر عند خفاء الجدار.

وعليه فالمعارضة في محل الكلام إنما هي بين مفهوم كل من الدليلين ومنطوق الآخر الدال على ثبوت الجزاء عند تحقق شرطه. وبما أن نسبة كل من المنطوقين إلى مفهوم القضية الأخرى نسبة الخاص إلى العام، لابد من رفع اليد عن عموم المفهوم في مورد المعارضة، وبما أنه يستحيل التصرف في المفهوم نفسه لأنه مدلول تبعي ولازم عقلي للمنطوق، لابد من رفع اليد عن ملزوم المفهوم بمقدار يرتفع به التعارض، ولا يكون ذلك إلا بتقييد المنطوق ورفع اليد عن إطلاقه الأوي، وأما رفع اليد عن الإطلاق الواوي لتكون نتيجة ذلك اشتراط الجزاء بمجموع الشرطين فهو وإن كان موجباً لارتفاع المعارضة بين الدليلين، إلا أنه بلا موجب؛ ضرورةَ أنه لا مقتضى لرفع اليد عن ظهور دليلٍ مع عدم كونه طرفاً للمعارضة ولو ارتفع بذلك أيضاً التعارض بين الدليلين اتفاقاً، ونظير ذلك ما إذا ورد الأمر بإكرام العلماء الظاهر في وجوب إكرامهم جميعاً، ثم ورد في دليل آخر أنه لا يجب إكرام زيد العالم، فإنه وإن كان يرتفع التعارض بينهما برفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب وحمله على الاستحباب، فإنه حينئذ يزول التعارض بين الدليلين، إلا أن هذا بلا موجب يقتضيه؛ إذ ما هو الموجب للتعارض بينهما إنما هو ظهور الدليل الأول في العموم، لا ظهور الأمر في الوجوب، فلابد من رفع اليد عنه وتخصيصه بالدليل الثاني وإبقاء ظهور الأمر في الوجوب على حاله، مع أن ظهور العام في العموم أقوى من ظهور الأمر في الوجوب؛ لأن ذاك بالوضع وهذا بالإطلاق، وهذا هو الميزان في جميع موارد تعارض الظهورات[1] [2] .

وحاصل هذا الاعتراض هو أنه لا مبرر لإسقاط إطلاق المنطوقين بعد أن كان طرفاً للمعارضة هما منطوق كلٍ مع مفهوم الآخر، بل المتعين إسقاط إطلاق المفهومين وتقييدهما؛ لأن نسبة كل منطوق إلى مفهوم القضية الأخرى نسبة الخاص إلى العام فمفهوم قوله مثلا: «إن خفي الأذان فقصّر» هو عدم وجوب القصر إن لم يَخفَ الأذان سواء خفي الجدار أم لا، وهذا أعم من منطوق قوله: «إن خفي الجدار فقصّر».

إذن، فيتقدم المنطوق على المفهوم بالأخصية، إذن فيجب تقييد الإطلاق الأوي لكلتا القضيتين، وأما تقييد الإطلاق الواوي الثابت فيهما كما صنعه المحقق النائيني ره فهو وإن كان موجباً لحل التعارض، إلا أنه لا موجب له، إذ لا مقتضي لرفع اليد عن ظهور دليل مع عدم معارضته لظهور دليل آخر، بل يجب العمل بظهور كل دليل ما لم يكن له معارض مساوٍ له أو أقوى، ومجرد كون رفع اليد عنه موجباً لرفع التعارض بين دليلين آخرين لا يعارضانه لا يبرر رفع اليد عنه، بل لا بد من العمل به وإن كان موجباً لبقاء التعارض بين ذينك الدليلين، فإنه حينئذ يُرجع فيهما إلى قوانين باب التعارض، ويُعامَلان معاملة المتعارضين.

أما ما هي نتيجة التقييد فهي ما ستأتي في بحث الغد إن شاء الله تعالى. .