الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/10/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين

كان الكلام في المقطع الأخير من كلام المحقق النائيني ره الذي قال فيه: إننا في المقام بعد تساقط الإطلاقين يجب أن نرجع إلى الأصل العملي الذي نتيجته تقييد الإطلاق الواوي. فقلنا إنه إن قصد به بيان أن هذا هو مقتضى القاعدة في خصوص مثال: «إن خفي الأذان فقصر» و«إن خفي الجدار فقصر»، وأنه في خصوص هذا المثال يقتضي الأصل العملي تقييد الإطلاق الواوي، فهذا يرد عليه إشكالان:

الإشكال الأول: في خصوص هذا المثال بعد تساقط الإطلاقين لا نرجع إلى الأصل العملي، وذلك:

أولاً: لأن لدينا مطلقاً فوقانياً يجب أن نرجع إليه، ولا يصل الدور إلى الأصل العملي، والمطلق الفوقي هو أن المسافر يجب عليه القصر، ولا يشكك في صدق عنوان المسافر عليه؛ لأنه في غير محله كما تقدم.

وثانياً: إنه حتى لو فرض الشك في صدق عنوان المسافر ومفهوم السفر في مورد خفاء أحدهما، لا يتم ما استنتجه المحقق النائيني ره، إذ غاية ما هناك عدم جواز التمسك حينئذ بالمطلق الفوقاني المذكور الدال على وجوب القصر على المسافر، وحينئذ فلابد من الرجوع إلى دليل أعم وهو دليل وجوب التمام إن فرض وجود إطلاق من هذا القبيل يدل على وجوب الصلاة تماماً، كقوله: {أقيموا الصلاة}، وأما إن لم يوجد إطلاق من هذا القبيل فتصل النوبة حينئذ إلى الأصل العملي، وهو يقتضي الاحتياط والجمع بين القصر والتمام، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.

الإشكال الثاني: حتى لو تنزّلنا عما ذكرناه أولا وفرضنا عدم وجود مطلق فوقاني نرجع إليه بعد تساقط الإطلاقين وتعيّن علينا الرجوع إلى الأصل العملي، لا يتم ما ذكره ره من أن الأصل العملي في صالح تقييد المنطوقين، أي الإطلاقين الواويين ورفع اليد عنهما، بحيث يكون مقتضى الأصل عدم وجوب القصر عند خفاء أحدهما وعدم خفاء الآخر؛ وذلك لأنه إن أراد ره بالأصل البراءة عن وجوب القصر، فمن الواضح عدم جريانها؛ لأن وجوب القصر أحد طرفي العلم الإجمالي، حيث يعلم المكلف في هذه الحالة بوجوب القصر أو التمام عليه، فالبراءة عن وجوب القصر تعارضها البراءة عن وجوب التمام، وتتساقطان ويكون العلم الإجمالي منجزاً لوجوب الاحتياط والجمع بين القصر والتمام كما عرفت.

وإن أراد ره بالأصل استصحاب وجوب التمام وعدم وجوب القصر فيرد عليه أن هذا الاستصحاب تعليقي في بعض الموارد أو في كثير منها، كما إذا شرع في السفر قبل دخول وقت الصلاة وخفي عليه أحدهما ودخل الوقت؛ فإنه في هذه الحالة لم يكن التمام واجباً عليه حينما كان في البلد قبل السفر كي يستصحبه الآن؛ إذ لم يكن الوقت داخلاً آنذاك، فلا معنى لاستصحاب وجوب التمام بنحو الاستصحاب التنجيزي.

نعم، يتم الاستصحاب حينئذ بنحو التعليق، بأن يقال: إنه لو كان قد دخل الوقت وهو في البلد لوجب عليه التمام، والآن أيضاً يستصحب ذلك، إلا أن المحقق النائيني ره لا يقول بالاستصحاب التعليقي.

هذا كله لو كان نظر المحقق النائيني ره إلى خصوص المثال الذي نحن بصدده.

وأما إن أريد به الثاني بأن كان نظره ره إلى قاعدة كلية وبيان ضابط كلي في الموارد التي تتعارض فيها جملتان شرطيتان من هذا القبيل ولا توجد فيها أصول لفظية، وأنه في فرض اجتماع الشرطين المذكورين في الجملتين يحصل القطع بثبوت الجزاء المترتب عليهما، وأما في فرض وجود أحدهما دون الآخر يشك في ثبوت الجزاء وعدمه، ومقتضى الأصل العملي عدم ثبوته فيكون الأصل العملي في صالح تقييد المنطوقين، فهذا أيضاً غير صحيح وذلك لأن الحكم المذكور في الجزاء ليس حكماً إلزامياً دائماً، كي يقال إنه إذا وجد أحد الشرطين دون الآخر يشك في ثبوته، والأصل عدمه، فيكون موافقاً لتقييد المنطوقين بالواو، بل قد يكون حكماً ترخيصياً إباحياً، كما إذا قال: «إن كان الإنسان هاشمياً لم يجب تقديم العلوي عليه»، وقال في قضية أخرى: «إن كان الإنسان عالماً لم يجب تقديم العلوي عليه» حيث أن التعارض ثابت هنا أيضاً بين إطلاق منطوق كل منهما مع إطلاق مفهوم الجملة الأخرى، فمقتضى إطلاق منطوق الجملة الأولى هو عدم وجوب تقديم العلوي على الإنسان الهاشمي غير العالم، بينما مقتضى إطلاق مفهوم الجملة الثانية هو وجوب تقديم العلوي عليه، كما أن مقتضى إطلاق منطوق الجملة الثانية هو عدم وجوب تقديم العلوي على الإنسان العالم غير الهاشمي، بينما مقتضى إطلاق مفهوم الجملة الأولى هو وجوب تقديم العلوي عليه، وحينئذ ففي فرض اجتماع الشرطين المذكورين في الجملتين - بأن كان الإنسان هاشمياً عالماً - وإن كنا نقطع بثبوت الجزاء وعدم وجوب الجزاء وعدم وجوب تقديم العلوي عليه، لكن في فرض وجود أحد الشرطين دون الآخر - بأن كان الإنسان هاشمياً غير عالم، أو كان عالماً غير هاشمي - نشك في ثبوت الجزاء وعدمه ثبوته، أي: نشك في وجوب تقديم العلوي عليه، ومقتضى الأصل العملي عدم الوجوب، فيكون مقتضى الأصل حينئذ هو ثبوت الجزاء لا عدم ثبوته وبالتالي فيكون الأصل العملي في صالح تقييد الإطلاقين الأويين الذي ينتجان المفهومين وليس في صالح تقييد الإطلاقين الواويين في المنطوقين، على العكس مما أفاده المحقق النائيني ره.

إذن، لا يوجد هناك ضابط عام وكلي للأصل العملي الجاري بعد تساقط الأصول اللفظية في موارد تعارض جملتين شرطيتين شرطهما متعدد وجزاؤهما واحد، بل يختلف الحال من مسألة إلى أخرى، فلا بد من ملاحظة كل مورد بخصوصه.

هذا تمام الكلام في هذا المقطع من كلام المحقق النائيني ره وحاصل ما قلناه حول هذا المقطع هو أن المحقق النائيني ره إن كان ناظراً إلى خصوص المثال فيما نحن فيه فيرد عليه أن المرجع بعد تساقط الإطلاقين ليس هو الأصل العملي، بل هو المطلق الفوقاني الدال على وجوب القصر على المسافر، ولو شك في صدق عنوان المسافر فالمرجع هو المطلق الذي هو فوقه الدال على وجوب التمام إن كان، وإلا فالمرجع هو الأصل العملي، وهو استصحاب وجوب التمام إن شرع في السفر بعد دخول الوقت، وأما إن شرع فيه قبل دخول الوقت فالمرجع أيضاً هو استصحاب وجوب التمام بناءًا على القول بالاستصحاب التعليقي، وأما بناءًا على عدم جريان الاستصحاب التعليقي فمقتضى الأصل العملي هو الاحتياط ووجوب الجمع بين القصر والتمام، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.