الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

الثَّانِي: برهان استحالة صدور الواحد من الكثير، فقد حاول البعض استفادة الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة من الجملة الشَّرْطِيَّة على مستوى الْمَدْلُول التَّصديقيِّ للجملة ببرهان أن الواحد لا يصدر من الاثنين؛ وذلك لأَنَّهُ لو كان هناك علّة أخرى لِلْجَزَاءِ غَيْر الشَّرْطِ المذكور فِي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة، كما لو فرض أن مجيء زيد علّة لوجوب إكرامه، وأن فقره أيضاً علّة أخرى لوجوب إكرامه، فحينئذٍ يقال: إما أن يفرض أن كلا منهما علّة بخصوصه، فيلزم صدور الواحد بالنوع (وهو الوجوب) من المتعدد بالنوع؛ لأَنَّ المجيء نوع، والفقر نوع آخر، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ صدور الواحد بالنوع من المتعدد بالنوع مستحيل. وإما أن يفرض أن العلّة عبارة عن الجامع بينهما، فيلزم أَنْ لاَّ يَكُونَ الشرط المذكور فِي الْقَضِيَّة مؤثراً بِعُنْوَانِهِ فِي الْجَزَاءِ، مَعَ أَنَّ هذا خلاف ظاهر الجملة الشَّرْطِيَّة الدَّالّ على أَنَّهُ مؤثر فيه بِعُنْوَانِهِ.

 وبهذا يتبرهن عدم وجود علّة أخرى وبالتَّالي يثبت أَنَّ الشَّرْطَ علّة منحصرة لِلْجَزَاءِ.

 وهذا البيان أيضاً لو تَمَّ فهو يثبت المفهوم بلا حاجة إلى الرُّكْن الثَّانِي؛ لأنَّه حتّى لو كان المربوط بِالشَّرْطِ شَخْص الْحُكْمِ، فمع ذلك يثبت الْمَفْهُوم بضم الضميمة والنُّكتة المتقدّمة، وهي عبارة عن استحالة اجتماع المثلين؛ وذلك لأَنَّ المقصود من قانون «الواحد لا يصدر إلاَّ من واحد» إن كان عبارة عن الواحد بالنوع وأنه لا يمكن أن يصدر من المتعدد بالنوع، إذن يثبت الْمَفْهُوم؛ إذ لو كان هناك شخص آخر من نفس نوع الحكم مترتّب على شيء آخر غَيْر الشَّرْطِ المذكور لزم صدور الواحد بالنوع من الاثنين بالنوع، فلكي لا يلزم صدور الواحد بالنوع من اثنين بالنوع لا بُدَّ من انْتِفَاء جميع أفراد نوع الحكم وأشخاصه عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ وهذا هو الْمَفْهُوم. وإن كان المقصود عبارة عن الواحد بالشخص وأنه لا يمكن أن يصدر من المتعدد، فأيضاً يمكن استفادة الْمَفْهُوم؛ إذ لو كانت هناك علّة أخرى غَيْر الشَّرْطِ، فإما أَنْ تَكُونَ علّةً لنفس هذا الشخص من الحكم، فيلزم صدور الواحد بالشخص من المتعدد، وإما أَنْ تَكُونَ علةً لشخص آخر من الحكم، فيلزم اجتماع المثلين؛ إذ يلزم أن نُثبت وجوبين للإكرام مثلاً عند تحقّق كلتا العلتين، أعني: الشرط وتلك العلّة الأخرى المفترضة.

 إذن، فلو تَمَّ هذا البرهان ثبت الْمَفْهُوم بلا حاجة أيضاً إلى الرُّكْن الثَّانِي وهو أن يكون الْجَزَاء سنخ الحكم.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ بناءًا على تَمَامِيَّة هذين البرهانين يثبت الْمَفْهُوم، بلا حاجة إلى الرُّكْن الثَّانِي المذكور فِي الرَّأْي الْمَشْهُور.

 لكن بما أن الصَّحِيح بطلان البرهانين المذكورين (على ما سوف يأتي - إن شاء الله تعالى - عند الحديث عن دلالة الشرط على الْمَفْهُوم)، إذن فالركن الثَّانِي ضروري فِي مقام إثبات الْمَفْهُوم وشرط أساسي لاستفادته.

 هذا تمام الكلام فِي الأمر الثَّانِي من الأَمْرَيْنِ الَّذيْنِ كان لا بُدَّ من التَّنبيه عليهما بشأن الرُّكْن الثَّانِي من ركني الضّابط الْمَشْهُور، وبه تَمَّ الكلام فِي النُّقْطَة الثَّالثة.

النُّقْطَة الرَّابعة: أن ما ذكره المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ من أن الركنين المذكورين فِي الضّابط الْمَشْهُور (أي: الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة، وكون الْمُعَلَّق سنخ الحكم وَطَبِيعِيّه) وإن كانا دخيلينِ فِي استفادة الْمَفْهُوم من الكلام، إلاَّ أن الرُّكْن الأوّل محلّ وفاق بين الأصحاب، حتّى فِي مثل الجملة الوصفية، وإنَّما النِّزَاع الدائر بينهم فِي بحث الْمَفَاهِيم قد وقع فِي الرُّكْن الثَّانِي، وأن الْمُعَلَّق عَلَىٰ الشَّرْطِ أو الوصف أو نحوهما هل هو نوع الحكم كي يثبت الْمَفْهُوم؟ أم هو شَخْص الْحُكْمِ كي لا يثبت؟

 فالضابط لاِقْتِنَاصِ الْمَفْهُومِ عنده رَحِمَهُ اللَهُ هو كون الْمُعَلَّق سنخ الحكم مستدلاً على اتفاقهم على الرُّكْن الأوّل وكون الشرط أو الوصف أو نحوهما عِلَّةً تَامَّةً منحصرةً للحكم باتفاقهم فِي باب المطلق والْمُقَيَّد على حمل المطلق على المقيَّد، كقوله: «اعتق رقبة» وقوله: «اعتق رقبة مؤمنة»، وذلك فيما لو عُلم بوحدة الحكم المجعول فِي كلا الدَّلِيلَيْنِ، فيحكم بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة، وهذا لا يمكن أن يُفسَّر إلاَّ على أساس كون القيد والوصف (كالإيمان فِي المثال) علّة منحصرة للحكم عندهم، فَيَكُونُ انتفاؤه موجباً لانتفاء الحكم المذكور فِي المقيَّد، وبما أن المفروض هو العلم بوحدة الحكم فِي المطلق والْمُقَيَّد وعدم احتمال تَعَدُّده، فهذا يعني أَنَّهُ بِانْتِفَاءِ الْقَيْدِ المذكور فِي المقيَّد يَنْتَفِي الحكم المذكور فِي المطلق، وهذا هو معنى حمل المطلق على المقيِّد، ولا وجه لانتفاء الحكم المذكور فِي المقيِّد عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَيْدِ بعد أن أنكروا مفهوم الوصف سوى كون القيد علّة تامَّة منحصرة للحكم المذكور فِي القيد؛ إذ لَوْ لَمْ يَكُنْ كذلك وفرض احتمال وجود علّة أخرى للحكم (كالعلم) لاحتُمل ثبوت الحكم مع انْتِفَاء القيد، وحينئِذٍ لم يكن هناك وجه لحمل المطلق على المقيِّد والحكم بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة، بل كان لا بُدَّ من الأخذ بالمطلق والْمُقَيَّد معاً والحكم بوجوب عتق الرقبة المؤمنة وبوجوب عتق الرقبة العالِمة مثلاً وإن لم تكن مؤمنة([1] ).

أقول: ما ذكره رَحِمَهُ اللَهُ غير تامّ كما أفاد سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ؛ لأَنَّ اتفاقهم على حمل المطلق على الْمُقَيَّد يكشف عن اتفاقهم على أن شَخْص الْحُكْمِ يَنْتَفِي بانتفاء شرطه أو وصفه وقيده، وهذا يعني أَنَّ الشَّرْطَ أو الوصف علّة تامَّة منحصرة بِالنِّسْبَةِ لِشَخْصِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّق عليهما، وهذا لا خلاف فيه، وبهذا يثبت اتفاق الأصحاب على دلالة الْقَضِيَّة الوصفية على أن الوصف علّة تامَّة منحصرة لِشَخْصِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّق على الوصف.

 إلاَّ أن هذا لا يكشف عن اتفاقهم على أن الْقَضِيَّة الوصفية تَدُلّ على كون الوصف علّة تامَّة منحصرة لطبيعي الحكم فيما لو كان الْمُعَلَّق على الوصف هو طَبِيعِيّ الحكم؛ وذلك لأَنَّ البرهان الَّذي يُثبت الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة للوصف إِنَّمَا تُثبتها بِالنِّسْبَةِ لِشَخْصِ الْحُكْمِ إذا فرض أن الْمُعَلَّق على الوصف شَخْص الْحُكْمِ، ولا يُثبت الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة للوصف بِالنِّسْبَةِ إلى طَبِيعِيّ الحكم.

توضيح ذلك يتوقَّف على ذكر هذا البرهان وحاصله هو أن تشخص كل حكم إِنَّمَا يكون بجعله، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ كل جعلٍ له مَوْضُوع واحد يُجعل الحكم على أساسه، ولا يُعقل أن يكون لشخص حكم واحد موضوعان عَرضيان.

 نعم، يمكن أن يكون له موضوعان على سبيل البدل، وبناءًا على ذلك يقال: إذا ورد دليل مطلق كقوله: «اعتق رقبة» وورد دليل مقيَّد كقوله: «اعتق رقبة مؤمنة»، وعلمنا بوحدة الحكم المجعول فيهما، فَحَيْثُ أَنَّ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ وحدة الحكم ترجع إلى وحدة الجعل، لذا يمكن أن نُثبت أن الإيمان الَّذي أخذ فِي الدَّلِيل المقيِّد هو علّة تامَّة منحصرة بِالنِّسْبَةِ إلى شَخْص الْحُكْمِ بوجوب العتق، بمعنى أَنَّهُ مأخوذ فِي مَوْضُوع ذلك الجعل الواحد، بنحو لا يكون الجعل شاملاً لحالة فقده.

 وَالَّذِي يدلنا على ذلك هو أَنَّهُ لو كان هناك علّة أخرى لوجوب العتق غير «الإيمان» يقوم مقامه، من قبيل «العلم» مثلاً، فإما أن يكون كل من العلتين بِعُنْوَانِهِ مأخوذاً فِي موضوع هذا الجعل الواحد، وإما أن يكون المأخوذ هو الجامع بينهما.

 فإن كان الأوّل فهو مستحيل؛ إذ يستحيل أن يكون للجعل الواحد موضوعان عَرضيان كما عرفت، وإن كان الثَّانِي فهو ممكن، إلاَّ أَنَّهُ يعني أن «الإيمان» بِعُنْوَانِهِ الخاصّ لم يؤخذ فِي عالم الجعل، وإنَّما هو مأخوذ فِي ضمن أخذ الجامع بينه وبين «العلم»، وهذا ينافي أصالة التَّطَابُق بين مقام الثُّبوت ومقام الإثبات؛ فإنَّ مقتضى هذا الأصل هو أن كل قيد أخذ فِي عالم الجعل إثباتاً فهو مأخوذ فِيه ثبوتاً، وإذا لم يكن مأخوذاً فيه إثباتاً فليس مأخوذاً فيه ثبوتاً.

 وفي المثال قد فرض أن الإيمان بِعُنْوَانِهِ الخاصّ قد أخذ فِي عالم الجعل إثباتاً، وهذا يكشف عن أَنَّهُ مأخوذ كذلك ثبوتاً، وبذلك يبطل فرض كونه مأخوذاً فِي ضمن الجامع.

 وعليه فإذا بطل هذان الاحتمالان الْمُتَفَرّعان على فرض وجود علّة أخرى غير الإيمان، يثبت حينئذٍ أن الإيمان علّة تامَّة منحصرة لِشَخْصِ الْحُكْمِ، وحينئِذٍ فبإنتفائه يَنْتَفِي شَخْص الْحُكْمِ الواحد المجعول فِي كلا الدَّلِيلَيْنِ، وهو معنى حمل المطلق على المقيِّد.

 إلاَّ أن هذا البرهان لا يَتُِمّ فيما إذا كان الْمُعَلَّق على الوصف عبارة عن طَبِيعِيّ الحكم؛ لأَنَّنَا نختار الاحتمال الأوّل، وهو أن يكون هناك علّة أخرى للوجوب غير الوصف المذكور، ويكون كل من العلتين بِعُنْوَانِهِ الخاصّ علّة وموضوعاً مأخوذاً فِي عالم الجعل، ولا يلزم منه تقوّم الجعل الواحد بموضوعين عرْضيين؛ لأَنَّ كلامنا فِي طَبِيعِيّ الحكم، وطبيعي الحكم يفترض له أفراد من الحكم والجعل، فلا مانع من وجود فردين من طَبِيعِيّ الحكم وجعلين:

أحدهما: أخذ فِي موضوعه فِي عالم الجعل الوصف المذكور، فَيَكُونُ الوصف بِعُنْوَانِهِ الخاصّ علّةً ومُوجِداً له، وبإيجاده له يتحقّق إيجاد الوصف لطبيعي الحكم.

 وثانيهما: أخذ فِي موضوعه فِي عالم الجعل العلّة الأخرى المفترضة، فتكون تلك العلّة بعنوانها الخاصّ موجِدةً له، وبإيجاده يتحقّق إيجادها لطبيعي الحكم.

 إذن، فالبناء على أن الوصف علّة منحصرة لِشَخْصِ الْحُكْمِ (فيما إذا عُلِّق شَخْص الْحُكْمِ على الوصف) لا يلزم منه البناء على أن الوصف علّة منحصرة لطبيعي الحكم (فيما إذا عُلِّق طَبِيعِيّ الْحُكْمِ على الوصف)؛ لأَنَّ البرهان الَّذي يُبت الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة للصوف إِنَّمَا يُثبتها له بِالنِّسْبَةِ إلى شَخْص الْحُكْمِ فيما إذا فرض أن الْمُعَلَّق على الوصف شَخْص الْحُكْمِ، ولا يُثبتها له بِالنِّسْبَةِ إلى طَبِيعِيّ الحكم فيما إذا فرض أن الْمُعَلَّق عليه طَبِيعِيّ الحكم، فلا يمكن أن نستكشف من اتفاق العلماء على حمل المطلق على المقيَّد اتفاقهم على الرُّكْن الأوّل المذكور فِي الضّابط الْمَشْهُور وهو كون الوصف علّة تامَّة منحصرة، كي لا نكون بحاجة (لإِثْبَاتِ الْمَفْهُوم) إلاَّ إلى الرُّكْن الثَّانِي كما أفاد المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ المطلوب من الرُّكْن الأوّل من ركني الضّابط الْمَشْهُور لاِقْتِنَاصِ الْمَفْهُومِ هو أن يَكُون الشَّرْطُ مثلاً أو الوصف أو غيرهما علّة منحصرة للحكم حتّى لو فرض أن الحكم عِبَارَةٌ عَنْ سِنْخِ الْحُكْمِ لا شخصه، بينما غاية ما يستكشف من حمل المطلق على المقيَّد على تقدير إحراز وحدة الحكم فيهما هو أن القيد علّة منحصرة لشخص هذا الحكم، ولا تلازم بين القول بأن القيد علّة منحصرة لِشَخْصِ الْحُكْمِ (كما يستفاد من حمل المطلق على المقيَّد على تقدير وحدة الحكم) وبين القول بأن القيد علّة منحصرة لسنخ الحكم وَطَبِيعِيّه؛ فَإِنَّ هناك برهاناً على أن شَخْص الْحُكْمِ لا بُدَّ من أَنْ تَكُونَ له علّة واحدة وَمَوْضُوع واحد، وهذا البرهان لا يجري فِي سنخ الحكم.

 والبرهان هو أن الحكم إِنَّمَا يتشخّص بالجعل مهما تعدّدت مجعولاته، ومن الواضح أَنَّهُ لا يمكن أن يكون لجعل واحد موضوعان، بينما يعقل أن يكون لجعلين مستقلين موضوعان مستقلان.

 هذا تمام الكلام فِي النُّقْطَة الرَّابعة.

 وبذلك انتهينا من الكلام فِي ضَابِط الْمَفْهُوم. وبه تَمَّت الإجابة على كلا السؤالين (السُّؤَال عن تعريف المفهوم، والسؤال عن ضَابِط المفهوم) وآن الأوان للدخول فِي صلب البحث عن دلالة الشرط (مفهوم الشرط).

دَلاَلَة الشَّرْطِ عَلَى الْمَفْهُومِ

(مَفْهُومُ الشَّرْطِ)

 هل أن الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة تَدُلّ على الْمَفْهُوم أم لا؟

 لا بُدَّ لنا (فِي مقام تحقيق الجواب على هذا السُّؤَال) من البحث من ثلاث نقاط:

النُّقْطَة الأولى: أن مفاد الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة بحسب منطوقها ما هو؟ فهل أنَّها تَدُلّ على ربط الْجَزَاء بِالشَّرْطِ أم لا تَدُلّ على ذلك؟ وعلى الأوّل فهل أنَّها تَدُلّ على أن المربوط بِالشَّرْطِ هو الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلْجَزَاءِ، أم تَدُلّ على أن المربوط به مدلوله التَّصديقيّ؟ وعلى الأوّل فهل تَدُلّ على أن الْمَدْلُول التَّصوُّريّ المربوط بِالشَّرْطِ هو الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لهيئة الْجَزَاء، أم تَدُلّ على أن المربوط به هو الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لمادّة الْجَزَاء؟

النُّقْطَة الثَّانية: أن الحكم فِي الْجَزَاءِ هل هو طَبِيعِيّ الحكم وسنخه، أم هو شَخْص الْحُكْمِ؟!

النُّقْطَة الثَّالثة: أن الرَّبْط الَّذي تَدُلّ الْقَضِيَّة عليه هل هو ربط توقفي تعليقي أم هو ربط عِلِّيّ اِنْحِصَارِيّ، أم لا هذا ولا ذاك؟!

أما النُّقْطَة الأولى: فيقع البحث فيها من جهات ثلاث:

الجهة الأولى: فِي دلالة الْقَضِيَّة على أصل ربط الْجَزَاء بِالشَّرْطِ.

الجهة الثَّانية: فِي دلالتها على أن المرتبط بِالشَّرْطِ هو الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلْجَزَاءِ، لا الْمَدْلُول التَّصديقيّ له.

الجهة الثَّالثة: فِي دلالتها على أن الْمَدْلُول التَّصوُّريّ المرتبط بِالشَّرْطِ هو الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لهيئة الْجَزَاء، لا الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لمادّة الْجَزَاء.

أما الجهة الأولى: ففي البحث عن دلالة الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة على أصل ربط الْجَزَاء بِالشَّرْطِ. وَالظَّاهِر أَنَّهُ مِمَّا لا إِشْكَال فيه، وإنَّما الكلام فِي الدَّالّ عليه؛ فَإِنَّ الْمَشْهُور بين علماء الْعَرَبِيَّة، وكذلك الْمَشْهُور بين الأُصُولِيِّينَ، وأيضاً المرتكز فِي أذهان العرف والعقلاء وأهل المحاورة هو أن الدَّالّ عَلَى الرَّبْطِ عبارة عن أداة الشرط، فهي موضوعة للربط بين جُمْلَةِ الشَّرْطِ وجملة الْجَزَاء بنحو من الرَّبْط يأتي تحقيقه والحديث عن هويّته فِي النُّقْطَة الثَّالثة - إن شاء الله تعالى-؛ ففي قول القائل: «إن جاء زيد فأكرمه» يَكُون الشَّرْطُ عبارة عن المجيء والجزاء عبارة عن وُجُوب الإِكْرَامِ، والأداة قد أوجدت الرَّبْط بينهما ودلت على أن وُجُوب الإِكْرَامِ مرتبط بالمجيء خارجاً.

[1] - راجع مقالات الأصول: ج1، ص138.