الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

هذا، ويوجد فِي المقام تعليق للسَّيِّد الهاشمي حفظه الله على ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ يشتمل على مقطعين:

أحدهما: هو أَنَّهُ لا معنى لِلنِّسْبَةِ التَّوَقُّفِيَّة أو الاِلْتِصَاقِيَّة فِي المقام؛ إذ لو أريد بها نسبة خارجيّة كنسبة الظرفية فِي الخارج، فمن المُحَقِّق فِي محلّه أن النِّسب الخارجية كُلّهَا نسب ناقصة تحليليّة، بينما مدلول الجملة الشَّرْطِيَّة نسبة تامَّة، فلا يمكن أَنْ تَكُونَ خارجيّة.

 مضافاً إلى أَنَّهُ لا توجد فِي الخارج نسبة تَوَقُّفِيَّة تختلف عن النِّسْبَة والربط غير التَّوَقُّفِيّ، وإنَّما التَّوَقُّف والالتصاق كالانحصار يُنتزع من ملاحظة عدم وجود الْجَزَاء فِي غير مورد الشرط، وهذا خارج عن مدلول الرَّبْط وَالنِّسْبَة([1] ).

أقول: كُنَّا ننتظر أن يبين السيد الهاشمي حفظه الله الشِّق الثَّانِي وهو أن يُراد بِالنِّسْبَةِ التَّوَقُّفِيَّة أو الاِلْتِصَاقِيَّة نسبة ذهنية لا خارجيّة، وهذا هو المتعيَّن؛ فَإِنَّ سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ لم يكن غافلاً عن أن مدلول الجملة الشَّرْطِيَّة أو أداة الشرط عبارة عن نسبة تامَّة، باعتبار أنَّها جملة تامَّة يصحّ السُّكوت عليها، ولم يكن غافلاً أيضاً عن أن النِّسْبَة التَّامَّة لا يمكن أَنْ تَكُونَ خارجيّة؛ لأَنَّ النِّسَب الخارجية كُلّهَا نسب ناقصة تحليليّة كما تقدّم تفصيل ذلك فِي بحث معاني الحروف والهيئات، فمقصوده رَحِمَهُ اللَهُ من النِّسْبَة التَّوَقُّفِيَّة عبارة عن نسبة ذهنية قائمة فِي الذِّهْن بين مفهومين (مفهوم مجيء زيد ومفهوم وجوب إكرامه فِي المثال)، فهي كالنسبة التصادقية الَّتي تَدُلّ عليها هيئة الجملة الخبريّة، وكالنسبة الإضرابية الَّتي تَدُلّ عليها أداة الإضراب، وكالنسبة الاستثنائية الَّتي تَدُلّ عليها أداة الاستثناء، وكالنسبة التفسيرية الَّتي تَدُلّ عليها أداة التَّفْسِير، وكالنسبة التحقيقية الَّتي يَدُلّ عليها حرف التَّحْقِيق مثل «قد»، وكالنسبة التأكيدية الَّتي يَدُلّ عليها حرف التأكيد مثل «إنَّ»، وكنسبة العطف الَّتي يَدُلّ عليها حرف العطف؛ فكل هذه النِّسب نسبٌ تامَّة ذهنية لا خارجيّة، كما تقدّم شرح ذلك فِي بحث معاني الحروف والهيئات، فلا أساس لهذا المقطع من التَّعْلِيق.

وأمّا المقطع الآخر من تعليقه فَسَوْفَ نورده ونناقشه فِي النُّقْطَة الثَّالثة - إن شاء الله تعالى -.

النُّقْطَة الثَّالثة: أن الرُّكْن الثَّانِي فِي الضّابط المذكور فِي الرَّأْي الْمَشْهُور (وهو كون المربوط بالطرف عِبَارَةٌ عَنْ سِنْخِ الْحُكْمِ ونوعه وطبيعيه لا شَخْص الحكم) وإن كان لا إِشْكَال عندنا فِي اعتباره فِي الجملة لاقتناص الْمَفْهُوم، نظراً إلى أن الرَّبْط التَّوَقُّفِيّ الاِلْتِصَاقِيّ التَّعْلِيقِيّ الَّذي اشترطناه لاقتناص الْمَفْهُوم إذا كان رَبْطاً بين شَخْص الْحُكْمِ وَطَرَفِهِ، فلا يثبت الْمَفْهُوم وانتفاء مطلق الحكم وطبيعيه عند انْتِفَاء الطَّرَف؛ لاحتمال ثبوت طبيعي الحكم أيضاً، لكن فِي شخصٍ آخر من الحكم وبملاك آخر غير ملاك الشخص الأوّل من الحكم، إلاَّ أن هنا أَمْرَيْنِ لا بُدَّ من التَّنبيه عليهما بشأن هذا الرُّكْن:

الأمر الأوّل: أَنَّهُ قد يورد على هذا الرُّكْن بما نسبه سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ إلى المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ من أَنَّهُ على أحد الفرضين يكفي وحده لإِثْبَاتِ الْمَفْهُوم بلا حاجة إلى الرُّكْن الأوّل (سواء بصيغته المذكورة فِي الرَّأْي الْمَشْهُور وَالَّتِي هي عبارة عن كون الرَّبْط لُزُومِيّاً عليا اِنْحِصَارِيّاً، أم بصيغته الَّتي ذكرناها نحن وَالَّتِي هي عبارة عن كون الرَّبْط تَوَقُّفِيّاً تَعْلِيقِيّاً اِلْتِصَاقِيّاً، وعلى الفرض الآخر لا يكفي لإِثْبَاتِ الْمَفْهُوم حتّى مع انضمام الرُّكْن الأوّل (بأيّ صيغة كان) إليه، فلا بُدَّ من ذكر هذا الإشكال وردّه:

أما الإشكال فهو أن الإِطْلاَق وكون المربوط بِالطَّرَفِ مُطْلَق الْحُكْمِ وَطَبِيعِيّه له أحد معنيين: الأوّل «الإِطْلاَق الاستغراقيّ». الثَّانِي «الإِطْلاَق الْبَدَلِيّ».

 فإنَّ الطَّبِيعَة تارةً تلحظ بنحو مُطْلَق الْوُجُودِ، فتشمل جميع الأفراد، وأخرى تلحظ بنحو صِرْف الْوُجُودِ. فإذا قال المولى مثلاً: «إن جاء زيد فأكرمه» وَفَرَضْنَا أَنَّ المربوط بالمجيء عبارة عن مطلق وجوب الإكرام وَطَبِيعِيّه لا شخصه، فتارة يفرض أن المربوط بالمجيء هو طَبِيعِيّ وجوب الإكرام بنحو مُطْلَق الْوُجُودِ، وأخرى يفرض أن المربوط بالمجيء هو طَبِيعِيّ وجوب الإكرام بنحو صِرْف الْوُجُودِ.

[1] - هامش بحوث فِي علم الأصول: ج3، ص142.