الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

وأمّا مفهوم الاستثناء (كما إذا قال: «لا يجب إكرام الجهّال إلاَّ عدولهم» أو قال: «يجب إكرام العلماء إلاَّ فساقهم» حيث أَنَّهُ بناءًا على القول بمفهوم الاستثناء يَدُلّ الأوّل بمفهومه على وجوب إكرام الجهّال العدول، والثاني على عدم وجوب إكرام العلماء الْفُسَّاق)، فإن أريد بمَوْضُوع الحكم الْمَفْهُومِيّ مُتَعَلَّق مُتَعَلَّقِهِ، فهو مذكور فِي المنطوق، لٰكِنَّهُ غير موضوع الحكم الْمَنْطُوقِيّ، ففي المثال الأوّل موضوع الحكم الْمَنْطُوقِيّ عبارة عن الْجُهَّال، بينما موضوع الحكم الْمَفْهُومِيّ عبارة عن الْجُهَّال العدول، وفي المثال الثَّانِي مَوْضُوع المنطوق «العلماء» ومَوْضُوع المفهوم «العلماء الْفُسَّاق».

 وإن أريد بموضوع الحكم الْمَفْهُومِيّ نفس الْمُتَعَلَّق من حيث هو، فهو مذكور فِي المنطوق بعينه، وهو «الإكرام» فِي المثالين، وإن أريد به الْمُتَعَلَّق المضاف والمنسوب إلى الموضوع الخاصّ فهو غير مذكور فِي المنطوق، فـ«إكرام الْجُهَّال العدول» فِي المثال الأوّل و«إكرام العلماء الْفُسَّاق» فِي المثال الثَّانِي غير مذكورين فِي المنطوق.

وأمّا مفهوم الحصر فالحق هو التَّفْصِيل فيه، وبيانه: إن الحصر على أقسام؛ إذ:

 تارةً يكون بلحاظ ذات الحكم (أي: يحصر الحكم فِي حكم مُعَيَّن كالوجوب مثلاً) كما إذا قال: «إِنَّمَا إكرام زيد واجب» فَيَدُلُّ بمفهومه (كما إذا قال: «إِنَّمَا إكرام زيد واجب»)، فَيَدُلُّ بمفهومه (بناءًا على القول بمفهوم الحصر) على انْتِفَاء الأحكام الأخرى (غير الوجوب) عن إكرام زيد.

 وأخرى يكون بِلِحَاظِ مُتَعَلَّقِ الحكم، أي: يحصر الْمُتَعَلَّق فِي فعلٍ مُعَيَّنٍ، كما إذا قال: «إِنَّمَا الواجب فِي حق زيد هو الإكرام»، فَيَدُلُّ بمفهومه (بناءًا على القول بمفهوم الحصر) على انْتِفَاء الوجوب عن فعل آخر بشأن زيد غير إكرامه.

 وثالثةً يكون بلحاظ مَوْضُوعِ الحكم، بمعنى مُتَعَلَّق مُتَعَلَّقه، أي: يحصر المَوْضُوع فِي شخصٍ مُعَيَّن أو فِي شيءٍ مُعَيَّن، كما إذا قال: «إِنَّمَا الَّذي يجب إكرامه هو زيد»، أو قال: «إِنَّمَا الَّذي يجب الصيام فيه هو نهار شهر رمضان، فبناءًا على القول بمفهوم الحصر يَدُلّ المثال الأوّل بمفهومه على انْتِفَاء وجوب إكرام غير زيد، ويدلّ المثال الثَّانِي بمفهومه على انْتِفَاء وجوب صيام غير نهار شهر رمضان.

 ورابعةً يكون بلحاظ شرط الحكم، أي: يحصر الشَّرْط فِي شرط مُعَيَّن، كما إذا قال «إنَّ زَيْداً إِنَّمَا يجب إكرامه إن زارك»، أو قال: «إن القصر إِنَّمَا يجب عليك إذا كنتَ مسافراً»، فبناءًا على القول بمفهوم الحصر يَدُلّ المثال الأوّل بمفهومه على انْتِفَاء وجوب إكرام زيد عند انْتِفَاء الزِّيَارَة، ويدلّ المثال الثَّانِي بمفهومه على انْتِفَاء وجوب القصر عنك عند انْتِفَاء السفر.

 إذن، فهذه أقسام أربعة للحصر.

ففي القسم الأوّل يكون مَوْضُوع المفهوم عين مَوْضُوع المنطوق المذكور فِي الكلام مطلقاً، سواء أريد بالمَوْضُوع مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق (وهو زيد فِي المثال)، أم أريد به الْمُتَعَلَّق من حيث هو (وهو الإكرام فِي المثال)، أم أريد به الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ (وهو إكرام زيد فِي المثال) كما هو واضح.

وفي القسم الثَّانِي يكون مَوْضُوع المفهوم عين مَوْضُوع المنطوق المذكور فِي الكلام، إن أريد بالمَوْضُوع مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق (وهو زيد فِي المثال). أما إذا أريد به الْمُتَعَلَّق سواء ذات الْمُتَعَلَّق من حيث هو، أم الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ، فهو غير مذكور فِي المنطوق؛ لأَنَّ مُتَعَلَّق المفهوم غير الإكرام، وهو غير مذكور فِي المنطوق أصلاً.

وفي القسم الثَّالث يكون مَوْضُوع المفهوم عين مَوْضُوع المنطوق إن أريد بالمَوْضُوع الْمُتَعَلَّق من حيث هو (وهو الإكرام فِي المثال الأوّل، والصيام فِي المثال الثَّانِي). أما إذا أريد به مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق (وهو غير زيد فِي المثال الأوّل، وغير نهار شهر رمضان فِي المثال الثَّانِي) أو أريد به الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ (وهو إكرام غير زيد فِي المثال الأوّل، وصيام غير نهار شهر رمضان فِي المثال الثَّانِي) فهو غير مذكور فِي المنطوق.

وفي القسم الرَّابع يكون مَوْضُوع المفهوم عين مَوْضُوع المنطوق إن أريد بالمَوْضُوع الْمُتَعَلَّق من حيث هو (وهو الإكرام فِي المثال الأوّل، والقصر فِي المثال الثَّانِي).

 وأمّا إذا أريد به مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق، أو الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ، فإن لم نقل برجوع الشَّرْط إلى المَوْضُوع (كما هو الصَّحِيح)؛ فمَوْضُوعُ المفهوم غير مَوْضُوع المنطوق؛ فَإِنَّ مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق للمفهوم هو زيد فِي المثال الأوّل، والمكلَّف فِي المثال الثَّانِي، وهما مذكوران فِي المنطوق، كما أن الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ فِي المفهوم هو إكرام زيد فِي المثال الأوّل، وقصر المُكَلَّف صلاته فِي المثال الثَّانِي، وهما مذكوران فِي المنطوق.

 وأمّا إن قلنا برجوع الشَّرْط إلى المَوْضُوع، فمَوْضُوعُ المفهوم غير مَوْضُوع المنطوق ثبوتاً؛ فَإِنَّ الشَّرْط إذا حُصر فِي شرط مُعَيَّنٍ كان مفهوم الحصر عبارة عن انْتِفَاء الحكم الْمَنْطُوقِيّ عند انْتِفَاء الشَّرْط، وبانتفاء الشَّرْط ينتفي موضوع الحكم الْمَنْطُوقِيّ؛ لرجوع الشَّرْط إلى المَوْضُوعِ حسب الفرض. نعم مَوْضُوع المفهوم عين مَوْضُوع المنطوق إثباتاً، كما هو واضح.

 هذا تمام الكلام فِي تعريف المفهوم. وبه تَمَّت الإجابة على السُّؤَال الأوّل حول تعريف المفهوم.