الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كانَ الكلامُ في أن مَوْضُوع الحكم الْمَفْهُومِيّ هل هو مذكور فِي المنطوق أو غير مذكور فِي المنطوق؟ فقلنا إن المقصود من الْمَوْضُوع إن كان عبارة عن مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق، فقد تقدّم حكمَه، وأمّا إن كان المراد من الْمَوْضُوع الْمُتَعَلَّق نفسه فهذا ما تقدّم شطر منه وإليك تكملته:

وأمّا مطلق مُتَعَلَّق الحكم الْمَفْهُومِيّ فِي القسم الرَّابع فلا يُفصّل فيه بين مقام الثُّبوت والإثبات، بل هو مذكور فِي المنطوق مطلقاً، سواء فِي عالم الإثبات كما هو واضح، أم فِي عالم الثُّبوت، سواء بنينا على عدم رجوع الشَّرْط إلى الموضوع كما هو واضح، أم بنينا على رجوعه إليه؛ إذ لا تأثير لرجوع الشَّرْط إلى الموضوع فِي الْمُتَعَلَّق ما لم يَنتسب ويُضاف إلى الموضوع؛ لأَنَّهُ أجنبي عن الموضوع حينئذٍ كما هو واضح، فيبقى «الإكرام» المذكور فِي المنطوق فِي مثال القسم الرَّابع هو مُتَعَلَّق الحكم الْمَفْهُومِيّ إثباتاً وثبوتا حتّى وإن بنينا على رجوع شرط الجهاد مع الإمام المعصوم عليه الصَّلاة والسلام إلى الموضوع ثبوتاً.

هذا تمام الكلام فِي مفهوم الموافقة، وقد عرفت أن أقسامه أربعة، وأن شخص الحكم الْمَفْهُومِيّ غير مذكور فِي المنطوق فِي جميع الأقسام، وأمّا سنخ الحكم الْمَفْهُومِيّ ونوعه فهو فِي بعض هذه الأقسام مذكور فِي المنطوق، وفي بعضها الآخر غير مذكور فِي المنطوق، وأمّا موضوع الحكم الْمَفْهُومِيّ فهو أيضاً يختلف باختلاف هذه الأقسام، وباختلاف المراد من الموضوع، على شرح وتفصيلٍ عرفتَه من خلال العَرَض المتقدّم.

 وقبل أن ننتقل إلى البحث عن مفهوم المخالفة ينبغي التَّنبيه على أَمْرَيْنِ:

الأوّل: أن ما ذكرناه من أقسام مفهوم الموافقة إِنَّمَا هو بلحاظ ما إذا كان المفهوم بِالنَّظَرِ إلى خصوص الحكم (وهو القسم الأوّل) أو بِالنَّظَرِ إلى خصوص الْمُتَعَلَّق (وهو القسم الثَّانِي) أو بِالنَّظَرِ إلى خصوص الموضوع (وهو القسم الثَّالث) أو بِالنَّظَرِ إلى خصوص الشَّرْط (وهو القسم الرَّابع).

وأمّا إذا فُرض أَنَّ الْمَفْهُومَ كان بِالنَّظَرِ إلى مجموع أَمْرَيْنِ مثلاً من هذه الأُمُور الأربعة بنحو التركيب، كما إذا قال: «يجب السلام على خُدَّام العلماء» حيث يَدُلّ بمفهومه الموافق وَالأَوْلَوِيَّة والفحوى على وجوب ردّ سلام العلماء؛ فَإِنَّ هذا المفهوم إِنَّمَا هو ثابت بلحاظ المجموع المركب من الْمُتَعَلَّق (وهو رد السلام) والموضوع (وهو «العلماء») فحينئذٍ يلحقه حكم كل من القسمين فِي عدم كون ما هو مذكور فِي المفهوم مذكوراً فِي المنطوق، فَمُتَعَلَّق الحكم الْمَفْهُومِيّ وهو رد السلام غير مذكور فِي المنطوق أصلاً، سواء أريد بالمتعلّق مطلق الْمُتَعَلَّق أم أريد به الْمُتَعَلَّق المضاف إلى الموضوع الخاصّ وهو «العلماء» الحكم الْمَفْهُومِيّ غير مذكور أيضاً فِي المنطوق أصلاً، سواء أريد به مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق (وهو «العلماء») أم أريد به الْمُتَعَلَّق مطلقاً أو مضافاً إلى الموضوع الخاصّ.

الثَّانِي: أن الضّابط الكلّي فِي جميع ما ذكرناه فِي مفهوم الموافقة هو أن ما يكون المفهوم بلحاظه لا يعقل أن يكون مذكوراً فِي المنطوق، وإلا لانقلب المفهوم منطوقا، ففي القسم الأوّل حيث أَنَّ الْمَفْهُومَ إِنَّمَا هو بلحاظ الحكم، فلا يعقل أن يكون الحكم الْمَفْهُومِيّ مذكوراً فِي المنطوق، وإلا لأصبح منطوقا، وهو خلف.

وفي القسم الثَّانِي حيث أَنَّ الْمَفْهُومَ إِنَّمَا هو بِلِحَاظِ الْمُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ، فلا يعقل أن يكون مُتَعَلَّق الحكم الْمَفْهُومِيّ مذكوراً فِي المنطوق، وإلا لأصبح منطوقاً، وهو خُلف.

وفي القسم الثَّالِث: حيث أَنَّ الْمَفْهُومَ إِنَّمَا هو بلحاظ موضوع الحكم، فلا يعقل أن يكون موضوع الحكم الْمَفْهُومِيّ مذكوراً فِي المنطوق، وإلا لأصبح منطوقا، وهو خلف.

وفي القسم الرَّابع حيث أَنَّ الْمَفْهُومَ إِنَّمَا هو بلحاظ شرط الحكم، فلا يعقل أن يكون شرط الحكم الْمَفْهُومِيّ مذكوراً فِي المنطوق، وإلا لأصبح منطوقا وهو خلف. هذا تمام الكلام فِي مفهوم الموافقة.

وأمّا مفهوم المخالفة فهل الحكم أو موضوع الحكم فيه مذكور فِي المنطوق أم لا؟

الجواب: أما الحكم الْمَفْهُومِيّ فلا إشكال فِي أَنَّهُ غير مذكور فِي المنطوق، لا بشخصه كما هو واضح وإلا لم يكن مفهوماً بل يصبح منطوقا، ولا بسنخه ونوعه كما هو واضح أيضاً، وإلا لم يكن مفهوماً مخالفاً، بل يصبح مفهوماً موافقاً؛ ضرورةَ أنّ الاِتِّحَاد السنخي بين الحكم الْمَفْهُومِيّ والحكم الْمَنْطُوقِيّ ينافي فرض مخالفة المفهوم للمنطوق فِي الكيف.

وأمّا موضوع الحكم الْمَفْهُومِيّ فهل هو مذكور فِي المنطوق أم لا؟

التَّحْقِيق هو التَّفْصِيل بين أقسام مفهوم المخالفة، فنقول:

أما مفهوم الشَّرْط كما إذا قال: «إن جاء زيد فأكرمه»، حيث يَدُلّ بمفهومه (بناءًا على القول بمفهوم الشَّرْط) على انْتِفَاء وجوب «إكرام زيد» عند انْتِفَاء «مجيئه». فالأمر فيه دائر مدار رجوع الشَّرْط إلى الموضوع وعدم رجوعه إليه. فإن رجع إليه فموضوع المفهوم غير مذكور فِي المنطوق بلحاظ عالَم الثُّبوت والواقع؛ لأَنَّ الشَّرْط مُنْتَفٍ فِي المفهوم حسب الفرض، وبانتفائه ينتفي الموضوع، لرجوع الشَّرْط إلى الْمَوْضُوع ثبوتاً حسب الفرض، فمَوْضُوعُ المفهوم ثبوتاً غير مَوْضُوع المنطوق قَطْعاً؛ ففي المثال مَوْضُوع عدم وجوب الإكرام هو «زيد غير الجائي» ومَوْضُوع وجوب الإكرام هو «زيد الجائي».

 نعم، مَوْضُوع المفهوم مذكور فِي المنطوق بلحاظ عالَم الإثبات والإسناد (وهو زيد فِي المثال)، وأمّا إن لم يرجع الشَّرْط إلى المَوْضُوعِ، إذن فموضوع المفهوم مذكور فِي المنطوق مطلقاً ثبوتاً وإثباتا (وهو زيد فِي المثال).

 هذا إذا كان المراد من المَوْضُوعِ مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق.

 وأمّا إذا كان المراد نفس الْمُتَعَلَّق من حيث هو (أي: الإكرام فِي المثال)، فالمتعلق فِي المفهوم عين الْمُتَعَلَّق فِي المنطوق.

 وأمّا إن كان المراد منه الْمُتَعَلَّق المضاف والمنتسب إلى المَوْضُوعِ الخاصّ (أي: إكرام زيد) فحاله حال ذاك المَوْضُوع الخاصّ، وقد عرفت الحال فيه آنِفاً.

وأمّا مفهوم الوصف كما إذا قال: «أكرم العالم العادل»، حيث يَدُلّ بمفهومه (بناءًا على القول بمفهوم الوصف) على انْتِفَاء وجوب إكرام العالم عند انْتِفَاء العدالة فيه، فَحَيْثُ أَنَّ الوصف داخل فِي المَوْضُوع دائماً، فلذا يكون مَوْضُوع المفهوم غير مذكور فِي المنطوق إن كان المراد من المَوْضُوع مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق (وهو العالم العادل فِي المثال)، أو الْمُتَعَلَّق المضاف والمنتسِب إلى المَوْضُوع الخاصّ (وهو إكرام العادل فِي المثال)؛ وذلك لأَنَّ الوصف مُنْتَفٍ فِي مفهوم الوصف حسب الفرض، وبانتفائه ينتفي الموضوع المذكور فِي المنطوق؛ لدخول الوصف فِي الموضوع كما قلنا.

 وأمّا إن كان المراد من الموضوع نفس الْمُتَعَلَّق من حيث هو (أي: الإكرام فِي المثال) فهو مذكور فِي المنطوق كما هو واضح.

وأمّا مفهوم اللَّقَب (كما إذا قال: «أكرم الرجال»، حيث يَدُلّ بمفهومه - بناء على القول بمفهوم اللَّقَب - على انْتِفَاء وجوب الإكرام عند انْتِفَاء الرجولة) فالموضوع فيه عين الموضوع فِي المنطوق إن أريد به الْمُتَعَلَّق من حيث هو (أي: الإكرام فِي المثال).

 وأمّا إن أريد به مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق (أي: الرّجال فِي المثال)، أو الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ (أي: إكرام الرّجال) فهو غيره؛ فَإِنَّ مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق فِي المفهوم عبارة عن «النساء»، وَالْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ عبارة عن «إكرام النساء»، وهما غير مذكورين فِي المنطوق كما هو واضح.

وأمّا مفهوم العدد (كما إذا قال: «أكرم عشرة أشخاص» أو قال: «صُم ستّين يوماً» حيث يَدُلّ بمفهومه - بناءًا على القول بمفهوم العدد - على انْتِفَاء وجوب الإكرام والصيام عند انْتِفَاء العدد المذكور)، فجميع الخُصُوصِيّات فيه مشتركة بينه وبين المنطوق سوى العدد الخاصّ، فذلك العدد (أيّ شيء فرض) يختلف فِي المفهوم عنه فِي المنطوق، وأمّا سائر الخُصُوصِيّات المفهومية (من الحكم ومتعلّقه وموضوعه وشرطه) مع قطع النَّظَر عن الإيجاب وَالسَّلْب فهي ثابتة فِي المنطوق.

وأمّا مفهوم الغاية (كما إذا قال: «صُم إلى الليل» حيث يَدُلّ بمفهومه - بناءًا على القول بمفهوم الغاية - على انْتِفَاء وجوب الصوم عند تحقّق الغاية) فَحَيْثُ أَنَّ الحكم فِي المنطوق (وهو وجوب الصوم فِي المثال) محدَّد بتلك الغاية فِي آخره، والحكم فِي المفهوم وهو عدم وجوب الصوم فِي المثال محدَّد بتلك الغاية فِي أوله، لذا يستحيل أن يكون موضوع المفهوم مذكوراً فِي المنطوق بعنوان كونه موضوعاً له بناءًا على خروج الغاية عن المغيّى؛ إذ بناءًا على ذَلِكَ يكون موضوع الحكم الْمَنْطُوقِيّ عبارة عمَّا قبل الغاية (أي: الليل فِي المثال) بينما مَوْضُوع الحكم الْمَفْهُومِيّ عبارة عن الليل، والليل لم يذكر فِي المنطوق بعنوان كونه مَوْضُوعاً للحكم الْمَنْطُوقِيّ. نعم، ذُكر فيه بعنوان كونه حَدّاً للحكم الْمَنْطُوقِيّ.

 هذا إن كان المراد من المَوْضُوعِ مُتَعَلَّق الْمُتَعَلَّق كما مثَّلنا.

 وأمّا إن كان المراد من المَوْضُوع نفس الْمُتَعَلَّق من حيث هو (أي: الصيام فِي المثال)، فالمَوْضُوعُ فِي المفهوم والمنطوق واحد.

 وأمّا إن كان المراد من المَوْضُوعِ الْمُتَعَلَّق المضاف إلى المَوْضُوع الخاصّ (أي: صيام ما قبل الليل فِي المثال) فحاله حال المَوْضُوع الخاصّ، وقد عرفت أَنَّهُ فِي المفهوم غيره فِي المنطوق، فصيام الليل لم يُذكر فِي المنطوق.

 بعد ذلك نأتي إلى مفهوم الاستثناء والحصر غداً إن شاء الله تعالى.