46/06/12
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض
قلنا سنبحث احتمال كون الغرض مردّدا بين الأقلّ والأكثر حتّى لا يتحوّل إلى الشكّ في المحصّل من خلال خمس فرضيّات نبحث عن كلّ منها أنّه هل يتمّ احتمال كون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر كفعل المكلّف أو لا؟
كانت الفرضيّة الأول هي التي تستوحى من كلمات المحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه حيث بنى على أنّ تحصيل الغرض غير واجب في فرض بحثنا؛ لأنّا غير قادرين على تشخيصه، وفعل المكلّف يكون من المقدّمات الإعداديّة التي قد لا تؤدّي الغرض بوحدها وليس علّة تامّة لتحصيله.
والسيد الخوئيّ أورد إيراداً عليه ثمّ أورد أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إيراداً على كلام السيد الخوئيّ وهذه الأبحاث مضت.
ثمّ نبّه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إلى وجود نقطة ضعف في بيان المحقّق النائينيّ وهي لم تتّضح بالقدر الكافي؛ لأنّا سنحتاج إلى هذه النقطة في الفرضيّة الثانية التي عبارة عن نفس الفرضيّة الأولى مع رفع هذه النقطة.
نقطة الضعف عبارة عن أنّ المحقّق النائينيّ جعل السبب الوحيد لرفع اليد عن وجوب تحصيل الغرض هو عدم التمكّن من تحصيله؛ لأنّ النسبة بين الغرض وفعلنا ليست نسبة العلّيّة [لأنّ] فعله ليس علّة تامّة حتّى يتمكّن من خلالها تحصيل الغرض، بل هو إنّما من المقدّمات الإعداديّة للغرض، والمقدّمة الإعداديّة لا تكفي لتحصيل الغرض. فعلى هذا الأساس قال بعدم وجوب تحصيل الغرض، فإذا لم يجب تحصيله لا يتحوّل إلى الشكّ في المحصّل الذي لا تجري فيه البراءة.
فجعل السبب الوحيد هو عدم التمكّن، وهذا يؤدّي إلى محذور باطلٍ وهو عبارة عن أنّه إذا كان كذلك فإذا شكّ في أنّ الغرض هل يحصل بفعلٍ ما من الأفعال الاختياريّة أو لا، فالمفروض أن يقول بجريان الاشتغال لا البراءة؛ لأنّ السبب الوحيد الذي ذكر ليس موجوداً؛ لأنّ هذه المقدّمة الإعداديّة لا يعلم أنّها تُحصِّل الغرضَ أو لا؟ فيبقى اشتغال الذمّة في حين أنّه قد يجري البراءة عن الفعل الزائد المحتمل. فما افترضه من أنّ السبب الوحيد هو عدم التمكّن غير صحيح؛ لأنّه يوجد سبب آخر وهو الشكّ في أنّ هذا الفعل هل يكفي لتحصيل الغرض أو لا، فتجري البراءة عن الجزء الزائد ونرفع اليد بهذه البراءة عن وجوب تحصيل الغرض.
والآن نستفيد من الفهم الدقيق من هذ الضعف فنقول إنّ الفرضيّة الثانية هي الفرضيّة الأولى بعد إزالة هذا الضعف عنها.
توضيح ذلك أنّا نبني على ما بنى عليه المحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه من عدم وجوب تحصيل الغرض في أمثال ما نحن فيه؛ لأنّ فعلنا مقدّمةٌ إعداديّة قد لا تحصّل الغرض، فلا يتحوّل الشكّ في الغرض إلى الشكّ في المحصّل، هذا الكلام إلى هذا الحدّ نمشي معه ولكن لا نقول إنّ السبب الوحيد لعدم وجوب تحصيله هو عدم التمكّن [من إتيان المقدّمات]، بل هناك سببٌ آخر وهو الشكّ في أنّ هذا الفعل هل يحقّق الغرض أو لا، وهنا نقول بجريان البراءة عن الجزء الزائد المحتمل والسبب هذا الشكّ.
فليس دائماً كلّ مقدّمة إعداديّة لغرض توجب تحصيل الغرض؛ إذ لعلّ المولى تبارك وتعالى يجري لنا البراءة عن هذه المقدّمة أو المقدّمة الإعداديّة الزائد المحتمل كالجزء العاشر، لا لأجل عدم التمكّن من تحصّل الغرض، بل لأجل تسهيل الأمر.
مثل ما إذا كان غرض الآمر تحصيل الكتاب المعيّن من المكتبة فيأمر العبد بالتفتيش في المكتبة في حين أنّ المقدّمة الإعداديّة ليست منحصرة به، فإذا لم يجد في مكتبته فالمقدّمة الإعداديّة تحصّل بالسفر إلى مدينة أخرى والتفتيش في مكتبتها، فهذا أيضاً يحقّق المقدّمة الإعداديّة، فمجرّد أن يكون الغرض مهمّاً لا يعني أنّه لا بدّ له أن يحقّق ذلك بأيّ مقدّمة إعداديّة يتمكّن منها، بل لعلّ المولى لا يأمره بتفتيش المكتبة في مدينة أخرى تسهيلاً.
وما نحن فيه كذلك، فالمولى قد يأمره بتحصيل المقدّمة الإعداديّة بقدر تسعة أجزاء وإن كان لا يدري أنّها تحقّق الغرض أو لا، لكنّ المولى يجري البراءة عن أكثر من ذلك، وهذا معقول.
فبهذا سيزول نقطة الضعف التي كانت في بيان المحقّق النائينيّ النابعة من حصر السبب في عدم وجوب تحصيل الغرض بعدم التمكّن.