46/06/07
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض
قلنا إنّ المانع الثالث من الموانع التي قد تطرح عن جريان البراءة في موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر عبارة عن العلم بالغرض وهو يحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل.
قلنا يوجد في حالات احتمال كون الغرض المطلوب تحصيله بنفسه مردّداً بين الأقلّ والأكثر خمس فرضيّات؛ لأنّه في مقابل من يدّعي أنّ هذا شكّ في تحصيل الغرض، ولا بدّ في هذه الموارد من تحصيل اليقين لأنّ الغرض قد حصل فيقال بأنّه إذا أدّى بمقدار تسعة أجزاء ولم يؤدّ الجزء العاشر المشكوك فيشكّ في تحصيل الغرض وهذا غير صحيح؛ لوجوب تحصيل اليقين بتحصيل الغرض.
وقلنا لا بدّ من تحصيل اليقين بحصوله؛ لأنّه كما يجب متعلّق التكليف يجب تحصيل الغرض أيضاً.
وقلنا في مقابل ذلك احتمال كون الغرض أيضاً مردّدا بين الأقلّ والأكثر فكما تجري البراءة في الفعل الزائد المحتمل وجوبه فكذلك تجري في الغرض الزائد المحتمل وجوبه.
هذا الاحتمال قلنا يوجه فيه خمس فرضيّات لا بدّ وأن نبحثها حتّى نجد أنّه على أيّ فرضيّة منها ندّعي احتمال كون الغرض المطلوب تحصيله بنفسه مردّداً بين الأقلّ والأكثر.
الفرضيّة الأولى ما يستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمه الله، فإنّه في أمثال الصلاة من الواجبات العباديّة – سواء كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر أو لا – يقول: لا يجب تحصيل الغرض أصلاً. فما يقال من وجوب تحصيل أو إحراز حصول الغرض لا يجري في العبادات، وبالتالي لا يجب في ما نحن فيه تحصيل الغرض حتّى يقال إنّ الشكّ بالغرض يتحوّل إلى الشكّ في المحصّل فلا بدّ من تحصيل اليقين. وذلك لأنّه يوجد قسمان من الأغراض يجب في أحدهما تحصيل الغرض ولا يجب في القسم الآخر وما نحن فيه من القسم الثاني.
فالقسم الأوّل عبارة عمّا إذا كان نسبة الغرض إلى فعل المكلّف نسبة المعلول إلى علّته بحيث لو حقّق الفعل ترتّب عليه مائة بالمائة حصول الغرض، كما في العلل والمعلولات. فمثلاً بالنسبة إلى إحراق الورقة بالنار فتسليط النار على الورقة الخالية عن الرطوبة علّة تامّة في احتراق الورقة فإذا وجدت العلّة وجد المعلول. ففي هذه الموارد إذا كان الغرض من هذا القبيل لوجب تحصيله.
والقسم الثاني هو ما إذا لم تكن نسبةُ الغرض إلى فعل المكلّف نسبةَ المعلول إلى العلّة، بل كنسبة الشيء إلى إحدى مقّدماته [الإعداديّة] بنحو لو التحق بها المقدّمات الأخرى تصير علّة وإذا لم تلتحق بها لا تصير علّة.
يقول المحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه: يجب في القسم الأوّل تحصيل الغرض ولا يجب في الثاني.
فالبحث هنا يستدعي ثلاثة أمور:
أوّلاً: لماذا لا يكون ما نحن فيه من القسم الأوّل؟
وثانيا: لماذا يكون من القسم الثاني؟
وثالثا: ما هو الدليل على أنّه إذا كان من القسم الأوّل لا يجب تحصيل الغرض وإذا كان من الثاني يجب؟
فيقول [المحقّق النائينيّ] رضوان الله تعالى عليه: إذا شُكّ في أنّ فعل المكلّف من أيٍّ من هذين القسمين نختبر ذلك من خلال الأمر الذي تعلّق بذلك الفعل [في لسان الدليل]، فإذا وجدنا أنّ الأمر تعلّق بالغرض نعرف أنّ هذا الغرض معلول لفعل المكلّف وإذا تعلّق بالفعل الذي يترتّب عليه الغرض نعرف أنّ النسبة ليست نسبة المعلول إلى علّته بل نسبة الشيء إلى إحدى مقدّماته [الإعداديّة] والوجه في الاختبار بهذه الطريقة هو أنّه إذا كانت النسبة نسبة العلّية فالمولى لا يأمر عادة بالعلّة بل يأمر بالمعلول، فإذا كان غرض المولى احتراق الورقة لا يأمر بإلقائه في النار بل يأمر بإحراقه.
بخلاف ما إذا كان الفعل مقدّمةً من مقدّمات الغرض [الإعداديّة]، فالمولى لا يقول حقّق الغرض بل يقول حقّق هذا الفعل سواء حصل باقي المقدّمات أو لا، فإذا حصل الباقي يتحقّق الغرض وإذا لم يحصل لا يتحقّق.
فإذا كان تحصيل الغرض اختياريّاً – يعني أنّه يعرف العلّة وإذا حقّق العلّة يتحقّق المعلول – فهذا يصير من القسم الأوّل وإذا كان غير اختياريّ فهذا يعني أنّ غاية ما في قدرة المكلّف أن يحقّق هذه المقدّمة. وهل تتحقّق المقدّمات الأخرى أو لا؟ [فإنّ] هذا ما ليس بيده وخارج عن قدرته.
يقول المحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه بأنّ ما نحن فيه من القسم الثاني لا الأوّل، أي يكون من القسم الذي يكون تحصيل الغرض فيه غير واجب.
[فتخلّص ممّا ذكرنا] أنّه إذا لم يجب تحصيل الغرض لا يتحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل حتّى يقال يجب إحراز المحصّل في هذه الموارد، ففي ما نحن فيه لا يجب تحصيل الغرض أصلاً حتّى يتحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل الذي يجب فيه التأكّد من المحصّل.
هذا كلام المحقّق النائيني رضوان الله تعالى عليه وأورد عليه السيّد الخوئي وأستاذنا الشهيد يكمّل [البحث بـ]ـإيراده [على السيّد الخوئي] وسيأتي.