الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزا� / الاتّجاه الثاني ل�براز عنصر التباين

انتهينا من تحقيق حقيقة الواجب الارتباطيّ، وبيّنّا أنّ لهذا الواجب ثلاثة تصاوير:

التصوير الأوّل يرى أنّ أجزا� الواجب الارتباطيّ هي أجزا� بذاتها ومقيّدة بعضها ببعض.

التصوير الثاني، الذي ذكره المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه، يرى أنّ وحدانيّة هذه الأجزا� تأتي في مرتبة متأخّرة عن عروض الوجوب.

التصوير الثالث، الذي بيّنه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه، يقوم على أنّ هذه الأجزا� تدخل تحت عنوان «المجموع»، وهو عنوان يبتكره الذهن البشريّ ويلبسه على الأشيا� الخارجيّة.

والآن نعود �لى مسألة الشكّ في الأقلّ والأكثر: هل العلم ال�جماليّ بأنّ الواجب �مّا الأقلّ أو الأكثر يمنع من جريان البرا�ة عن الجز� الزائد؟

لقد قلنا �نّ جريان البرا�ة أو عدمه متوقّف على تحديد طبيعة العلم ال�جماليّ، ف�ن كان العلم ال�جماليّ بين المتباينين، ف�نّه يمنع جريان البرا�ة، وأمّا �ذا كان بين الأقلّ والأكثر بالنحو الذي ينحلّ فيه �لى علم تفصيليّ بالأقلّ وشكّ بالزائد، فتجري البرا�ة.

وقد طُرحت اتجاهان لتفسير التباين بين طرفي هذا العلم ال�جماليّ:

الاتجاه الأوّل: التباين يحصل بالنظر �لى حدّ الأقلّ وحدّ الأكثر.

ومرّ البحث عن هذا الاتجّاه وذكرنا أنّه واضح البطلان؛ لأنّ الحدّ (سوا� كان حدّ الأقليّة أو الأكثريّة) ليس داخلاً في متعلّق الوجوب. فالوجوب يتعلّق بذات الواجب، لا بحدوده.

الاتجاه الثاني: أحد طرفي العلم ال�جماليّ (الأقلّ) مردّد بين ال�طلاق والتقييد.

وقد قلنا في بحث ال�طلاق والتقييد �نّ النسبة بينهما هي التباين، بنا�ً على ما هو الصحيح من أنّ ال�طلاق أمر عدميّ والتقييد وجوديّ. �ذًا، يدور أمر الأقلّ بين الوجود والعدم، وهما متباينان. وبالتالي، يكون العلم ال�جماليّ هنا بين المتباينين.

بعد تحقيق حقيقة الواجب الارتباطيّ، يجب أن نبحث: هل الاتجاه الثاني (الذي يرى أنّ العلم ال�جماليّ غير منحلّ ويكون بين المتباينين) صحيح وفق أيٍّ من التصاوير الثلاثة التي قدّمناها للواجب الارتباطيّ؟

1- تكملة البحث في الاتّجاه الثاني على ضو� التصاوير الثلاثة لحقيقة الواجب الارتباطيّ

1.1- بنا�ً على التصوير الأوّل:

بنا�ً على هذا التصوير، واجب الارتباطي يدور بين ال�طلاق والتقييد، والنسبة بينهما هي التباين. لذا، قد يُقال �نّ العلم ال�جماليّ هنا يكون بين المتباينين.

1.2- بنا�ً على التصوير الثاني (المحقّق العراقيّ):

بنا�ً على هذا التصوير، ف�نّ وحدانيّة أجزا� الواجب الارتباطيّ تأتي في مرتبة متأخّرة عن تعلّق الوجوب. وبالتالي، في ظرف تعلّق الوجوب، لا يوجد تعدّد حتّى يكون هناك تباين. لذا، الاتجاه الثاني لا يتمّ على هذا التصوير.

1.3- التصوير الثالث (أستاذنا الشهيد):

بنا�ً على هذا التصوير، الذهن البشريّ يخلق صورة وحدانيّة بعنوان «المجموع»، التي تتضمّن الأجزا�. على الرغم من أنّه قد يُتوهّم أنّ النسبة بين صورتين ذهنيّتين مختلفتين (مجموع 9 أجزا� أو 10 أجزا�) هي التباين، �لّا أنّ النسبة بينهما في الواقع ليست تبايناً حقيقيّاً، بل هي نسبة الأقلّ والأكثر.

النتيجة:
بنا�ً على التصوير الأوّل، قد يبدو الاتجاه الثاني صحيحاً. أمّا بنا�ً على التصويرين الثاني والثالث، فلا يكون العلم ال�جماليّ بين المتباينين، وبالتالي لا يمنع جريان البرا�ة عن الجز� المشكوك فيه.