الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ

1- تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ

كان الكلام في تحقيق حقيقة الواجبات الارتباطيّة، وقلنا إنّه توجد ثلاثة تصاوير لها.

التصوير الأوّل: أنّ أجزاء الواجب الارتباطيّ كلّ جزء منها يُعدّ جزءاً في نفسه وشرطاً لغيره. وقد مضى الكلام في ذلك وناقشنا هذا التصوير.

التصوير الثاني: للمحقّق العراقيّ يتلخّص في أنّ أجزاء الواجب الارتباطيّ متوحّدة فيما بينها بوحدة متأخّرة رتبة عن عروض الوجوب. وقد أورد عليه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إشكالاً مفاده أنّ العارض والمعروض لا بدّ وأن يكونا في ظرف العروض متناسخين من حيث التوحّد والتكثّر. وقد أقام على هذا الإشكال دليلين، كان الأوّل منهما فلسفيّاً.

1.1- التصوير الثالث لحقيقة الواجب الارتباطي

أمّا التصوير الثالث فيظهر في ضوء ما بحثه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه في بعض الأبحاث القديمة، حيث بيّن أنّ العناوين الذهنيّة على قسمين. والوجوب بما هو نوع من الحبّ والشوق – أو ما يستلزمهما بما يناسب شأن الله تبارك وتعالى – يعني أنّ الله يحبّ منّا الواجب الارتباطيّ. وهذا الحبّ يعرض على أجزاء الواجب الارتباطيّ، والمعروض بالذات لهذا الحبّ في الذهن والنفس البشريّة، وإن كان المعروض بالعرض في عالم الخارج. لذا، لا بدّ أن نبحث عن هذا المعروض بالذات ونحدّد أنّه من أيّ القسمين اللذين بحثهما أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه؟

في ضوء هذا البحث يظهر التصوير الثالث، أي في إطار البحث عن أنّ العناوين الذهنيّة التي هي المعروض بالذات للحبّ والشوق – الحاصلين بالوجوب في عالم الملاك والمتعلّقين بالغرض المولويّ المرتبط بهذا الفعل وهذه الأجزاء – لا بدّ أن تكون في عالم الذهن أيضاً. هذا التصوير يتلخّص في أنّ العنوان الذي يتعلّق به الحبّ والشوق في الواجب، هو بالذات من القسم الثاني من العناوين الذهنيّة. هذه العناوين إمّا مستوردة من الخارج، كعنوان الإنسان الذي يُجَرّد من الخصوصيّات الفرديّة، أو عناوين يبتكرها الذهن ولا وجود لها في الخارج، كعناوين «المجموع» و«الكليّ».

العناوين من القسم الثاني تُعتبر صناعات ذهنيّة، حيث يصنعها الذهن في معمله الخاصّ، ولا يستوردها من الخارج عبر التجريد. لذا، في أجزاء الواجب الارتباطيّ، المعروض بالذات للحبّ هو عنوان ذهنيّ من القسم الثاني. لأنّ الحبّ والشوق يتعلّقان بالمجموع بما هو مجموع، لا بالأجزاء منفردة، والمجموعيّة من عناوين القسم الثاني.

بهذا يتّضح أنّ تصوير حقيقة الواجبات الارتباطيّة يعتمد على كونها دائماً من عناوين القسم الثاني. ومن هنا، يظهر قوّة هذا التصوير الثالث الذي يختاره أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه بعد إبطال التصويرين الأوّل والثاني.

وبذلك ننتهي من بحث تصوير حقيقة الواجبات الارتباطيّة. ونعود مرّة أخرى إلى مسألة الشكّ في الأقلّ والأكثر، لنبحث أيّاً من هذه التصاوير الثلاثة يناسب الاتّجاهات التي بحثناها سابقًا في هذه المسألة. هل هما متباينان بحيث يصير العلم الإجماليّ مانعاً عن إجراء البراءة، أو هما كالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين من حيث الانحلال إلى واجب مسلّم وشكّ في الجزء الزائد، فتجري البراءة عن الجزء المشكوك فيه؟