46/05/10
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ
قلنا إنّ المحقّق العراقيّ (رضوان الله تعالى عليه) صوّر حقيقة الواجب الارتباطيّ بأنّ التوحّد الذي لا بدّ من الإيمان به في أجزائه يحصل بعد عروض الوجوب لا بالمعاصرة معه ولو رتبة.
وأورد عليه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه بإيرادين، كان الإيراد الأوّل فلسفيّاً قد مرّ بيانه في الدروس الماضية، ووصلنا إلى الإيراد الثاني حيث يقول: إذا قبلنا ما يقوله المحقّق العراقيّ، فهو ينافي قاعدة يؤكّد عليها أستاذنا الشهيد في كلّ عارض ومعروض، لا فقط في الوجوب وأجزاء الواجب الارتباطيّ، نسمّيها بـ«قاعدة التسانخ في الوحدة والتكثّر» وهي تنصّ على: لا بدّ في كل عارض ومعروض أن يكونا من سنخ واحد من حيث الوحدة والتكثّر، وكلام المحقّق العراقيّ ينافي هذه القاعدة.
المحقّق العراقيّ يقول: إنّ التوحّد الذي نحتاجه في أجزاء الواجب الارتباطيّ يحصل بعد عروض الوجوب لا معاصراً له، بينما هذه القاعدة تقول: لا بدّ أن يكون العارض والمعروض متناسخين في العروض، أي إنّ هذا التوحّد لا بدّ أن يحصل من البداية؛ لأنّ الوجوب واحد، فالتوحّد الذي نحتاجه في تلك الأجزاء يجب أن يكون في عرض الوجوب ومعاصراً له، ولا يمكن أن يحصل بعده كما يدّعيه المحقّق العراقيّ.
فالدليل الأوّل على صحّة هذه القاعدة كان فلسفيّاً مرّ في الدروس الماضية، والدليل الثاني هو أنّه تارة يفرض أنّ العارض بتمامه يعرض على الأشياء المتكثّرة، فلا بدّ لتلك الأشياء من أن تتوحّد بشكل من الأشكال معاصرة لعروض العارض؛ لأنّ العارض شيء واحد وإذا كان كذلك فلا بدّ أن تتوحّد الأشياء التي قد تبدو بالظاهر في المعروض معاصرة لعروض العارض الواحد.
مثلاً عندما يعرض حبّي على مجموعة أشخاص فهو على شكلين، تارة يكون تمام حبّي على هذا الفرد وتمامه على ذاك وتارة يكون حبّى على هذه المجموعة بما هي مجموعة، وعلى كلا الفرضين يكون توحّد المعروض معاصراً لعالم العروض.
أمّا على الفرض الأوّل فيتمّ قاعدة التسانخ لأنّ هذه العروضات تصير عارضة على هذا الفرد وحدها وعارضة على ذاك الفرد وحدها فيصير العارض أيضاً متعدّداً، فلا يحصل التوحّد المطلوب، فإذاً لا بدّ أن نقول بوجود التسانخ بين العارض والمعروض.
وعلى الفرض الثاني يصير التسانخ محفوظاً أيضاً؛ لأنّ هذا الجزء من الحبّ مسانخ مع هذا الفرد بوصفه جزءاً مع هذه المجموعة والجزء الآخر منه يصير على جزء آخر منها فتمّ التسانخ أيضاً.
فعلى كلا الفرضين يتمّ التسانخ ولا ثالث للفرضين، فيثبت بذلك قاعدة التسانخ.
أستاذنا الشهيد يطبّق القاعدة على ما نحن فيه حيث يرى أنّ كلام المحقّق العراقيّ ينافي هذه القاعدة لكن في جانب التوحّد، لا التكثّر، بمعنى أنّ كلامه لا يشمل جانب التكثّر، بل يقول في جانب التوحّد لا يعاصر هذا التوحّد العروضَ بل يحصل بعده ونحن نقول إنّ كلامه في جانب العروض لا يتناسب مع القاعدة بل يخالفها.
ففي الارتباطيّ نقول يوجد فرضان، ونسأل المحقّق العراقيّ هل تقصد بأنّ الوجوب بتمامه يعرض على كلّ جزء وجزء؟ أو تؤمن بأنّ الوجوب يتجزّأ فجزء منه على هذا الجزء من الواجب الارتباطيّ وجزء منه على ذاك الجزء؟
فعلى كلا الفرضين تصحّ قاعدة التسانخ. وعليه فكلام المحقّق العراقيّ غير تامّ.
وبهذا ننتهي من التصوير الثاني من تصاوير حقيقة الواجب الارتباطيّ.